الفصل الثاني
بعد أربع ساعات، انتقلنا إلى مركز الشرطة المحلي. وأخبر رئيسي رئيسَ الشرطة المحلية أننا مَن سنُدير التحقيق. لم يكونوا سعداءَ بذلك؛ لأنهم في أغلب الظن سيؤدون كل الأعمال المرهِقة، بينما نجلس نحن في الظل ونحصل على التقدير.
وزَّعت المهام خلال الاجتماع الصباحي. كلَّفت فريقًا بالذهاب للقاء زوجة فاريل التي ذهبت لتُقيم في شقتهما في تشيلسي. أُخِذت المربِّية الإسبانية إلى المستشفى بعدما عانت من الاختناق بالدخان، فكلَّفتُ فريقًا آخر بالذهاب للتحدث إليها بمجرد أن تكون قادرة على ذلك.
لم يعرف أحدٌ بالطبع أين اختفى جاك فاريل. فبعد فترة قصيرة من حديثي معه ظهرت سيارة جيب شيروكي يقودها مجرم حليق الرأس، ميزت أنه أحد أهم رجال فاريل. وركب فاريل السيارة وانطلقا. افترضتُ أن رجال الشرطة المحليين قد سألوهما عن وجهتهما. ولكن هذا لم يحدث. لقد تركوه يذهب إلى مكانٍ يعلمه الله وحده من دون أن يأخذوا منه أيَّ شيء كضمان، سوى رقم هاتف محاميه.
ولكني لم أكن قلِقًا. ربما لا يعرفون مكان جاك فاريل، ولكني أعرف أين سيكون. كنت أعرف أنه رجلٌ لا يُغَير عاداته. كنا نراقبه عن كثب منذ بضعة أشهر، ولم يغيِّر روتينه اليومي قطُّ خلال تلك الفترة. لم يستغرق الأمر منا أيامًا كثيرة لنعرف كيف ظل بلا سوابق طوال تلك الفترة. كان يعرف جيدًا كيف يستبِق أفعال خصومه. لم تكن مراقبته عن كثب مُجدِية. فلم يرتكب جاك فاريل أي خطأ. لقد زاولت هذه المهنة ستَّ سنوات حتى يومنا هذا، ولم أرَ في حياتي أحدًا يتكبَّد كل هذه المتاعب ليضمن عدم تورطه في أي شيء.
استدعيت محققَين من الفِرقة المحلية بدَوَا أقل غباءً من الآخرين. وقلت لهما: «أتوقَّع أنكما أصبحتما تعرفان أن جاك فاريل شخص سيئ. أريدكما أن تتحدثا إلى فاريل مجددًا. لا تُثقِلا عليه بالأسئلة، كل ما أريده هو مراجعة أحداث الليلة الماضية مرة أخرى. ولكن ركِّزا أسئلتكما على السبب الذي قد يدفع شخصًا ما لاستهداف ابنته الصغيرة الوديعة.»
تبادلا نظراتٍ قلِقة. ثم قال أصغرهما، وقد احمرَّ وجهه من الإحراج: «إننا لا نعرف مكان فاريل يا سيد مارتن.»
فقلت: «أعلم ذلك. ولست واثقًا أنا أيضًا من مكان وجوده الآن. ولكني أعتقد أن لديَّ فكرة عن المكان الذي يمكننا أن نعثُر عليه فيه. إليكما ما اعتاد على فعله كلَّ صباح حتى الأمس. في السابعة والنصف، تقف سيارة بي إم دبليو سوداء ذات دفع رباعي أمام بوابة قصر جاك فاريل. سائق السيارة هو فرانسيس رايلي، الشهير باسم فانسي. إنه الرجل الثالث من حيث الأهمية في عصابة فاريل. وفي المقعد المجاور للسائق، يجلس داني تشو، الرجل الثاني في عصابة فاريل.
تتحرَّك السيارة حتى تصل إلى المنزل الذي يخرج منه فاريل مُرتديًا سروال عَدْو قصيرًا وصديريًّا. يخرج تشو من سيارة الدفع الرباعي مرتديًا ملابس العَدْو أيضًا، ويأخذ حامل بدلة من المربية الإسبانية التي تكون واقفة عند باب المنزل. يضع تشو حامل البدلة في السيارة، ثم ينطلق وفاريل يَعدُوان عبر الأراضي المحيطة بالمنزل بسرعة ثابتة. هل تتابعان ما قلت حتى الآن؟»
أومأ الاثنان برأسَيهما كما لو كانا دُميتَين.
