الفصل الثالث

أول فريق عاد كان الفريق الذي كلفتُه بالتحدث إلى مارتينا في شقتها الناصعة البياض، ذات السقف العالي، المطِلة على النهر. وأدركت بمجرد دخولهم أن المقابلة لم تسِر على ما يُرام. كانت رءوسهم مُطأطأة وأكتافهم مُتهدِّلة، وقد فقدوا بالكامل تلك الحيوية التي خرجوا بها من هذا الباب منذ بضع ساعات.

كانوا يسيرون متثاقلِين حتى وصلوا إلى المكتب الذي احتللتُه. سألتهم رافعًا حاجبيَّ: «كيف سار الأمر؟»

قالت المحقِّقة: «ليس جيدًا. كانت مُشوَّشة تمامًا.»

قال شريكها: «لم تكن على هذا الكوكب. أعتقد أنها تتعاطى مخدِّرات. ليست المخدرات التي تتناولها عندما تذهب إلى النوادي الليلية في عطلة نهاية الأسبوع. بل المخدرات التي يُعطيك إياها الأطباء لكي يمنعوك من التفكير في أن طفلك قد مات.»

قالت المرأة: «أعطاها الأطباء جرعاتٍ كبيرة من العقاقير المهدئة. لن يمكننا الحصول على أي شيء ذي معنًى منها. ربما ليس في هذه الحياة، على أي حال.»

سألتها: «هل تعتقدين أن فاريل هو مَن أمر الأطباء بذلك؟» كنت مهتمًّا بمعرفة آراء أشخاص من خارج دائرة مراقبة فاريل.

هزَّت المرأة كتفيها. وقالت: «إذا ما فقدت طفلك بهذه الطريقة، فسترغب في نسيان الأمر بأي طريقة كانت. أعتقد أن الأطباء يعطونها العقاقير بناءً على رغبتها هي.»

أضاف شريكها بكآبة: «نعم، وعندما تستعيد وعيها، مَن يدري ما الذي ستتذكَّره.»

كنت مضطرًّا إلى أن أوافقه الرأي. فلم يبدُ أن مارتينا ستفيدنا كثيرًا. فتلك الحالة التي تمر بها لن تمكِّنها من إخبارنا بأي شيء مفيد عمَّن قد يرغب في قتل ابنتها حرقًا، أو السبب الذي قد يدفعه لفعل ذلك. والأهم من ذلك، من وجهة نظر فاريل، أنها لن تتمكَّن من إخبارنا أين يوجد هو أو ما الذي يخطِّط له.

زاد الطين بلةً عندما عاد الفريق الثاني قبل موعد الغداء. كانا قد خرجا وعلى وجهيهما أمارات الجدية والاهتمام، هكذا يبدو عملاء البحث الجنائي الصغار عندما يرغبون في إثبات جدارتهم. ولكنهما أصبحا يبدوان مهمومَين الآن، ربما أكثر من الاثنين اللذَين سبقاهما. سقط قلبي بين قدميَّ. وفكرت؛ هذا ما تحصل عليه عندما ترسل الصِّبية ليؤدوا عمل الرجال. لقد فشِلا في مهمتهما.

تبين فيما بعدُ أن الأمر أسوأ مما تخيَّلت. قال أقصرهما قامةً وأنحلهما بدنًا؛ الأشبه بلوريل، بينما الآخر يشبه هاردي: «لقد هربَتْ.» ولكنهما لم يكونا في خفةِ ظل لوريل وهاردي، ولم يكن هناك ما يمكن أن أضحك عليه.

أومأ هاردي برأسه في تعاسة. وقال: «ليست لديَّ أدنى فكرة عن مكانها. لقد عولجت في المستشفى من آثار تنشُّق الدخان، ثم خرجت. كان في المستشفى شرطيان ينتظران للتحدث إليها، ولكنها قالت إنها مستاءة للغاية. وقالت إن فاريل أخبرها بأن تذهب لتقيم في فندق محلي، فأوصلها الشرطيان حتى مدخل الفندق.» ثم خفض بصره ناظرًا إلى حذائه وقال: «ولكنها لم تحجز غرفة في الفندق.» بدا وكأنه مستاء مما فعله زملاؤه مثلي تمامًا.

قلت بمرارة: «رائع. لا أعتقد أنكما بحثتما عنها في أيٍّ من الفنادق الأخرى؟ تحسُّبًا لإقامتها في أي منها؟»

قال النحيل: «هذا ما جعلنا نتأخَّر. لم تحجز أيَّ غرفة في أيٍّ من الفنادق المحلية.»

