الفصل الرابع عشر
يُقال إنه إذا لم يبدأ غموض أي قضية في التكشُّف خلال الأربع والعشرين ساعة الأولى، فإنها لن تُحل أبدًا. لم أومن قَطُّ بهذا الاعتقاد. فلو كنت فعلت، لم أكن لأحل نصف عدد القضايا التي حللتها. إذا ما واصلت المحاولة، ففي تسعٍ من كل عشر قضايا، ستحصل على نتيجةٍ ما. ولكن بعد مرور خمسة أيام من عدم إحراز أي تقدم، بدأت أخشى أن يكون مقتل بن هو القضية الوحيدة من كل عشر قضايا التي ليس لها حل.
لم يكن الأمر يتعلَّق بالاجتهاد في العمل. كنت أعرف أن جميع ضباط فِرقتي يعملون فتراتٍ أطول بكثير من ساعات عملهم المحددة، غير عابئين بما إذا كانوا سيتقاضون أجورًا إضافية أم لا. ومما سمِعته من جون برتون، كان الأمر نفسه ينطبق على فِرقته. عندما يُقتل شرطي، يصبح الوضع هكذا. ولم نهمل قضيتَي جوي سكاردينو وبريان كوبر، بل كان العمل عليهما يجري على قدمٍ وساق.
لم أتمكَّن من رؤية ستيلا كثيرًا منذ صباح يوم عودتها. كنت أعمل منذ لحظة استيقاظي حتى موعد النوم وما بعده أيضًا، ولم أكن أعود إلى المنزل إلا لخطف بضع ساعات من النوم عندما يعجز جسدي وذهني عن الصمود. أعدَّت ستيلا تقريرَ تشريح جثة بن. وكان تقريرها أكثرَ تقريرٍ مفصَّل قرأتُه في حياتي. فيما عدا ذلك، لم أكن أعرف أين تكون أو ماذا تفعل. ومن ثَم، لم أكن أعرف كيف سنغيِّر الوضع فيما بيننا. كانت هذه الخطوة ستؤجل إلى ما بعد الزج بقاتل بن في السجن.
بعد ستة أيام من بدء البحث عن الوحش الذي ذبح بن، جاءت ستيلا إلى مكتبي والجدية بادية على وجهها. وقالت ملقيةً جسدها على المقعد المواجه لمكتبي: «أريد أن أتحدَّث إليك يا آندي.» بدت كأنها لم تحظَ بقسطٍ كافٍ من النوم منذ عودتها، كحالي تمامًا.
«أسعد بالتحدُّث إليك دائمًا، يا ستيلا.» لم أكن أغازلها، وكانت تدرك ذلك.
قالت: «لقد قضيت الأيام القليلة الماضية وحدي تمامًا. أعلم أنه يجدر بي أن أثق بأن مَن أعمل معهم سيؤدون عملهم على الوجه الأكمل، ولكني لم أستطع منع نفسي. يمكنك أن تقول إني مهووسة بالسيطرة، ولكن لو لم أُجرِ تشريح الجثة بنفسي، لظللت أفكِّر طوال الوقت في أن ثمة المزيد لاكتشافه.» بدا بعض الإحراج على وجهها، ولكني لم أرَ داعيًا إلى ذلك. فأنا مثلها تمامًا.
قلت: «على الأرجح أنك محقة في ذلك. فأنت الأفضل في هذا المجال.»
رمقتني بنظرة سريعة، فلم تكن تعلم إذا ما كنت أسخر منها. ثم ابتسمت وهزَّت كتفَيها. وقالت: «لا يهم. على أي حال، بمجرد أن انتهيت من عملي على جثة بن، فكَّرت في أن ألقيَ نظرة على بقية الجثث التي كنت تتعثَّر بها خلال غيابي.» وفتحت أحد الملفات التي أحضرتها معها، ثم رمقتني بعينين جادتين. وشعرت ببعض الخوف.