استطردتُ قائلًا: «ثم بعد ثلاثة أميال من العدو وسط الأراضي الزراعية المفتوحة، يدخل الاثنان موقف سيارات نادي سميثسون، الذي قيل لي إنه أفخم الأندية الترفيهية في هامبشر. وهناك، يقف فانسي رايلي في انتظارهما ومعه حامل البدلة. ويدخل الرجال الثلاثة النادي معًا. يتجه تشو نحو غرفة البخار، بينما يسبح رايلي وفاريل عشرين دورة بطول حمام السباحة، ثم يقضيان عشر دقائق في بركةِ استشفاءٍ مزدحمة للغاية.
ثم يجلسون معًا لتناول الإفطار في مطعم النادي. الطاولة نفسها كل يوم. ويتحدَّثون عن الرياضة، وعن أُسَرهم، وعن الأسواق المالية.»
كنت أعرف ذلك لأننا ثبَّتنا أجهزةَ تنصُّت في الطاولة. ولكن لم يكن ممكنًا تركيب أجهزة تنصت في حمام سباحة أو بركة استشفاء. وبغض النظر عما يُعرَض على شاشات التلفاز، من المستحيل تقريبًا التنصُّت على محادثة تدور بين شخصين يعدُوان وسط الأراضي الزراعية.
لم تستغرق منا معرفة كيف تدير إمبراطورية جاك فاريل نفسها بالضبط سوى يومين من المراقبة. كان تشو ورايلي يقدمان تقاريرهما إلى فاريل خلال التمارين الرياضية الصباحية ويُصدر فاريل أوامره بخصوصها خلال تلك المدة. لم يتحدثوا قط عن أعمالهم غير القانونية في سياراتهم، أو مكاتبهم، أو منازلهم، أو المطاعم التي يترددون عليها عادةً. كان جاك فاريل يتصرف في أي مكان يمكن فيه التنصُّت عليه إلكترونيًّا وكأنه مَلَك. كان روتينه الثابت نقطةَ قوة. ولكن من الممكن استغلاله كنقطة ضعف أيضًا.
ابتسمتُ للشرطيين الريفيَّين. وقلت: «هذا هو المكان حيث ستجدان جاك فاريل؛ مرتديًا سروال العدو القصير، في موقف سيارات نادي سميثسون. وإذا لم تجداه هناك، فسوف تفسدان عليه وجبة إفطاره التي يتناولها بجوار حمام السباحة، أليس كذلك؟»
بدا أنهما ليسا واثقين مما عليهما فعله. وقال أصغرهما ذو الشعر الأحمر الذي ينتشر النَّمش على بشرته كما لو كان طفحًا جلديًّا لم يُعالَج: «لقد ماتت ابنته حرقًا. هل تعتقد أنه سيذهب للسباحة في نادٍ صحي؟» وارتفع صوته استهجانًا في نهاية السؤال.
تدخَّل الرقيب المحقِّق بن ويلسون، مساعدي خلال جميع عملياتنا الكبرى، في الحوار. وقال: «يبدو أنه لن يقلق بشأن توصيل ابنته للمدرسة بعد الآن، أليس كذلك؟»
امتعض الشرطيان كما لو أنهما تلقَّيا صفعتَين على وجهيهما. ورمقتُ بن بنظرة حادة. يكرهُنا رجال الشرطة المحلية البسطاء دائمًا بسبب اقتحامنا لخصوصياتهم. ولا حاجة بنا لأنْ نعطيهم سببًا إضافيًّا لكراهيتنا. فقلتُ، محاولًا أن نبدو جميعنا كزملاء: «تجاهلاه. لقد نشأ في البراري. نعم، أعتقد أنه سيذهب إلى النادي الصحي، وإليكما السبب.
أيًّا كان مَن ارتكب هذه الجريمة، فقد ارتكبها لكي يهزم جاك فاريل. سواء ارتكب الجريمة بدافع الانتقام أو الاستيلاء على أعمال فاريل، فالأمر برُمَّته يتعلق بإخضاع جاك فاريل. وقد راقبت فاريل مدةً طويلة، وأعتقد أنهم قد أساءوا الحكم. لم يكن موت كاتي ليحمل فاريل على الاستسلام. بل سيجعله يثبت قدميه أكثر. إنه لن يبقى على القمة فحسب، بل سيدمر أيَّ شخص قد يعتقد أن له يدًا فيما حدث لابنته. وعليه، ثمَّة أوامر عليه أن يوجِّهها لرجاله اليوم. ولهذا السبب، يا رفاق، سيذهب إلى النادي الصحي.» صرفتُهما لأداء مهمتهما، وأنا على يقين من أني مُحق.
يُقال، الغرور بداية السقوط. لذا، كان يجدر بي أن أستعد لحقيقة أن كل شيء سيتداعى بحلول موعد الغداء.