زفرتُ وهززتُ رأسي. وقلت: «حسنًا. ربما فات الأوان الآن على فِعل ذلك، ولكن اذهبا للسؤال عنها في المطارات وشركات الخطوط الجوية. فلنرَ إن كانت مانويلا قد عادت إلى إسبانيا. وإن لم تكن قد فعلت، فأبلغ جميعَ نقاط الخروج عنها.» صرفتُهما والتفتُّ لأواجه بن ويلسون.

وقلت: «بدأت أشك فيما إذا كنت مُحقًّا بشأن التزام فاريل بروتينه المعتاد.»

بدأ بن يمضغ علكةَ النيكوتين بعصَبية، وبدا الاشمئزاز على وجهه الشبيه بكلاب البولدوج. وقال وهو يومئ ناحية الباب: «سنكتشف ذلك قريبًا. لقد عادا. ويبدو أنهما خاليا الوفاض.»

التفتُّ لأنظر في نفس اتجاه نظرته. كان المحققان اللذان أرسلتهما ليحضرا لي جاك فاريل قد عادا. وكانت بينهما مساحة خالية كان من المفترض أن يشغلها فاريل. قال المحقق الأصهب بمجرد أن أصبح قريبًا بما يكفي لأن يتحدث معي من دون صياح: «إنه لم يظهر، أيها القائد.»

قلت بحدة: «لست قائدك. الأمر الذي يسعدني كثيرًا، صراحةً. هل تقولان إن جاك فاريل لم يذهب إلى نادي سميثسون اليوم؟»

أومأ الاثنان برأسيهما.

فسألتهما: «وماذا عن داني تشو وفانسي رايلي؟ هل ظهرا؟»

وجَّه الشاب ذو الشعر الأحمر نظرةً سريعة إلى شريكه. نظرة كانت تقول: «اللعنة.» تململ المحققان أثناء وقوفهما.

فزفرت قائلًا: «لا عليكما. حسنًا، إليكما ما أريد منكما فِعله. اتصلا بمحامي فاريل وحدِّدا معه موعدًا للقائي هنا. أخبِراه أننا بحاجةٍ إلى أخذ شهادة رسمية من فاريل عن الحريق. وأخبِراه بأننا بحاجة إلى الحصول على هذه الشهادة في أقرب وقت ممكن.»

انصرفا وتركاني وحدي مع بن. قلت: «ماذا تعتقد؟»

بصق بن علكته في سلة المهملات وهزَّ كتفيه. وقال: «كانت كاتي ابنته الوحيدة. ربما نال الحزن منه.»

لم يقنعني هذا المبرِّر. وقلَّت قناعتي به أكثر عندما عاد الشاب البدين الذي أرسلته للبحث عن مانويلا في وقتٍ لاحق.

وقال: «لقد كانت على متن أول رحلة طيران من مطار هيثرو متجهةً إلى مَلَقا. هبطت الطائرة هناك منذ ثلاث ساعات، ولكنها لم تذهب إلى منزل عائلتها. لقد بحثَتْ عنها الشرطة الإسبانية هناك. تعيش والدتها ووالدها في منزلٍ يبعُد مسافة ساعة واحدة عن المطار. وقالا إنهما لا يعرفان أنها عادت إلى إسبانيا. كما أنهما لا يعرفان أين قد تكون.»

كان لفاريل علاقات في إسبانيا، مثل أغلب رجال العصابات الإنجليز. ربما كانت تلك هي الطريقة التي حصل بها على مانويلا من الأساس. ولكن هذا لا يمنع أنها قادرة على الاختفاء بسهولة هناك. فثمَّة الكثير من السياح، والكثير من العمال المؤقتين. أذكر أن شرطيًّا إسبانيًّا أخبرني ذات مرة أن هناك بعض الأماكن في بلده لم يعُد يسكنها أهل البلد. ربما كان مكان مثل هذا هو المكان المثالي لإخفاء شابة إسبانية تريد أن تخفيها عن الأنظار لبعض الوقت. أيًّا كان السبب.

نظرت إلى بن. وقلت متجهِّم الوجه: «لا يزال فاريل يملك ما يكفي من سرعة البديهة لإبعاد المربِّية عن الصورة. ألا تزال تعتقد أنه حزين لدرجة أن يفقد رجاحة تفكيره؟»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