مغامرة … فوق المحيط!
فجأة، قالت «إلهام»: لقد ذكر الزعيم أنَّ هناك أربعَ مجموعات سوف تخرج للمغامرة، وأنَّ كلَّ مجموعة سوف يكون عملُها في إحدى المدن الأربع التي ذكرها الزعيم.
وكانت كلمات «إلهام» هذه كافيةً لأن تجعل المجموعة تتوقف.
عندئذٍ أضاف «مصباح»: والزعيم، لم يُرسل حتى الآن سوى مجموعة واحدة. إذن علينا أن ننتظر حتى تأتيَ أسماء المجموعات الأخرى.
وأضاف «عثمان»: لا أظن أن كلَّ مجموعة سوف ترحل بطائرة خاصة، وإلا فإننا نحتاج إلى أسطول من الطائرات!
فجأة، كانت تعليمات جديدة تظهر على شاشة الخريطة، كانت التعليمات تقول: إنَّ هيئة المستشارين في المقر السري قد أجمعَت على قيام مجموعة واحدة بالمغامرة؛ لأنَّ تعدُّدَ المجموعات قد يضرُّ المغامرةَ كلَّها.
ما إن قرأ الشياطين التعليماتِ الجديدة، حتى انصرفَت المجموعةُ المكلَّفة بالمغامرة … في نفس الوقت، كان بقية الشياطين قد أخذوا طريقهم إلى خارج قاعة الاجتماعات. عندما وصل «أحمد» إلى غرفته وجد دوسيهًا صغيرًا. فتحَه بسرعة، وكان هو التقرير الذي أشار إليه رقم «صفر» والخاص بقائد عمليات المجموعات الأربع. ألقى نظرة سريعة على أول صفحة منه، كانت هناك تعليمة بخط أحمر تقول: يُسلَّم إلى قائد الطائرة لإعادته بعد الاطلاع عليه.
فَهِم «أحمد» أنَّه لا ينبغي أن يقرأه الآن. في نفس الوقت جاءَت تعليمات أخرى على شاشة التليفزيون الموجود في غرفته. كانت التعليمات: الطائرة في المطار السري، في انتظار وصولكم إليها.
ضغط «أحمد» أربعةَ أزرار في التليفون، فتردَّد صوتُ رنين التليفون في غُرَف «باسم» و«بو عمير» و«قيس» و«فهد». واستمعوا إلى «أحمد» وهو يقول: اللقاء بعد دقيقتين عند «الجاراج»، ثم ضغط الأزرار الأربعة مرة أخرى، فتوقَّف كلُّ شيء. أسرع بتجهيز حقيبته السرية، ثم غادر الغرفة مباشرة … عندما وصل إلى «الجاراج» كان الشياطين الأربعة هناك. وكانت طائرة صغيرة تقف في انتظارهم، وقد استعدَّت للإقلاع. وما إن أخذوا أماكنهم فيها، حتى أقبل كابتن الطائرة يقول: مرحبًا بكم، إننا في انتظار الطيران.
ردَّ «أحمد»: مرحبًا بك كابتن «صقر»، نحن جاهزون!
وفي أقل من عشر دقائق، كانت الطائرة تأخذ طريقَها إلى الفضاء … كان الشياطين يشعرون بالسعادة، وهم يجلسون وحدهم في الطائرة. قال «بو عمير»: رحلة هادئة، وأرجو أن تستمرَّ كذلك!
ردَّ «فهد»: إنَّ الكابتن «صقر» من أكفأ الطيارين في المقر السري.
ابتسم «بو عمير»، وقال: إنَّ الطبيعة لا علاقة لها بكفاءة الطيار؛ فإذا انقلب الجو فإنَّ كلامًا كثيرًا سوف يُقال.
