الفصل الخامس عشر
لم أعرف ما يجدر بي قوله. فقلت: «ماذا تعنين بأنه ليس جاك فاريل؟ لقد تعرَّفت عليه بنفسي.»
«أعلم ذلك، فقد قرأت التقارير. هل يمكنني أن أسألك لمَ كنتَ أنت مَن تعرَّف عليه في نهاية المطاف؟»
«كانت الزوجة تحت تأثير المهدئات، ولم تكن ثمة طريقة لجعلها تتعرَّف على الجثة. وكنت أعرف أنه هو.»
«كيف عرفت أنه هو؟» كانت ستيلا ترمقني بتلك النظرة الحذِرة، النظرة التي تستخدمها عندما تعتقد أنها تقودني إلى نقطةٍ لن تعجبني.
قلت: «الوشوم.»
تجهَّم وجه ستيلا. وقالت: «هذا ما اعتقدت. ولكنك كنتَ مخطئًا، يا آندي.»
قلت معترضًا: «مهلًا، يا ستيلا. إنك لا تقولين إن ثمة رجلَين في الجوار يحملان وشومًا متطابقة إلى هذه الدرجة. هذا مستحيل.»
«أعلم أن هذا صعب التصديق، ولكن إذا كنتَ رأيت وشومه بينما جاك فاريل حي يُرزق، كنت ستقول إن هذا ليس جسده.»
هززتُ رأسي نفيًا. وقلت: «كيف تقولين ذلك؟»
«إليكَ ما أعرفه عن الوشوم. عندما تنتهي من رسمها على جسدك، يمتص الجلد الصبغة عميقًا، وتصل إلى جهازك المناعي. وتُرسم على أقرب غدة ليمفاوية في جسدك، وتظل في مكانها لما تبقى من حياتك. عندما أقطع غددك الليمفاوية بعد موتك، يمكنني رؤية بقعٍ من شأنها أن تخبرني بأي جزء من الجسم رُسمت عليه وشوم، وكذلك لونها. في واقع الأمر، إذا كان الوشم قديمًا، فستكون الألوان داخل الغدة الليمفاوية أزهى من الألوان على الجلد.»
فغرت فمي ذاهلًا. وقلت متذكرًا أن أغلق فمي بعد أن أنتهيَ من حديثي: «أنت تمزحين.»
قالت ستيلا: «بل أنا جادة تمامًا. كانت المرة الأولى التي عرفت فيها هذه المعلومة عندما شرَّحت جذع إنسان جرفته الأمواج إلى الشاطئ الطيني لجزيرة الكلاب. تمكَّنت من أن أخبركم، معشرَ رجال الشرطة، بأن الجثة كان مرسومًا على ذراعها اليسرى وشمٌ باللونين الأحمر والأزرق، وعلى ذراعها اليمنى وشمٌ باللونين الأزرق والأخضر. وكان هذا كافيًا لتحديد هوية الشخص من قائمة المفقودين.»
قلت: «حسنًا، حسنًا. ما زلت لا أعرف كيف أخبركِ ذلك بأن هذا ليس جاك فاريل.»
قالت ستيلا مشيرةً إلى بعض صور المقاطع العرضية: «الغدد الليمفاوية في هذه الجثة نظيفة.»
«لم أفهم.»
«يُسحب الحبر إلى داخل الغدد الليمفاوية عندما تكون حيًّا فقط. تلك الوشوم رُسمت بعد الوفاة. وليس قبلها.» انحنت ستيلا نحو الأمام ونظرت إليَّ نظرة جادة. وقالت: «لا يمكن أن تكون هذه الجثة جثة جاك فاريل.»
أغمضت عينيَّ. شعرت كأني في كابوسٍ مخيف. أخذت نفسًا عميقًا، وحدقت إلى وجه ستيلا بغضب. لم يكن ذلك خطأها، ولكنها كانت تجلس حيث وجَّهت بصري. «إذا كان ما تقولينه صحيحًا، فقد قتل جاك فاريل هذا الرجل …»
قاطعتني ستيلا قائلة: «أو أمر بقتله.»
