الفصل السابع عشر
كانت كارن لا تزال تبدو كأن شخصًا ما اقتلع قلبها من صدرها وقدَّمه إليها على طبق. كما لو أنه من الخطأ أنها لا تزال على قيد الحياة، فكيف يمكنها أن تفعل أي شيء وقد ماتت روحها؟ كنت قد رأيت هذا التعبير من قبل على وجوه أولئك الذين بقُوا على قيد الحياة بعد موت أحبائهم بطرقٍ عنيفة. ولكنها كانت أكثر من مسَّ روحي؛ فقد كنت أهتم لأمر كارن، وكنت أهتم لأمر الرجل الذي تحزن عليه.
عندما فتحت كارن باب منزلها، لمعت في عينيها بارقة أملٍ ممزوجة بالحزن، كما لو أن وقوفي أمامها ربما يعني أن خطأ فادحًا وقع، وأن بن في الواقع بخيرٍ. ولكنها أدركت بعدما نظرت إلى وجهي أنه لا مفر من الواقع الذي تعيشه.
فألقت بنفسها بين ذراعيَّ وهي ترتجف، كما لو أني أحضرت معي ريحًا باردة. ضممتها إليَّ بقوة. وقلت رابتًا على ظهرها: «لا أزال أشعر بأن قلبي انتُزع من صدري أنا أيضًا.» ولكن كانت عيناي تدوران في الأنحاء، وترى ما حولي من منظور جديد. في الماضي، عندما كنت أُطري على المنزل أو أي من محتوياته، كان بن يتحدث دائمًا بإسهابٍ عن مدى عظمة كارن في اقتناص الصفقات. وكنت أتقبَّل ما يقوله من دون الكثير من التدقيق. لم أتوقَّف قطُّ وأسأل نفسي كيف يمكنهما تحمُّل كُلفة معيشتهما الباذخة هذه بمرتب رقيب في الشرطة.
ولكن بالنظر إلى الأمر بموضوعية أكبر، وليس عبر منظور الثقة المطلقة، بدا أن الأمر يتخطى مجرد الذوق السليم والبراعة في التسوق. فضلًا عن حقيقةِ أنه لا يمكن لأي قدرٍ من الاستثمارات البارعة أن يُحوِّل راتبه المتواضع إلى منزل مُكون من أربع غرف نوم في حي إيلينج الراقي. عندما اشترى المنزل، صدَّقتُ ما قاله لي عن الميراث الذي تركته له خالته. محض هُراء! إن أمثالنا لا يكون لهم أقارب أثرياء. ولكنه قال لي إنها فازت باليانصيب، وصدَّقته. وأعتقد أني كنت أريد أن أصدِّقه.
قالت: «لم أستوعب الأمر بعدُ، يا آندي.» كان صوتها مبحوحًا، كما لو أنها ظلَّت تصرخ بأعلى صوتها مدةً طويلة. قالت: «لطالما خشيت حدوث ذلك منذ تزوجت رجل شرطة. ولكن عندما مرَّت الأعوام ولم يحدث شيء، بدأتُ في الاعتقاد أنه ربما لن يحدث أبدًا.»
«أفهم ما تقولين. لا أصدِّق ما حدث أنا أيضًا.» وجَّهتها نحو غرفة المعيشة وأجلستها. وقلت: «أين الأولاد؟» ثم جلست بجوارها.
قالت: «إنهم في منزل أمي. لا يجب أن يرَوني على هذه الحال.» نشجت. ثم قالت: «ما الذي حدث له حقيقةً، يا آندي؟ لا يخبرني أحد بأي شيء، وهذا يجعلني أفكِّر في الأسوأ.»
لم أدرِ ما يجدر بي قوله. لم تكن الحقيقة خيارًا مطروحًا. قلت: «لقد طُعن يا كارن. إننا لا نعرف حتى ماذا كان يفعل في منطقة حوض بادينجتون. لا بد أنه كان يتتبَّع دليلًا أو يلتقي مخبرًا. ولا بد أنه أمرٌ طرأ فجأة لأنه لم يخبرني به.»
قالت: «هل عانى؟»
جميعهم يريدون معرفة ذلك. بالنسبة إليَّ، لم أعتقد قطُّ أنه أمر مهم. كون المرء ميتًا هو كل ما يهم. قلت: «ليس لفترة طويلة، يا عزيزتي.» ثم التفتُّ لأواجهها. وقلت: «كارن، أعلم أن بن كان يقول لك إن أهم مصدر للمعلومات في أي قضية قتل هو الضحية نفسها. لذا أرجو ألا تعتقدي أني وغد قاسي القلب عندما أقول لك إنه يجب أن أفحص حاجيات بن.»