كان «أحمد» قد استغرق في قراءة التقرير الخاص بقائد العمليات. في بداية التقرير كانت هناك فقرة تحت عنوان: «ملامح خاصة»، وكانت تُحدِّد ملامح الرجل؛ طويل القامة، أشقر الشعر، له أنفٌ متناسق، غزير الشعر، يتحدث عدة لغات بطريقة جيدة، خصوصًا الإيطالية؛ فهو إيطالي الأصل، أنيق دائمًا، يُغطي وجهَه بابتسامة لا تُفارقه، يميل إلى اختيار الألوان الهادئة، ويفضِّل اللون الأبيض. ثم توقَّف التقرير عند نقطة جعلَت «أحمد» يبتسم. كانت النقطة أنَّ قدمَه لا تتناسب مع طوله؛ فقد كانت قدمُه صغيرة بشكل لافت للنظر؛ ولذلك فهو يلبس أحذية صغيرة، ثم يستمر التقرير تحت عنوان «ملامح عامة» … يُجيد الرماية، يجيد ألعاب الجودو، والكاراتيه، عاش فترة من عمره في مدينة «دالاس»، وكان يمتلك بيتًا هناك، متزوج وله ولد وبنت، اسمه الحقيقي «جيرالد فول كلايتون»، وينادونه باسم كابتن «فون»، يقترب من الأربعين.
توقَّف «أحمد» عن القراءة، ثم استغرق في التفكير. أين يمكن أن يوجد «كابتن فون» هذا؟ هل يمكن أن يذهب إلى مدينة «دالاس» التي عاش فيها؟! أو أنَّه يخشى الذهاب إلى هناك، حتى لا يعرفه أحد؟ … ظلَّ يُقلب الموقف في ذهنه، ثم قرر أن يطرح السؤال على مجموعة الشياطين.
كان الشياطين قد استغرق كلٌّ منهم في قراءة كتاب. قال «أحمد»: ينبغي أن تتعرَّفوا على الكابتن «فون».
قال جملة ثم ابتسم، فهم حتى هذه اللحظة لا يعرفون شيئًا عن الرجل، ولا يعرفون اسمه …
لكن «أحمد» كان يقصد مداعبةَ أفكارهم. نظر له «بو عمير»، وقال: مَن الكابتن «فون» هذا؟
نظر «أحمد» إلى «قيس»، فقال: حقًّا، إننا لا نعرف عنه شيئًا.
أسرع «بو عمير» يقول ضاحكًا: لقد فاجأْتَني بالسؤال. حقًّا، ماذا عندك عن الكابتن «فون»؟ …
فقد قال رقم «صفر»: إنَّك سوف تحصل على تقرير عنه.
أخذ «أحمد» يقرأ لهم محتوياتِ التقرير، وهم يُنصتون إليه في اهتمام. وعندما انتهى منه، قال «فهد» بسرعة: أظن أنَّه سوف يذهب إلى مدينته القديمة «دالاس» ما دام خبراء المقر السري لا يتوقَّعون انفجارًا قبل الربيع.
وقال «قيس»: أظن أنَّه سوف يتردد كثيرًا قبل الذهاب إلى هناك، وسوف يذهب إلى مكان لا يعرفه فيه أحد!
أضاف «باسم»: إنني مع رأْي «قيس»؛ فالذهاب إلى «دالاس» سوف يكون مخاطرة بالنسبة له.
ولم ينطق «بو عمير». كان ينظر إليهم. وهو يبدو شاردًا، حتى إنَّ «أحمد» ابتسم وهو يقول: ما رأْي «بو عمير»؟
قال «بو عمير» في هدوء: هي مسألة محيرة فعلًا؛ فهناك احتمال أن يكون في «دالاس» أو لا يكون، ويمكن أن يكون في أيِّ مدينة أخرى، واحتمال أيضًا ألَّا يكون البحث في أمريكا كلها، مسألة تدعو إلى الدهشة!
