اجتماع … بعد منتصف الليل!
لم يكن هذا اليوم ككل الأيام التي مرَّت في حياة الشياطين؛ فعندما كانت الساعة تدقُّ الواحدة صباحًا كانوا جميعًا في غُرَفهم، وقد استغرقوا في نوم عميق. فجأة، دقَّ جرس الإنذار. استيقظ «أحمد» من نومه مذعورًا. كما استيقظ باقي الشياطين … أيضًا … قال «أحمد» في نفسه: هل حدث هجومٌ على المقر السري؟ أو هل أُصيب رقم «صفر» بشيء ما؟
في نفس اللحظة، دقَّ جرس التليفون في حجرة «أحمد»، وعندما ضغط على زرٍّ فيه، جاء صوت «عثمان» يقول: ما الذي حدث؟
ردَّ «أحمد»: لا أدري، ولكن ربما هناك شيء خطير قد وقع!
مرة أخرى، جاء صوت «عثمان» يسأل: أمر غريب أن نُدعَى للاجتماع في مثل هذا الوقت المتأخر من الليل!
ردَّ «أحمد»: نعم، لكن لا بد أنَّ هناك أسبابًا لذلك.
قال «عثمان»: سوف أنطلقُ حالًا إلى قاعة الاجتماعات.
ضغط «أحمد» زرَّ التليفون، فاختفى صوتُ «عثمان»، لكن قبل أن يتحرك، كان رنين التليفون يتردد في الغرفة. ضغط «أحمد» الزرَّ، فجاء صوت «إلهام» ملهوفًا، يتساءل: ماذا حدث؟
ابتسم «أحمد» وهو يقول: إنني مثلُكِ لا أعرف شيئًا، وأرجو ألَّا يكونَ الأمرُ خطيرًا!
تساءلَت «إلهام» مرة أخرى: ألم تتصل بالزعيم؟
أجاب «أحمد»: لقد دعانا إلى الاجتماع خلال عشر دقائق، وليس من اللائق أن أسألَه لماذا؟
قالت «إلهام»: إنني قلقة جدًّا …
ابتسم «أحمد» وهو يقول: لا داعي للقلق؛ فسوف نعرف كلَّ شيء بعد دقائق.
سألت «إلهام»: هل ستتحرك الآن؟
أجاب «أحمد»: نعم، فورًا.
قالت «إلهام»: إذن، إلى اللقاء!
من جديد، ضغط «أحمد» زرَّ التليفون، وهو يقول لنفسه: إنني أعرف أنَّ الشياطين قلقون جدًّا، وعندهم حق؛ فهذه أول مرة تحدث في حياة الشياطين أن يجتمعوا في مثل هذا الوقت المتأخر.
فجأة، تردَّد رنينُ التليفون، فابتسم وهو يقول لنفسه: لا بد أنَّها «زبيدة» أو «ريما» … ضغط زرَّ التليفون، فجاء صوتُ «زبيدة» يقول: هل ما زلتَ في غرفتك؟ ظننتُ أنَّك سبقتَنا إلى هناك.
ردَّ «أحمد»: إنَّ أحدًا لا يعطيني فرصةَ الذهاب إلى الاجتماع … فمنذ جاء استدعاء رقم «صفر» وأنا أردُّ على التليفون …
سكت لحظة، ثم قال: أعتقد أنَّه لا داعي للأسئلة؛ لأنَّنا سوف نعرف كلَّ شيء بعد قليل، وينبغي أن أكون هناك في الموعد المحدد لذلك!
ثم ضغط زرَّ التليفون، وانصرف فورًا …
في قاعة الاجتماعات الكبرى، كان الشياطين جميعًا هناك … عندما دخل «أحمد» تعلَّقت أعينُ الشياطين به. وكانت عيونهم تحمل علاماتِ التساؤل. ابتسم وهو يأخذ مكانه بينهم، وكان ينتظر الكثيرَ من أسئلتهم.
