الفصل السادس عشر

بعد أن انصرفت ستيلا، جلستُ أحدِّق إلى الجدار مدة طويلة. شعرت كأني تائه في عرض البحر. لقد استأمنت بن على حياتي أكثر من مرة، واستأمنني على حياته مراتٍ كثيرة. وطوال سنوات، شكَّلنا فريقًا أدَّى أصعب المهام. كنتُ أشاركه أفكاري. وكان سريعًا في اكتشاف نقاط القوة والضعف فيما يجدر بي قوله. وقدَّمنا معًا إلى العدالة أعتى مجرمي هذه البلاد. ووضعناهم خلف القضبان فترات طويلة من الزمن.

لا شك في أننا مُنينا ببعض الإخفاقات. لم يكن جاك فاريل المجرم الذي بلا سوابق الوحيد الذي يجوب الشوارع. ولكن لطالما اعتقدت أننا فشلنا على الرغم من أننا بذلنا قصارى جهدنا. بدا الأمر لي الآن كأن السبب في فشل بعض القضايا التي توليناها هو السبب الذي يخشاه جميع رجال الشرطة. لا يبدو أن تلك القضايا فشلت بسبب تقصيرنا، بل لأن شريكي الموثوق به قد خانني.

آلمتني هذه الفكرة كشرطي وكإنسان. كنت أعتقد أنني أجيد الحكم على الناس. لطالما اعتقدت أن حدْسي سيجعلني أعرف ما إذا كان أحد أفراد فريقي قد أصبح فاسدًا. لم يمر بخاطري قطُّ أن أشكَّ في بن. كنت واثقًا بأنه كان شرطيًّا نزيهًا. والأهم من ذلك أنه كان صديقي.

كنا نحتسي الشراب معًا، ونفقد الوعي معًا، ونفيق معًا. كنا نملك القدرة على التعبير والثقة المتبادلة للتحدُّث في أمور يواجه الناس صعوبةً كبيرة في التحدُّث عنها؛ الحب، والخوف، والاحتياج. كنت أختلق له الأعذار أمام زوجته كارن. وتناولت غداء الأحد على طاولتهما. وكنت الأب الروحي لابنه أوين. ولم يخطر ببالي قطُّ أيُّ سبب يدفعني إلى أن أتساءل عما إذا كان نزيهًا.

وحتى بعد ما أخبرتني به ستيلا، كان من الصعب للغاية أن أفكر فيه بسوء. حاولت أن أفسِّر ما اكتشفته ستيلا بطريقة أخرى. التفسير الوحيد الذي توصَّلت إليه هو أن بن كان نزيهًا رغم كل شيء، وأن فاريل قتله لأنه كان يعلم أن موت بن سيُلقي بنا في دوامة من الفوضى، وسيشتِّت انتباهنا عن جرائم القتل الأخرى.

حتى بالنسبة إليَّ، بدا تفسيرًا واهيًا. فلم يكن هناك ما يدفع فاريل إلى الشك في أننا نشك في أنه مات حقيقةً، ومن ثَم، لم تكن ثمة حاجة به إلى تضليلنا. وقتل شرطي تضليل مبالغ فيه للغاية. كان فاريل ذكيًّا. وكان يجدر به أن يدرك أن قتل شرطي من شأنه أن يصيبنا بالهياج. إن قتل بن كطريقة لتحويل انتباهنا بعيدًا عنه أمرٌ مبالغ فيه للغاية.

لا. رغم أنه كان من الصعب بالنسبة إليَّ أن أتقبَّل منطق ستيلا، فإن منطقها بدا صائبًا تمامًا. كما أنه كان يفسر سببَ إشعال الحريق. فمن جانب، كان للتأكد من سرعة العثور على الجثة. ولكنه كان أيضًا طريقةً لربط مقتل بن بمقتل كاتي فاريل.

عندما مرَّت هذه الفكرة بخاطري، شعرت برجفة باردة في أمعائي. ماذا لو كانت الصلة أكبر بكثير؟ ماذا لو كان الحريق يرسل رسالةً أكثر وضوحًا؟ ماذا لو كان بن هو من أشعل الحريق وقتل كاتي؟

قلَبت هذه الفكرة مَعِدتي. كان بن أبًا حنونًا بطبيعته. ولا شك في أنه كان يعي جيدًا مدى الدمار الذي سيحل على فاريل بموت كاتي. ولكنني لم أزل غير قادر على تحديد السبب. حسنًا، لطالما كان بن شرطيًّا مندفعًا. كان يريد التقدم في عمله، وكان يريد تحقيق ذلك سريعًا. ولا يوجد سبب يمنع أن يرغب في تحقيق التقدم السريع على الجانب الآخر من القانون. ربما اعتقد أن الوقت مناسب للتقدم خطوة إلى الأمام.