قالت: «أريدك أن تُصدِقني القول، يا آندي. هل تربط مقتل بن ببقية جرائم القتل التي حدثت مؤخرًا، أم إنك تتعامل معه كجريمة منفصلة؟»
قطَّبت جبيني. وقلت: «لمَ قد ترتبط بمقتل جوي سكاردينو وبريان كوبر؟ لقد قُتل كلاهما لأن شخصًا يحاول السيطرة على إمبراطورية جاك فاريل.»
قالت ستيلا بذلك الصوت الناعم الذي تستخدمه دائمًا عندما تعتقد أني في حاجة إلى تهدئة: «لا أعرف السبب. ربما أوشك بن على اكتشافِ هوية الإمبراطور الجديد، وكان يجب إخراسه.»
هززت رأسي نفيًا. «ليس من دون أن يخبرني بما توصَّل إليه. كنا فريقًا، أنا وبن. لم يكن ليخفي عني أمرًا على هذا القدْر من الأهمية. ولكن لمَ تسألينني عن ذلك، يا ستيلا؟ فيمَ تفكرين؟»
أخرجت ستيلا عددًا من الصور وفرَدَتها على مكتبي. وقالت: «قُتل بريان كوبر وبن بالسكين نفسها، يا آندي.» وطرقت بإصبعها على الصور لتريني الأماكن حيث تتطابق الجروح والتمزقات. «هنا، وهنا، وهنا. جميعها متطابقة. إنها ليست سكينًا عادية؛ لذا، لا يوجد شك في أنها السكين نفسها. أعتقد أنها واحدة من سكاكين الجبن الفاخرة تلك. هل تعرف أيها أقصد؟ لهذه السكاكين نصلٌ معقوف حاد للغاية به أجزاء مفرَّغة ليقطع الجبن الصلب بسهولة. كما أن له سِنَّين في طرَفه.»
أشارت إلى بعض التفاصيل. وقالت: «هل ترى؟ علامتا الطعن متجاورتان. أعتقد أن القاتل استخدم واحدة من سكاكين الجبن هذه لقتل كوبر وبن.»
واجهتُ صعوبة في تصديقِ ما كانت تقوله ستيلا. «غير معقول. لا أرى أي سبب يدفع قاتل بريان كوبر إلى قتل بن.»
بدا عدم الارتياح على وجه ستيلا. «هلا نعود إلى هذه النقطة في وقت لاحق، من فضلك، يا آندي؟ فلديَّ شيء آخر أريد أن أخبرك به. شيء ربما يساعدك على استيعاب هذا الأمر.»
قلت: «حسنًا. أنا مستعد لأي شيء من شأنه ألا يجعلني أشعر كأني على الجانب الخطأ من بلورة العراف.»
«فكرت في العودة وإلقاء نظرة أخرى على جثة جاك فاريل.»
سألتها: «هل تعتقدين أن هناك مَن قتله وجعل الأمر يبدو كأنه انتحار؟ أنتِ مخطئة يا ستيلا. لقد شهد محامي فاريل بصحة رسالة الانتحار. لم يقرأ محتواها، ولكنه أقرَّ بصحة التوقيع.»
ارتسمت على شفتَي ستيلا ابتسامة امتعاض. وقالت: «لم يكن هذا ما سأقول، يا آندي.»
لويتُ قسمات وجهي، وقلت: «معذرة. لا يجب أن أتحدث بلسانك. استمري. أخبريني عن سبب رغبتك في فحص جثة جاك مجددًا.»
«لا يوجد سبب محدد. كلُّ ما في الأمر، أن جميع الأحداث بدأت من عنده. وفي واقع الأمر، من الجيد أني فعلت.» فتحَتِ الملفَّ الثاني الذي كانت تحمله. ومن حيث أجلس، رأيت رسمًا تخطيطيًّا عموديًّا وصورًا ملوَّنة لمقطعٍ عرضي من جزءٍ من جسم إنسان.
قالت ستيلا، وهي تنظر في عينيَّ مباشرة: «راجعتُ تلك النتائج ثلاث مرات للتأكد من أنني على صواب. آندي، أيًّا كان مَن وضعته في ثلاجة المشرحة، فهو ليس جاك فاريل.»