كانت قاعة الاجتماعات تغرق في ضوء هادئ، لكن الضوء أخذ يزداد شيئًا فشيئًا، حتى إنَّ الشياطين نظروا إلى بعضهم بحثًا عن تفسير لذلك. مرَّت دقائق ثقيلة بطيئة دون أن يظهر أمامهم ما يردُّ على التساؤلات الكثيرة التي كانت تدور في رءوسهم. فجأة … بدأت الإضاءة تَخْفت. ابتسم «أحمد»؛ فقد فَهِم ما يحدث. إنَّ الإضاءة الشديدة كان المقصود بها أن يعود الشياطين إلى نشاطهم. وعودتها إلى الإضاءة الخافتة يعني انتظارَ تفاصيل المغامرة الجديدة. فجأةً، ظهرَت الخريطة الإلكترونية، كانت للعالم كله، ظهرَت الكرة الأرضية تدور في المحيط الأزرق. همسَت «إلهام»: هل يعني هذا أن مغامرتنا سوف تشمل الأرضَ كلَّها.
ردَّت «زبيدة»: أو أنَّها خارج الكرة الأرضية، ربما تكون مغامرة في الفضاء!
اتجهت أعينُ الشياطين إلى «أحمد»، الذي كان يستمع إليهم، وهو يفكِّر. تساءَلت «ريما»: هل يتوقع «أحمد» أن تكون المغامرة الجديدة في الفضاء؟
أجاب «أحمد»: ربما، لكن من الممكن أن يشمل تأثيرُها الكرةَ الأرضية كلَّها، حتى لو كانت تدور في مكان واحد.
ولم يعلِّق أحد من الشياطين … فقد عادَت أعينهم مرة أخرى تنظر إلى الخريطة الإلكترونية … كانت الخريطة قد تغيَّرت، وظهرَت خريطة للاتحاد السوفيتي ودول أخرى، فقالت «إلهام» مباشرة: لا أظن أنَّ هذه الدول تعني العالمَ كلَّه.
ردَّ «عثمان»: أظن أنَّكِ تتعجلين النتائج يا عزيزتي «إلهام»، إننا لم نعرف كلَّ شيء بعد. أضاف «بو عمير»: خصوصًا وأنَّ رقم «صفر» لم يتحدث بعد، ولا بد أنَّ هناك تفاصيلَ أخرى جديدة.
فجأة، تغيَّرت الخريطة، وظهرَت خريطة جديدة للولايات المتحدة الأمريكية.
ابتسم «عثمان»، وهو يعلِّق: أظن أنَّ العملاقَين، أمريكا وروسيا، يمثِّلان الكرة الأرضية؛ فلو أنَّ حربًا قامَت بينهما، فإنَّ الأرضَ كلَّها سوف تتأثر بهما.
قال «باسم»: إنَّ مجرد خطأ بسيط يمكن أن تهتزَّ له الكرة الأرضية كلها.
أضاف «فهد»: خصوصًا وأنَّ هناك اتفاقات تجري بينهما الآن لإزالة الصواريخ، وأي خطأ يمكن أن يدمر العالم كله.
قال «أحمد»: إنني أوافق على هذا الرأي.
فجأةً، جاء صوت رقم «صفر» يقول: إنَّ «فهد» قد وضع يده على القضية كلها.
اتجهَت أعين الشياطين إلى «فهد»، الذي قال: أظن أنَّ المغامرة الجديدة سوف تكون في أمريكا!
مرة أخرى جاء صوت الزعيم يقول: هذا صحيح.
هدأ الشياطين قليلًا؛ فقد تحدَّدت أمامهم المغامرة، وإن كانوا لم يعرفوا بعدُ كلَّ تفاصيلها.