ولكنه لم يكن يملك القدرة على إدارة إمبراطورية إجرامية كبيرة مثل إمبراطورية فاريل. الأمر الوحيد الذي أمكنني التفكير فيه هو أنه كان جاسوس فاريل بيننا. وانتهى به المطاف باستفزاز فاريل لسببٍ ما، فهدَّد فاريل بإيذاء زوجته وأطفاله. ربما جاء التهديد في صورة سوقية على غرار: «أعرف أين تسكن.» ولكنه ربما كان كافيًا لأن يفقد بن عقله دفاعًا عن أطفاله.

تأوَّهت بأعلى صوت. كان هذا هو الوقت الذي كنت ألتفت فيه إلى بن لأشركه فيما أفكر به. ولكن الآن لم يعُد أحد معي. ليس معنى ذلك أنني أشك في أعضاء الفريق الآخرين، ومع ذلك، إن كان بن فاسدًا، فلم يعُد أحد فوق مستوى الشبهات بالنسبة إليَّ. لا، كل ما في الأمر أنه بعد خروج بن من المشهد، لم يعُد ثمة أحد يعرف طريقة تفكيري.

لا أحد سوى ستيلا. ولكن ستيلا ليست شرطية. إنها الأبرع في مجالها، ولكنها لا تتظاهر بأنها تعرف كيفية أداء عملي. لا، لن يساعدني أحد في هذه القضية. يجب أن أحل غموضها بمفردي.

قد يكون الزمن هو أحد طرق اختبار صحة هذه الفكرة الجنونية. إذا مات المزيد من الأشرار، فلن يتخطى الأمر كونه حرب عصابات يقضي فيها القوي على الضعيف ليفرض سلطته. ولكن إذا ما توقَّف الأمر عند هذا الحد، فثمة أمر مختلف يحدث.

ولكن أسلوب «الانتظار والترقب» ليس أفضل أسلوب مُتبَع في مكافحة الجريمة. يمكنك معالجة المشكلات عبر عدم فعل شيء، ولكن ستحدث الكثير من الأمور السيئة قبل أن تصل إلى الحل. وحدث بالفعل ما يكفي من الأمور السيئة التي كان عليَّ التعامل معها خلال الأسابيع القليلة الماضية.

أجبرتُ نفسي على الاعتدال في جِلستي، والبدء بتدوين الملاحظات. كان أول ما فكَّرت به هو جر فانسي رايلي وداني تشو من الشارع وإرهابهما. ولكني تخليت عن هذه الفكرة بمجرد أن طرأت على ذهني. إذا كانا على اتصالٍ بجاك الحي، فلن أرغب في إخباره بأننا نعلم أنه حي يُرزق. يمكنني احتجازهما واستجوابهما عن جرائم القتل، ولكني كنت واثقًا من أنهما لن يخبراني بأي شيء، ومن ثَم لن تكون هناك فائدة من هذا الفعل.

نهضتُ من مقعدي، وفتحت باب مكتبي. وقلت صائحًا: «كيرستي.» رفعتِ المحقِّقة بلايث بصرها عن شاشة الكمبيوتر الخاص بها فزِعةً.

وقالت وهي تقفز واقفةً على قدميها: «ما الأمر يا سيدي؟»

قلت: «ابحثي عمَّن رسم لجاك فاريل وشومه، واحتجزيه.»

جعلتني هذه الخطوة أشعر شعورًا جيدًا. ربما كان رسام الوشوم طريقًا مسدودة. ولكني على الأقل كنت أتحرك.

كانت الخطوة التالية واضحة كالشمس. وكان يمكن لأي شرطي مبتدئ في أول يوم عمل له أن يخمِّنها. ولكني لم أرِد أن أقدِم عليها. لم أرِد أن أذهب إلى الأرملة الثكلى وأبدأ في استجوابها.

ولكن كان لا بد لأحدٍ أن يفعل. وكما يُقال، ما حكَّ جلدك مثل ظفرك.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