صمت قليلًا، ثم قال: أولًا أستبعدُ ذهابَه إلى واحدة من المدن الأربع التي سوف تتمُّ فيها الانفجارات، وأعتقدُ أنه سوف يذهب إلى مكان يمكن أن يقضيَ فيه وقتًا ممتعًا هادئًا، لا يشغل بالَه بأيِّ شيءٍ حتى تحينَ اللحظة المناسبة لتنفيذ العملية.
أبدى «أحمد» اهتمامًا بوجهة نظر «بو عمير» الأخيرة؛ فالذين يُقبلون على أعمال خطيرة، من المؤكَّد أنَّهم يحتاجون إلى شيء من الهدوء قبل أن يُقدموا على أعمالهم؛ فإذا كان هذا العمل يمثِّل جريمةً خطيرة كتلك التي سوف يُنفذها الكابتن «فون»؛ فإنه يلجأ إلى الأماكن التي يرتادها السائحون، حتى لا يظهر، وحتى يكون مثلَ أيِّ سائح يأتي إلى أمريكا، خصوصا وأنَّ جريمتَه سوف يُنفذها فقط عن طريق إصدار أمر إلى مجموعة الانفجار.
سأل «قيس»: نحن لم نعرف وجهة نظر «أحمد» … بعدُ!
نظر لهم «أحمد» لحظة، ثم قال: إنني أتوقَّع احتمالاتٍ كثيرة.
نظروا إليه باهتمام، فابتسم قائلًا: أولًا خبراء المقر السري توقَّعوا ألَّا يُحدِثَ انفجارًا قبل الربيع، وأنا أتوقَّع غير ذلك؛ فالذين يرتكبون الجرائم يفاجئون الجميع … لذا أتوقع أن يحدث انفجارٌ قريب، وأظن أنَّه سوف يكون في مدينة واشنطن.
سأل «باسم» بسرعة: ولماذا «واشنطن» أولًا؟!
ردَّ «أحمد»: إنَّ «واشنطن» هي عاصمة أمريكا، وعندما يحدث فيها الانفجار؛ فإنَّ تأثيره سوف يكون خطيرًا، ولأن «واشنطن» هي العاصمة فإن ذلك يعني أنَّها القمة، ولن يتوقع أحدٌ حدوثَ انفجار آخر في أي مكان، لكنه إذا حدث انفجارٌ جديد، فإن ذلك سوف يُثير الذعر في بقية البلاد.
صمت «أحمد»، فقال «فهد»: إنَّها وجهة نظر تدعو للتأمل، وإن كانت ليست نهائية.
قال «أحمد»: إنني أحاول أن أضع نفسي مكانَ هذه القوة الخفية، وإذا كنت سأقوم بمثل هذه الجريمة، فإنني سوف أتصرَّف بالطريقة التي شرحتُها!
انتظر قليلًا، ثم قال: أما عن المكان الذي سيكون فيه كابتن «فون»، فإنني مع «بو عمير»؛ لأنَّ «كابتن فون» سوف يبعد عن المدن الكبرى؛ لأنَّ وقوع الانفجار سوف تتبعه عمليات بحث واسعة عن المجرمين، وقد يكون له نصيب منها، إذا كان فعلًا في دائرة البحث.
صمت الشياطين؛ فقد كانت وجهة نظر «أحمد» مقنعة، غير أنَّ «قيس» قال: هذا إذا افترضنا أنه سوف يبدأ بالعاصمة.
فجأة اهتزت الطائرة هزة قليلة جعلَتهم يتأرجحون فوق مقاعدهم. قال «باسم»: يبدو أنَّ الطائرة تمرُّ عبر منطقة مطبات هوائية!
ولم يكَد يُتمُّ جملتَه حتى ظهر أحدُ رجال الطائرة يقول: ينبغي أن تكونوا على استعداد لأي طارئ؛ فنحن نمرُّ في منطقة صعبة الآن، ويمكن أن تزداد صعوبةً؛ فسرعة الرياح عالية، بجوار أنَّ الأمطار غزيرة تمامًا. وأنتم تعرفون أننا نطير على ارتفاع متوسط؛ لأنَّ حجم الطائرة لا يُعطيها إمكانية الطيران في الارتفاع العالي.