قالت «إلهام»: إنني أستطيع …
لكنها لم تُكمل جملتها؛ فقد جاء صوتُ أقدام رقم «صفر» يتردَّد في القاعة الواسعة. صمتَ الشياطين وانتظروا. الآن سوف يعرفون كلَّ شيء، بدلًا من التكهنات التي يمكن أن تتعرَّض للخطأ. توقَّفَت أقدامُ رقم «صفر»، فألقى عليهم تحيةَ الصباح، ثم قال: نحن في يوم جديد؛ فقد تجاوزَت الساعة الواحدة صباحًا بنصف ساعة …
سكت لحظة، ثم أضاف: إنني أعرف أنَّكم قلقون الآن بسبب الدعوة التي جاءَتكم في منتصف الليل، خاصة وأنَّ هذا لم يحدث من قبل، غير أنَّ عاملَ الوقت شديدُ الأهمية.
توقَّف قليلًا، ثم قال: إنَّ طائرةً خاصة سوف تنقلكم فورًا إلى هناك، حتى لا نضيع وقتًا، فإنَّ كل دقيقة تمر قد يكون لها نتائج قاتلة.
كان الشياطين يجلسون في صمت كامل، وقد ركَّزوا انتباهَهم لكلمات رقم «صفر». وعندما ذكر الطائرة الخاصة عرَف الشياطين أنَّ المهمة عاجلة فعلًا، وأنَّها على جانب شديد من الخطورة.
قال رقم «صفر»: أنتم تعرفون أنَّ اتفاقًا تمَّ بين أمريكا والاتحاد السوفيتي لخفض أعداد الصواريخ المتوسطة في كلٍّ منهما، وأنَّ هناك مباحثات … أخرى بين الدولتَين العظميَين للوصول إلى اتفاقات جديدة من أجل السلام العالمي، ووقْف نشاط التسليح الضخم الذي حدث في كل مكان من الدولتين، من أجل رخاء شعوب العالم، وأنتم تعرفون أنَّ ميزانية التسليح تَصِل إلى ما يقرب من ٤٠ في المائة من ميزانية الدولة، ولو أنَّ هذه النسبة العالية التي تقترب من نصف الميزانية قد توفَّرت لأمكن القيام بإصلاحات ضخمة، ينعكس أثرها بالتأكيد على بقية شعوب العالم، وأنتم تعرفون أنَّ القوتَين العظميَين تقومان بمساعدة دول كثيرة، أهمها الدول النامية والفقيرة، فإذا توفرت هذه الأموال الكبيرة فإنَّ المساعدات سوف تزيد بالتأكيد.
صمت رقم «صفر». كان الشياطين يستمعون إلى كلماته، وهم يحاولون الوصول إلى طبيعة المغامرة. وإن كانت كلماته عن القوتَين الكبيرتين تعني أنَّ القضية عاجلة تمامًا. عاد رقم «صفر» إلى الحديث، فقال: إنَّ تقارير عملائنا في كل مكان من الاتحاد السوفيتي وأمريكا، تقول: إنَّ قُوى خفية تريد أن تُعرقل الاتفاقات بين الدولتين، وإنَّ هناك خطةً لخلق سوء تفاهم بينهما. وحتى يحدث هذا، فإنَّ فريقًا من عملاء هذه القوى الخفية سوف يقوم بأحداث تفجيرات في الولايات المتحدة الأمريكية، وهذه التفجيرات سوف تقع في عدة مدن، منها: نيويورك، وواشنطن، وسان فرانسيسكو، ولوس أنجيلوس، وهذه المدن — كما ترون على الخريطة — متفرقة في طول أمريكا وعرضها، ومن المؤكد أنَّ هذه التفجيرات سوف تخلق موقفًا صعبًا بين القوتَين العظميَين.
مرة أخرى توقَّف رقم «صفر» عن الحديث، وسَمِع الشياطين صوتَ أوراق تُقلب، فعرفوا أنه يقرأ تقارير العملاء. جاء صوت الزعيم يقول: إنَّ هناك أربع فِرَق قد انتشرت فعلًا في هذه المدن الأربع الكبرى، وهي لن تعمل إلا عندما يأتيها الأمر من قائد العمليات كلها.
