الفصل التاسع
لم يُجمِع الجميع على أني تصرفت تصرفًا صحيحًا فيما يتعلق بالحمض النووي. بمجرد عبوري باب مكتبي في صباح اليوم التالي بدأ رئيسي ينتقدني. قال بوجهٍ مُحمَرٍّ مثل مؤخرة قِرَدة البابون: «ما الهدف؟ إننا نعلم أنه فاريل. نفس العمر، نفس الطول، نفس البنية. وكذلك الوشوم، بالله عليك. إن كانت ثمة قضية سهلة، فهذه هي. آندي، أنت مَن حدد هُويته. ولكن هذا ليس كافيًا بالنسبة لك، أليس كذلك؟ لا، الآن تريد إجراء اختبارات حمض نووي. هل لديك فكرة عن تكلفة محاولة استخراج حمض نووي من جثة محروقة بالكامل؟»
هززت كتفيَّ. وقلت: «إنه جاك فاريل. الحذر أفضل من الأسف.»
مرَّر يده عبر شعره الخفيف. وقال: «أخبَروني أنهم مضطرون إلى استخدام أسلوبٍ يُدعى تعدُّد أشكال النوكليوتيدات المفرَدة. إنه يكلف الكثير، كما أنه يفشل في أغلب الأحيان. وفي هذه القضية، لن يُثبت أي شيء. ماذا لو لم يتطابق الحمضان النوويَّان؟ لن يعني ذلك أنها ليست جثةَ جاك فاريل. كلُّ ما سيعنيه ذلك هو أن مارتينا فاريل كانت تعبث خارج إطار الزواج.» ثم رفع يديه في الهواء. وقال: «إنه لن يُثبت ذلك حتى. فعلى حسب عِلمنا، ربما استخدموا علاج خصوبة. الحمض النووي الوحيد الذي يستحق المقارنة معه هو الحمض النووي المأخوذ من الملابس على الشاطئ. والرسالة.»
كان كلامه منطقيًّا، ولكني لم أكن لأقر بذلك. «ماذا تريد إذن؟ هل تريد أن أُلغي الاختبارات؟»
«لا، لقد فعلتُ ذلك بالفعل يا آندي.» ثم صوَّب إصبعه نحوي. وقال: «يجب أن تتوقَّف عن التصرف في الأمور كما لو كانت ملكيتك الخاصة. لطالما تحمَّلت المسئولية بدلًا منك عندما تسوء الأمور. ولا يجدر بك أن تتصرف دون الرجوع إليَّ.» ثم زفر. وقال: «أعلم أن الوضع مُمِل، ولكننا مُلزَمين بميزانية يا آندي.»
قلت: «معك كل الحق.» بدت الدهشة على وجهه، ثم تبِعها السرور. ولكني لم أتمكن من تمالك نفسي. كان يجب عليَّ أن أصدمه. «الوضع ممل.» يا إلهي، كم أفتقد ستيلا. كانت ستُجري الاختبارات ثم تهتم بأمر الميزانية فيما بعد.
ظل الناس يتهافتون لتهنِئتنا طوال اليوم. كما لو أننا المسئولون عن انتهاء مشكلة جاك فاريل. كما لو أن ما حدث نتيجةُ عملنا. بدا أن أيًّا منهم لم يرغب في التفكير في حقيقة أنه حتى وإن كان فاريل قد مات، فلا تزال أعماله قائمة وفي أحسن حال. قائمة وفي أحسن حال ويديرها أشخاص بنصف ذكائه ولا يملكون سوى جزءٍ يسيرٍ من خبرته في التعامل مع المخاطر والصعوبات.
بالنسبة لي، كان هذا يعني المتاعب. نجحت إمبراطورية فاريل لأن إمبراطورها كان يديرها بيدٍ من حديد. قرأت ذات مرة أن نيرون قال ما معناه: «دعْهم يكرهوني ما داموا يخشونني» وكانت هذه طريقة جاك فاريل في إدارة أعماله. لم أعتقد أن داني تشو أو فانسي رايلي قادران على مُجاراة زعيمهما الراحل فيما يتعلَّق بزرع الخوف في نفوس المنافسين. ستنهار جميع الأعمال بسرعة كبيرة. وسنواجه نحن فوضى عارمة.
