الفصل الثامن

إذا ما أعددتُ قائمة بالأسباب المحتملة التي دفعت جاك فاريل لتحويل إمبراطوريته التجارية إلى أموال، لم أكن لأتوصل إلى السبب الحقيقي. ولكن بعد يومين، حصلت على الإجابة عن سؤالي بطريقة غريبة للغاية.

كنت جالسًا في مكتبي أعمل على المعلومات القليلة التي جمعناها عن صفقات بيع فاريل لأعماله بثَمَن بَخْس. كنت سعيدًا بالعودة إلى مكتبي، وسعيدًا بنَفض تراب ريف هامبشر عن حذائي. ثم دخل عليَّ بن حاملًا ورقة في يده.

وقال: «ماذا تعرف عن جون ستونهاوس؟»

قلت عاصرًا ذاكرتي: «وزير العمل في مجلس الوزراء في الستينيات، اختلس مبلغًا كبيرًا من المال لم يتمكَّن من سداده. ثم زيَّف انتحاره بأن ترك ملابسه على أحد شواطئ أمريكا ومعها رسالة انتحار. ثم ظهر برفقة عشيقته في أستراليا حيث قبضت عليه الشرطة؛ لأنهم اعتقدوا أنه اللورد لوكان. وسُلِّم إلى إنجلترا، وسُجن. ما الأمر؟ هل تحل أسئلة اختبار معلومات جريدة «ديلي ميل» مجددًا؟»

قال بن وهو يضع ورقة على مكتبي أمامي: «هاها. وصلَت للتو من أصدقائنا في هامبشر.»

قرأت الرسالة وأطلقت صافرة. وقلت: «وهل يصدِّقون ذلك؟»

«يقول خيَّاطه إنها بدلته، ويقول إسكافيه إنه صنع الحذاء من أجله، ويقول ماكس كارتر إنه يعرف التوقيع مع أنه لا يعرف فحوى الرسالة.»

سألته: «وهل تصدِّق أنت ذلك؟»

ألقى بن بجسده على المقعد المواجِه لي. وقال: «لا. إنك لا تجمع مبالغ طائلة من المال ثم تنتحر. هذا ليس منطقيًّا.»

«سيكون منطقيًّا إذا كنت ترغب في توفير المال لأرملتك. لا يمكن لمارتينا أن تدير أعمال فاريل. حتى وإن كان على علاقة بالمربِّية الإسبانية، لا بد أنه لا يزال يحب زوجته. إنهما لا يزالان ينامان في فراش واحد يا بن. الطريقة الوحيدة ليتأكد من أن أحوالها ستكون على خير ما يُرام هي أن يجمع الكثير من المال ثم يخبئه في مكانٍ ما لا يمكننا العثور عليه.»

حدَّق بن في وجهي وفغر فمه واتسعت عيناه. وقال: «لا أصدق ما أسمع. هل تعتقد أن جاك فاريل انتحر؟ هل تعتقد حقًّا أن ملِك الخداع قتل نفسه؟»

هززت رأسي نفيًا. وقلت: «على الإطلاق. ولكني أعرف كيف يمكن تبرير الأمر. دُمرت حياة الرجل بسبب موت ابنته. ولم يستطِع تحمُّل خسارتها. ولكنه يحب أمَّ ابنته كثيرًا، ما دفعه إلى التأكد من أنها ستكون في خيرِ حال من بعده. إنها حجة قوية، وإذا أردنا أن نهزمها، نحتاج إلى حقائق. ولكننا لا نملك أي شيء ندحض به هذه الحجة سوى حقيقة عدم وجود جثة. ماذا نعرف عن المد والجزر والتيارات البحرية في المنطقة التي انتحر فيها؟»

أدار بن عينيه في مَحجِرَيهما ونهض. وقال: «سأتولى الأمر.»