قطَّبت كارن ما بين حاجبيها. وقالت: «ماذا تعني بحاجياته؟ ما علاقة هذا بمقتله؟»
«ربما لا توجد أي علاقة. ولكننا لا نحرز التقدم الذي أريد. وكما قلت سابقًا، إننا لا نعرف سبب وجوده هناك أو بمن التقى. ولا يوجد شيء ضمن محتويات مكتبه يدلنا على ذلك. لذا، أريد أن ألقي نظرةً على غرفة مكتبه هنا في المنزل لأرى إن كانت تحتوي على شيء مفيد.»
عقدت كارن ذراعيها أمام صدرها مبتعدةً عني. وقالت: «لمَ قد يحتفظ بشيءٍ من هذا القبيل في المنزل؟ كان يحتفظ بكلِّ ما يخص عمله في مكتبه هناك.»
مددت يديَّ أمامي تعبيرًا عن قلة الحيلة. وقلت: «أنت تعرفين كيف كان. كان يرغب في الترقي. ولا أستبعد أنه كان يعمل على شيءٍ ما في الخفاء حتى يفاجئني به. وهي ليست السابقة الأولى.» كان ما قلته هو الحقيقة، ولكني رأيتُها الآن من منظور مختلف.
أضفتُ قائلًا: «كما أننا نشك في أفراد فرقتنا. فالأشرار الذين نحاول تسليمهم إلى العدالة يمكنهم شراء ذمم بعض رجال الشرطة. ليس ضمن فريق عملنا بطبيعة الحال؛ لا حاجة بي إلى قول ذلك. ولكن من وقت إلى آخر، يحاول ذلك الجاسوس الواحد أن يتسلل عبر دفاعاتنا. لذا، نميل جميعًا إلى التعامل بحذرٍ مع أي شيء نشعر أنه حساس بالفعل.» نظرت إليها بأكثر نظرة أملكها تقول: «ثقي بي.» وقلت: «كل ما يهمني هو أن أقبض على الحيوان الذي فعل ذلك.»
كانت لا تزال تقف بعيدة عني، ولكنها بدت أقل استياءً. شعرتُ كأني وغد دنيء أني اعتمدت على مثل هذا الهراء. ولكن كان لا بد أن أتأكد. دفنتْ كارن وجهها بين كفَّيها وهزَّت رأسها. وقالت: «أنا آسفة، يا آندي. ذهني مشتَّت. أعلم أنك لن يُغمض لك جفن حتى تقبض على القاتل. افعل ما تراه واجبًا.» وأومأت برأسها نحو الرَّدهة.
انحنيت نحو الأمام وعانقتها مترددًا، ثم نهضت واتجهت نحو المخزن المجاور للمرأب. كان عبارة عن غرفةٍ صغيرة مريحة تبلغ أبعادها نحو عشر أقدام في ثماني أقدام، وتحتوي على نافذة قريبة من الأرض ذات زجاج مصنفر تمتد إلى قمة الجدار الخارجي. كان بن قد جهَّز المخزن بمكتب خشبي أسود، ومقعد جلدي، وكمبيوتر حديث، وشاشة تلفاز، وجهاز بلاي ستيشن. كانت جميع أدراج المكتب مفتوحة. كانت جميعها تقول صارخة: «انظر، أنا رجل ليس لديه ما يخفيه.»
وبدا أنها كانت تقول الحقيقة. فحصت كل قصاصة ورق، ولم أجد شيئًا مريبًا. كانت أوراقًا تخص المنزل، والسيارة، والسلع الفاخرة التي كان المنزل يكتظ بها. وكشوف حسابات مصرفية لم يكن بها أي شيء يدعو إلى الريبة.
أوشكت على الاستسلام. كنت واثقًا من وجود المزيد في مكانٍ ما. كانت جميع غرائزي متحفزة تمامًا في تلك اللحظة. كانت غرفة المكتب تبدو كأنها ديكور مسرحي. كانت مثالية أكثرَ من اللازم، وبريئة أكثرَ من اللازم. كنت أتخيَّل بن يسخر مني.
كان درج المكتب الأخير يحتوي على الكثير من الأوراق الشخصية. جواز سفره، وشهادة ميلاده، وبطاقة تأمينه الصحي، ووصيته. ومن منطلق اليأس ليس أكثر، أخرجتها من الدرج وفتحتها. وبدأت أقرؤها دون أن أتوقع أي مفاجآت. وعند منتصفها تقريبًا، قرأت جملة استوقفتني. وسقط قلبي بين قدميَّ وارتفع حتى حلقي في الوقت نفسه.
وجدتها.