توقَّف رقم «صفر» عن الكلام، بينما كان «أحمد» يفكر بسرعة في كلمات الزعيم، وتوصَّل إلى مفهوم عام للمغامرة، فابتسم بالرغم منه، حتى إنَّ «إلهام» نظرَت له في تساؤل فلم يردَّ عليها إلا بابتسامة هادئة.
قال رقم «صفر»: إنَّ تقارير عملائنا في كل مكان سواء في موسكو أو واشنطن يحدِّد ملامح هذا الرجل، وسوف تجدون تقريرًا كاملًا عنه بعد انتهاء الاجتماع.
سكت لحظة سريعة، ثم أضاف: إنَّ المطلوب هو التوصل إلى هذا الرجل قبل أن يُصدرَ أوامرَه إلى أيٍّ من الفِرَق الأربع؛ فإذا استطعنا الوصول إليه، فإننا نكون قد حققنا فرصة ثمينة للسلام العالمي، وأنقذنا علاقة تُفيد البشر جميعًا.
وبعد لحظة قال: إنني أعرف أنَّها مهمةٌ شاقة؛ فلا أحدَ يعرف أين يوجد هذا الرجل الآن ولا في أيِّ مكان من أمريكا، غير أنَّ الذي يجعلنا نشعر ببعض الاطمئنان، أنَّ مركز الأبحاث في المقر السري يتوقع ألَّا تحدثَ أيُّ تفجيرات إلا في الربيع القادم، مع ذلك فإنَّ التوقُّعَ شيء، وما يمكن أن يحدث شيءٌ آخر …
صمت قليلًا، ثم أضاف: لقد فكرنا في أن نُرسل أربعَ مجموعات، تعمل كلُّ مجموعة في إحدى المدن المحددة، لكن قائد العملية قد لا يكون في أيٍّ من هذه المدن، وأنتم تعرفون أنَّ وسائلَ الاتصالات لا تحتاج لأن ينتقل الإنسان إلى نفس المكان، وهو يمكن أن يُصدر أوامره في أي دولة أخرى غير أمريكا، لكن القوة الخفية تخشى أن يُفتضح أمرها؛ فهي تعمل في منتهى السرية؛ ولذلك أرسلَت الرجل إلى أمريكا حتى يُشرفَ على العملية دون أن ينكشف أمره. إنَّه سوف يُصدر أمرَه إلى مجموعة واشنطن مثلًا. وعندما تتحقق العملية سوف يُصدره إلى مجموعة نيويورك، وهكذا …
مرَّت دقائق قبل أن يقول: لقد عرفتم مهمتكم، وهي مهمة صعبة، لكن العمل الشاق الجاد يمكن أن يحققها. في نفس الوقت إنَّ أهمية القضية تستحق أيَّ عمل مهما كان شاقًّا.
ثم أضاف: إنني في انتظار أسئلتكم.
مرَّت دقائق صامتة. لم يكن الشياطين يريدون شيئًا الآن؛ فقد وضح أمامهم كلُّ شيء، وهم يريدون الانطلاق بسرعة. وعندما مرَّت الدقائق دون أن يسأل أحدهم شيئًا. قال الزعيم: أتمنى لكم التوفيق!
ثم أخذ صوتُ خطواته يبتعد شيئًا فشيئًا، حتى اختفى تمامًا، نظر الشياطين إلى بعضهم … ثم تركَّزَت أعينُهم على «أحمد»، الذي ابتسم وهو يقول: أعتقد أننا سوف نعرف مجموعات المغامرة عندما يَصِل كلٌّ منَّا إلى غرفته.
لكنه ما كاد ينتهي من جملته، حتى ظهرت على شاشة الخريطة أسماء المجموعة التي اختارها رقم «صفر». كانت المجموعة تضم خمسة أسماء، هي: «أحمد» و«باسم» و«بو عمير» و«قيس» و«فهد». وعندما قرأها الشياطين أسرعَت المجموعة بالانصراف.