«أو أمر بقتله. ثم أمر برسم الوشوم على جسمه لتكون نسخة طبق الأصل من وشومه هو شخصيًّا، ثم شوَّه وجه الجثة وجعل الأمر يبدو كأن سرطانات البحر قد التهمت أطراف أصابعه.» مرَّرت يدي على وجهي. كان التعبير الذي ارتسم على وجهي يضاهي مشاعري تمامًا. وقلتُ: «تلك خطوات متطرفة للغاية ليجعلنا نظن أنه مات.»
قالت ستيلا: «مما أخبرتَني به عن جاك فاريل، التطرف من شيمه الأصيلة.»
«ولكن لماذا؟ ما الهدف؟» كان صوتي مسموعًا، ولكني في الحقيقة كنتُ أحادث نفسي.
قالت ستيلا: «ربما أرعبه موت ابنته؟ وربما اعتقد أنه التالي على القائمة؟ أو ربما اكتفى من هذه الحياة.»
قلتُ: «أو ربما أراد أن ينتقم بحرية تامة. إذا مات فاريل، فسيتمكَّن قاتل كاتي من الاسترخاء. وهذا سيجعل قتله أسهل بكثير.» أسندت رأسي إلى يديَّ. وقلتُ: «يا إلهي، هذا يقلب كل شيء رأسًا على عقب.» ثم خطرت لي فكرة. ولم تكن فكرة مبهجة. تهيَّجت مَعِدتي، فرفعت رأسي. وقلت: «لقد قلتِ شيئًا عن أن هذا سيساعدني في فهم القضايا الأخرى. وفهم قضية مقتل بن. ماذا تعنين بما قلتِ؟» خطرت ببالي فكرة ألمعية، ولكني أردت أن أسمع ستيلا تقولها.
ولكنها هزَّت رأسها. وقالت: «أنت تعرف ما أعني بالفعل، يا آندي. لا تجبرني على قولها لك بصوتٍ عالٍ. لا أريدكَ أن تحمِّلني مسئولية مَن صاغ الفكرة بالكلمات.» ثم أمسكت ملفاتها ونهضت. وقالت: «أنا آسفة، يا آندي. آسفة للغاية.»
قلت: «انتظري. اجلسي من فضلك.» ابتعلتُ ريقي بصعوبة. لم يكن من السهل عليَّ أن أطلب معروفًا من أحد، حتى وإن كان مُقرَّبًا مني مثل ستيلا، وربما بدوت في نظرها فظًّا.
بدأت ستيلا تهز رأسها، ثم توقفت عن ذلك. خمَّنتُ أنها استشفَّت من تعبير وجهي أني أريد شيئًا منها. فجلسَت مجددًا. وقالت: «ما الأمر؟»
«إذا كان جاك فاريل لا يزال على قيد الحياة، فإننا بذلك نعرف مَن قتل جوي سكاردينو وبريان كوبر.» كنت أتحدَّث ببطء كما لو أن عرض الأمر بتمهُّل سيجعله أقل إيلامًا.
قالت ستيلا: «ونعرف سبب ذلك.»
أومأت برأسي. وقلت: «اعتقدَ جاك أنهما إما قتلا كاتي بنفسيهما وإما يعرفان مَن قتلها.» مددتُ يدي نحو ستيلا التي أعطتني الملف الأول من دون حتى أن تسألني عما أريد. فتحتُ الملف. وقلت: «والمنطق يقتضي أنه إذا كانت السكين نفسها استُخدمت في قتل كلٍّ من بريان كوبر وبن، فلا بد أنها استُخدمت من قِبَل الشخص نفسه.»
أومأت ستيلا برأسها. وقالت: «هذا يبدو منطقيًّا.»
قلتُ بنبرة صوت فاترة وخالية من أي مشاعر: «هذا يعني أن جاك فاريل قتل بن.»
قالت ستيلا بصوتٍ ناعم: «ويقتضي المنطق أن الدافع هو نفسه.»
شعرت أني سأبكي مجددًا. ولكن لسببٍ مختلف تمامًا هذه المرة.