ابتسم «أحمد»، وقال: هل نتوقع سقوطًا في المحيط؟
ردَّ الرجل: هذه ليست مسألة مخيفة؛ فإنَّ الطائرة مجهزة لشتى الاحتمالات، وحتى لو اضطررنا إلى الهبوط على سطح المحيط، فسوف نؤدي مهمتنا في النهاية!
ثم قدَّم لهم بعضَ الإرشادات وانصرف. ابتسم «فهد» وهو يقول: هذه مغامرة أخرى في الفضاء!
أضاف «قيس»: سوف تكون مغامرة مثيرة، أن نهبط على سطح المحيط، وأن نُكمل الرحلة بحرًا.
قال «أحمد»: بل كارثة؛ فنحن في حاجة إلى عدة أسابيع حتى نَصِل إلى هناك، وسوف يكون كابتن «فون» قد نفَّذ جريمة كاملة!
أخذَت الطائرة تهتزُّ أكثر، وجاء صوتُ المذيع يقول: يجب ربط الأحزمة، إنَّ الأمور تزداد سوءًا.
بسرعة نفَّذ الشياطين تعليماتِ المذيع، في نفس الوقت الذي أخذت فيه الطائرة تهبط شيئًا فشيئًا.
قال «بو عمير»: يبدو أننا في الطريق إلى المحيط فعلًا.
تشبَّث الشياطين بمقاعدهم. كان اهتزاز الطائرة يزداد. نظر «أحمد» إلى «قيس» وابتسم قائلًا: مفاجأة غير متوقعة!
ردَّ «بو عمير»: أخشى أن تسوء الأمور أكثر من ذلك!
ردَّ «فهد»: لن تكون أسوأ؛ فما دامت الطائرة مجهَّزة فلا بأس من حدوث أيِّ شيء.
ثم أضاف: المسألة هي عنصر الوقت!
فجأةً، اهتزَّت الطائرة بشدة جعلَت الشياطين ينظرون إلى بعضهم، في نفس اللحظة جاء صوت كابتن «صقر» يقول: لا بأس، إنها بعض المداعبات الجوية، لكننا في الطريق إلى المنطقة الآمنة، وإن كان الطيران المنخفض يمثِّل خطورة ما؛ فنحن قد خرجنا على قواعد المرور الجوي.
فجأة، هدأَت الطائرة، ثم استقرت، فقال «باسم»: يبدو أننا قد اقتربنا من المحيط!
أزاح ستائر النافذة التي بجواره. كان الصباح قد بدأ، وكانت أضواؤه الزرقاء تُوحي بالبهجة، ابتسم قائلًا: لا بأس؛ فنحن نلتقي مع الصباح في مغامرة عابرة.
أزاحوا جميعًا ستائر النوافذ، فانعكسَت أضواء الصباح على المقاعد، وجاء صوت كابتن «صقر» يقول: صباح الخير أيها الأصدقاء، هل ترون الصباح الآن؟
ثم أضاف: لقد نزلنا في منطقة آمنة، ونحن نطير على ارتفاع منخفض، لكننا سوف نرتفع بعد قليل عندما تنتهي المنطقة الخطرة.
تنفَّس الشياطين في ارتياح، وقال «قيس»: لقد أنقذنا الوقت، ولن تضيعَ منَّا دقيقة.
ثم أضاف: إننا فعلًا مع طيارٍ ماهر قويِّ الأعصاب.
وبعد قليل كانت الطائرة ترتفع من جديد لتأخذ مسارَها الأول. وعندما استقرت في طيرانها قال «بو عمير»: سوف أنام … إنَّ هذه هي الوسيلة الوحيدة لقطع الوقت!
ثم جذب ستائر النافذة، واستغرق في النوم. في نفس الوقت أغلق بقيةُ الشياطين نوافذَهم وحاولوا أن يفعلوا مثله.