الفصل السابع
على مدارِ الأيام القليلة التالية، زاد البحث عن جاك فاريل اهتياجًا. بدا الأمر وكأنه قد تبخَّر. كنا نملك مصدرًا من داخل جماعته، ولكنه أقسم أنه لم يرَ أثرًا لزعيمهم. لم يكن رايلي وتشو أكثرَ وضوحًا وانشغالًا مما هما عليه الآن، أمَّا فاريل فكان يلعب دور الرجل الخفي.
وظهرت مارتينا أخيرًا لتخبرنا بأنها لا تعرف مكان زوجها. بدا أنها لا تعتقد أنه يوجد ما يَريب في اختفاء زوجها عن الخارطة بعد مقتل ابنتهما الوحيدة مباشرةً. وهذا إن دلَّ، فإنما يدل على أن الأثرياء يختلفون عن بقيتنا اختلافًا كبيرًا. كان كل ما يهمها هو أن تعرف متى ستتمكن من إقامة الجنازة.
لا شك في أننا كنا نواصل التحقيق في محاولةٍ منا للتعرُّف على الشخص الغامض الذي تجرَّأ على أن يقدِم على هذه الفَعلة الشنيعة بحق فاريل. ولكننا لم نتمكن من التوصل لشيء في هذا الشأن أيضًا. بدا أن لا أحد كان مستعدًّا لأن يُقِر بأنه كان جريئًا أو غبيًّا لدرجة أن يُنهي حياة كاتي فاريل. كان لغزًا شديد التعقيد.
كما أني كنت أفتقد ستيلا. حقيقي أني كنت في بعض الأحيان لا أراها خارج العمل من عطلة نهاية أسبوع إلى التي تليها. ولكن كان هذا يختلف عن إدراك أنها ليست حيث يمكنني الوصول إليها. عندما كنت أعود إلى بيتي كل ليلة ساخطًا ومرهَقًا، كنت أصب لنفسي كوبًا كبيرًا من البراندي وأتمنى لو كانت موجودة لتشاركني الشراب. ثم كنت أُلقي جسدي على الفراش وأنام كالموتى. بناءً على ذلك، ربما كان من الأفضل عدم وجودها.
بعد خمسة أيام من مقتل كاتي فاريل، حدث تغيُّر في مسار الأحداث. فقد اتصل بي أحد مُخبرِيَّ. بدأ حديثه قائلًا: «لديَّ معلومات ستفيدك.» لا أسماء، ومن ثَم لا ملاحقات، هكذا تتم عمليات تبادل المعلومات تلك. «يجب أن نلتقي.»
بعد ساعتين، كنت أجلس في الصف الخلفي لدار سينما على أطراف المدينة أشاهد فيلمًا دنماركيًّا اسكتلنديًّا غريبًا عن متحوِّل جنسي مُشرَّد. يبدو لي هذا العمل في بعض الأحيان ضَربًا من الجنون. بعد أن ظللت أشاهد الفيلم نصف ساعة، جلس شخصٌ ما في المقعد المجاور لي.
وقال: «هل أنت بخير، يا سيد مارتن؟»
قلت مُتذمِّرًا: «كنت سأصبح أكثر سعادةً إذا ما كان ذوقك في الأفلام أفضل من هذا، يا شانكي.»
قال شانكي: «رأيت أننا سنكون آمنين هنا بعيدًا عن أعين أفراد عصابة جاك فاريل.»
استعدت فجأةً الرغبةَ في الحياة. وقلت: «هل لديك معلومات عن فاريل؟»
«ليس عن فاريل تحديدًا. من الأفضل أن تقول بخصوص فاريل.»
«هلا تدخل في صلب الموضوع، يا شانكي؟ لا أملك وقتًا يكفي لأن تقص عليَّ واحدة من قصصك الملتوية.»
قال: «هذه المعلومات تُساوي الكثير، يا سيد مارتن. أكثر من المعتاد.»
«شانكي، سأعطيك ما تريد. هيا أخبرني بما لديك.» لطالما كان التعامل مع المخبِرين لا يخلو من مراوغة. كان كلُّ ما يُهِمهم هو كَمَّ المديح أو المال الذي يمكنهم أخذه منك. كنت أكره التعامل معهم، ولكنهم جزءٌ لا يتجزأ من هذه اللعبة.
قال شانكي: «إنه يُسقط شَعره.»
«ماذا؟» راودتني للحظة صورةٌ غريبة عن جاك فاريل وكأنه كلب كثيف الشعر يتساقط شعره على المقاعد.
«إنه يُفرِغ أحماله. يبيع أعماله على أجزاء. جميعها مقابل أموال. انتقلت الفتيات بالفعل للعمل لدى عرَّاب ليتواني. وداني تشو يبيع كلَّ ما يملك لجمعِ ما يكفي من مالٍ يُمكِّنه من السيطرة على تجارة المخدرات، وفانسي رايلي يستهدف السيطرة على أعمال المراباة. وبقية أعماله معروضة للبيع. إنه يتحدث مع أشخاصٍ ظلت العداوة قائمة بينهم طوال سنوات. أشخاص حاولوا في الماضي أن يأخذوا منه أعماله، ولكنهم فشلوا. إنه يجلس مع أشخاصٍ وضيعين لم يكن في المعتاد ليُرى معهم ولو كان ميتًا.»
لم أصدِّق ما أسمع. «ما الذي ينوي فِعله؟»
تنحنح شانكي بصوتٍ متحشرج. وقال: «يُقال إن السبب هي ابنته. وإنه فقد عقله.»
«وهل هذا صحيح؟»
اعتدل شانكي في جِلسته. وقال: «جاك فاريل؟ لا أظن ذلك. إنه كما هو، لا يقبل أن يعبث معه أحد. ربما كان يبيع أعماله، ولكنه لا يتخلى عنها مجانًا. أعتقد أنه اكتفى. إنه يريد أن يصفي أعماله ويخرج إلى النور.»
سألته: «أين يقيم؟»
قال شانكي: «لا أعرف. لديه قارب في ساوثهامبتون حيث يعقد اجتماعاته. ولكنه لا يعيش فيه. سمِعت أن فانسي يأخذه في نهاية اليوم على متن قارب سريع ضخم وينطلقان نحو مصَبِّ النهر.»
طرحتُ بضعة أسئلة أخرى، ولكن كان شانكي قد أخبرني بكلِّ ما يعرف. أعطيته ظرفًا يحوي نقودًا، ووعدته بأن يحصل على مبلغ آخر إذا ما حصل على المزيد من المعلومات.
عندما عُدتُ إلى المكتب، راجعتُ وبن المعلومات التي حصلت عليها من شانكي. لم تبدُ منطقية من وجهة نظري. إذا كان حزينًا للغاية بسبب موت كاتي، فكيف تمكَّن من تولِّي جميع التعقيدات المتعلقة بتفكيكِ أعمالٍ بهذا الحجم؟ ولكن إذا لم يكن حزينًا بسبب موت كاتي، فلِمَ يتكبَّد عناء فِعل كل ذلك؟
قال بن: «ربما كان بحاجة إلى المال.»
«ألا تعتقد أن لديه ما يكفي من المال في حساباته المتعددة؟»
«وهل يمكنك أن تشعر بأن لديك ما يكفي من المال؟»
هززت كتفي في حيرة. وقلت: «لا أعرف. ولكني سأخبرك بما أتمنى أن أعرفه. أتمنى أن أعرف بحق الجحيم ما يخطِّط لفعله بكل هذا المال.»