في غضون ساعة كنا نعرف ثلاثة أمور عن الجزء من القناة الإنجليزية الذي عُثر فيه على ملابس جاك فاريل. الأمر الأول أن قلةً فقط مَن اختاروا هذا الجزء من الساحل مكانًا للانتحار. الأمر الثاني أن الجثث تستغرق أسبوعًا أو عشرة أيام قبل أن تُجرَف إلى الشاطئ على مسافة خمسة عشر مِيلًا غرب النقطة التي انتحروا عندها. والأمر الثالث هو أن الحياة البحرية والطرق البحرية في المنطقة تعني أن الجثث تكون في حالٍ سيئة للغاية.

في حين أن الرواية الرسمية تقول إن جاك فاريل قد انتحر، اتفقنا فيما بيننا أنه يجدُر بنا أن ننتظر تكشُّف الأحداث.

تبيَّن أننا لم نكن لننتظر طويلًا. بعد ثمانية أيام، وصلَنا اتصال من شرطة دورست. جرفت الأمواج جثةً إلى شاطئ بالقرب من بول، ولديهم اعتقاد (أسلوب الحديث الذي لا يزال بعض رجال الشرطة يحبون استخدامه) أننا ربما نكون مهتمين بإلقاء نظرة عليها. سألناهم عن سبب اعتقادهم بذلك. قالوا إن السبب هو الوشوم.

لم ينتظر بن لحظةً واحدة. قُدنا سيارة الشرطة بأقصى سرعة مع تشغيل الأضواء الزرقاء الوامضة طوال الطريق حتى وصلنا. كنت أشعر بأني أفتقد ستيلا طوال الطريق. لا شك في أنها ربما لا تكون أكفأ طبيبة شرعية في العالم. ولكننا كنا نُكوِّن فريقًا جيدًا. كانت تفهم ما نحتاج إلى معرفته، وكانت سريعة، وكانت ممتازة بحق على منصَّة الشهود.

من الطبيعي أن يكون التعرُّف على جثةٍ قضت أسبوعين في البحر أمرًا صعبًا. كان الوجه والرأس محطَّمين بسبب اصطدامهما بالصخور. وقرضت سرطانات البحر بصمات الأصابع. كما أن شكل الجثث يتغيَّر في الماء. فهي تنتفخ وتتشوَّه. وهنا تطرأ الحاجة إلى طبيبٍ شرعي ليقرأ الدلالات على الجثة ويصف لك ما تنظر إليه. وليجمع عيناتٍ حتى نتمكن من فحص الحمض النووي.

أخبرنا رجال الشرطة من دورست أن رأس هذه الجثة ويَدَيها في حالٍ سيئة. ولكن بمجرد دخولنا المشرحة، أدركت أننا لن نحتاج إلى ستيلا لنتعرف على هذه الجثة تحديدًا. كانت ألوان الوشوم باهتة، والرسومات مشوَّهة بسبب تمدُّد الجلد وتمزُّقه. ولكن لم تكن العين لتخطئ هذه الوشوم.

كان التنين الذي رأيته ليلة الحريق لا يزال يغطي صدره، وذيله يلتف حول خَصره العاري لينتهي بطرفٍ مستَدَقٍّ على فخِذه اليُسرى. كانت ألوان النار التي ينفثُها من فمه قد خَبَت، ولكننا كنا لا نزال نراها بوضوح تملأ الجانب الأيمن من صدره وتصعد حتى كتفه. كانت إحدى ذراعيه مقطوعة من تحت المرفق، ولكن النصف العلوي من وشم الساموراي كان لا يزال ظاهرًا. وعلى الذراع الأخرى، بدت المرأة المرسومة في الوشم وكأنها قد زادت وزنًا وتحتاج إلى موعد مع مُصفِّف الشعر.

فكرت أننا لسنا بحاجة إلى إزعاج مارتينا. كنت قادرًا على التعرف على جاك فاريل على الفور. ولكن بدا لي أني سأُخطئ مجددًا.

فطلبت من الطبيب الشرعي أن يأخذ عينات من أجل اختبارات الحمض النووي. فقد أردت مقارنته بحمض كاتي النووي، والحمض النووي المأخوذ من الملابس والرسالة المتروكة على الشاطئ.

كما يُقال، إذا كنت ستصافح شخصًا مخادعًا، فالأفضل أن تَعُد أصابعك بعد مصافحته.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