فهِم بن ذلك. وقال: «سيتقاتلون على الغنائم مثلما تتقاتل الكلاب على كيس من العظام. وستكون العواقب وخيمة.»
سقطت الضحية الأولى بعد يومين من العثور على جثة فاريل. جاءت عائلة جوي سكاردينو إلى اسكتلندا في نهاية القرن التاسع عشر وعاشت على تجارة السمك والبطاطس المقلية والمثلَّجات. ولكن كان جوي قد شاهد الكثير من الأفلام عن حياة العصابات، فحضر إلى لندن بحثًا عن عملٍ أكثرَ إثارة من الوجبات السريعة. كان يحب أن يطلِق عليه الناس اسم جوي سكار، ولكن قلة فقط هم مَن تملَّقوه بهذا الاسم. ولم أكن من بينهم. لم أكن ممن يُكرمون حثالة البشر عبر استخدام ألقابهم.
على أي حال، كان جوي يملك ما يكفي من المهارة والجاذبية التي تؤهله لأن يكون رجل عصابات، ولكنه لم ينجح قط في أن يكون في المكان المناسب في الوقت المناسب. كان يتُوق إلى أن يلعب وفقًا لقواعد الكبار.
وكجزء من محاولته فِعل ذلك، ظل مرافقًا لفاريل مدة طويلة. ورأى كم يجني فاريل من المال من تهريب البشر وتزويد المهاجرين غير الشرعيين بالهويَّات الزائفة. كان سكاردينو يرغب في أن يقتطع جزءًا من العمل لنفسه. ولكن كلما حاول فِعل ذلك، كان فاريل يجد طريقة لعرقلته.
طبقًا لبِن، الذي كان لديه مخبِر بين صغار أعضاء جماعة فاريل، دفع سكاردينو مبلغًا كبيرًا من المال إلى فاريل بعد الحريق. قيل إن المال كان دُفعة لشراء التجارة التي فشل في سرقتها سابقًا. كانت المشكلة الوحيدة تكمُن في أن سكاردينو كان يرغب في الحصول على عائد سريع من استثماراته. فعلى النقيض من فاريل، لم يكن يفهم أن مبدأ الحصول على مبلغ معقول من المال كل أسبوع على مدى سنوات أحصفُ من محاولة الحصول على مبلغ كبير مباشرةً من البداية.
بينما كنا في السيارة في طريقنا إلى مسرح جريمة القتل، أخبرني بن بأن مخبِره قال إن سكاردينو كان قد أغضب بالفعل الكثير من الناس، ولكنه بدا مندهشًا من تفاقم الأمور بهذه السرعة.
كنا نعرف بالفعل أن سكاردينو لم يمُت مِيتةً طبيعية أو عادية. فقد عثر حارس أمن على جثته بينما كان يُجري جولة حراسته في مرفأ هارويتش. كانت ثمَّة حاوية مفتوحة رغم أنه من المفترض أن تكون مغلقة. وعندما ذهب الحارس ليُلقي عليها نظرة، رأى شيئًا سيُفسد عليه نومه مدةً طويلة للغاية.
لم أحتج إلى السؤال عن الطريق. فقد ظللت أمُر برجال الشرطة بملابسهم الرسمية ووجوههم الكئيبة، وكانوا يشيرون إلى الطريق خلفهم والرعب يملأ أعينهم. كانت ثمة بقع من القيء على جوانب الأجزاء الأخيرة من الطريق.
رأيت الكثير من مسارح الجرائم، ولكني لم أرَ مسرح جريمة أسوأ من هذا. أسرع بن مبتعدًا واضعًا يده على فمه وصوت تقيؤ جاف يصدر من حلقه.
أيًّا كان مَن قتل جوي سكاردينو، كان يرسل رسالة إلى العالم. هل تعتقد أن جاك فاريل كان مخيفًا؟ فكِّر مجددًا. وكانت وظيفتي أن أعثر على القاتل وأُسلمه إلى العدالة.
يا لي من محظوظ.