في الطريق إلى الاستوديو!
عندما دخل «أحمد» فندق «ميامي»، أدهشه هذا السكون؛ كان الفندق يبدو خاليًا. ألقى نظرة سريعة على الصالة الواسعة، وقال في نفسه: لا أظن أنَّ كابتن «فون» يمكن أن يكون هنا. من المؤكَّد أنَّه يبحث عن مكان مزدحم ليختفيَ فيه. فجأة، شعر أنَّ جهاز الاستقبال يستقبل رسالة ما. قال في نفسه: قد تكون رسالة من أحد الشياطين. أسرع يضع الجهاز في جيبه، لكن فجأة ظهر أحد الرجال، وأخذ طريقه إليه مباشرة، هزَّ الرجلُ رأسَه محيِّيًا «أحمد»، ثم قال: نأسف؛ فالفندق كامل العدد.
سأل «أحمد»: هل وصل نُزَلاء جدد اليوم؟
ردَّ الرجل: لا، إنَّه محجوز منذ ثلاثة أيام.
شكر «أحمد» الرجل وانصرف. قال لنفسه: إذن، فإنَّ كابتن «فون» لم يَصِل إلى هذا الفندق. تذكَّر جهاز الاستقبال، فوضع يده عليه. كان الجهاز قد توقَّف، وبدأ يُعطي إشاراتٍ للتنبيه، أعاد شريط التسجيل، ثم بدأ يسمع الرسالة. ملأَت الدهشةُ وجهَه؛ فقد كانت من عميل رقم «صفر». كانت الرسالة شفرية، وكانت تقول: ««١٣ – ١٩»، نقطة «٧ – ٩٠ – ١٢ – ٩»، نقطة «٩٠ – ٢٠ – ١٧»، نقطة «٩٠ – ١٥ – ٢١»، نقطة «١٤ – ١٩ – ٧»، نقطة «٩٠ – ١٧ – ٢٥ – ١٩ – ٧» انتهى.» … عندما ترجم الرسالة ازدادت دهشتُه، فكَّر قليلًا. ثم قال لنفسه: إنَّ «فون» غادر التاكسي، ثم استقل تاكسيًا آخر، وعاد إلى المطار، ولأنَّ الطيران الداخلي يعمل باستمرار، فإنَّه يستطيع أن يسافر في أي وقت.
فجأةً. أعطى جهازُ الاستقبال إشارةً لبدء تسجيل رسالة أخرى، أخذ يتلقَّى الإشارة، وكانت من «فهد». كان مضمون الرسالة يقول: إنَّه لم يجد شيئًا. نظر في ساعة يده. كان لا يزال هناك وقت طويل حتى يحين موعد العودة إلى السيارة. فكَّر قليلًا، ثم أخذ يُرسل رسائل إلى مجموعة الشياطين، كان يُرسل لهم جميعًا رسالة واحدة. تقول: «الانضمام فورًا إلى السيارة.»
خلال ربع ساعة كانت مجموعة الشياطين قد وصلَت إلى السيارة. سأل «فهد» في دهشة: لماذا هذا الاستدعاء السريع؟!
ردَّ «أحمد»: هناك رسالة هامة من عميل رقم «صفر» في «ميامي».
ظهرَت الدهشةُ على وجوه الشياطين، وقال «قيس»: ماذا تحمل؟
ابتسم «أحمد» وهو يقول: لقد خدعَنا كابتن «فون».
كان «فهد» قد أدار محرك السيارة، وكاد يتحرك، إلا أنَّه توقَّف مرة أخرى، وسأل: كيف؟!
ردَّ «أحمد»: يبدو أنَّه نزل من التاكسي، وأخذ تاكسيًا آخر، واتجه به إلى المطار.
ثم أضاف بسرعة: ينبغي أن نكون هناك حالًا.
ضغط «فهد» بدال البنزين، فانطلقَت السيارة. في نفس الوقت أخذ «أحمد» يشرح لهم رسالة العميل، قال: لقد سافر «فون» إلى «لوس أنجيلوس».
همس «بو عمير»: «لوس أنجيلوس» هذا يعني أنه سوف يبدأ عملية سريعة!
قال «أحمد»: هذا ما فكرتُ فيه أيضًا.
ضغط «فهد» بدال البنزين أكثر، فارتفعَت سرعةُ السيارة. أضاف «بو عمير»: أظن أننا نستطيع أن نحدِّد مكان كابتن «فون» جيدًا الآن، خصوصًا وأنَّ «لوس أنجيلوس» مدينة هادئة نوعًا، وأماكن التجمعات فيها تكاد تكون معروفة.
فجأة، سجل جهاز الاستقبال رسالة، وكانت من عميل رقم «صفر» أيضًا. وبينما كان الجهاز يسجلها كان «باسم» يقول: لقد تسرَّعنا في إعادة الطائرة. كان ينبغي أن تبقى معنا لأطول فترة ممكنة.
ابتسم «أحمد» وهو يترجم شفرة الرسالة التي كانت تقول: ««٩٠ – ١٥ – ٣ – ٩٠ – ٢١ – ٩ – ١٨»، نقطة «٩٠ – ١٥ – ٣٠ – ٩٠ – ٥ – ١٨»، نقطة «١٢ – ٢١»، نقطة «٩٠ – ١٧ – ٧٠ – ٢ – ٩٠ – ٩ – ١٤ – ١٦»، نقطة «٢»، نقطة «٧٠ – ٤ – ٢١ – ١ – ١٩ – ٩٠»، نقطة «١٩ – ١٣ – ٧٠ – ٩٠» انتهى.» …
ثم قرأ لهم الرسالة: «الطائرة الخاصة في انتظاركم، لا تضيعوا وقتًا.»
هتف «قيس»: لقد تصرَّف عميل رقم «صفر» بطريقة رائعة.
كان مطار «ميامي» قد ظهر، وما هي إلا دقائق حتى كان «فهد» يُوقِف السيارة حيث كانت عندما وصلوا. وبسرعة كانوا يأخذون طريقهم إلى الطائرة، التي كانت لا تزال في مكانها. وعندما رآهم كابتن «صقر» صاح قائلًا: مرحبًا بكم، ها أنتم تعودون مرة أخرى.
ثم أضاف بسرعة: لقد فكرتُ جيدًا إذن؛ ولذلك اتصلتُ بالعميل.
قال «أحمد» مبتسمًا: هذا صحيح، ينبغي أن ننطلق إلى «لوس أنجيلوس».
وفي دقائق كانت الطائرة تُغادر مطار «ميامي» في طريقها إلى وجهتها الجديدة. كان الشياطين يجلسون في حلقة، وفي حالة اجتماع قال «فهد»: أظن أنَّ كابتن «فون» سوف يلجأ إلى مكان هادئ ما دام قد شكَّ في أنَّ أحدًا يعرفه.
أضاف «بو عمير»: وقد يؤجل الانفجارات إلى وقت آخر؛ فهو الآن يعرف أنَّ هناك مَن يبحث عنه، أو يطارده.
قال «قيس»: إنَّ الاحتمالات كثيرة، فهو يمكن أن يبدأ الانفجار، ويمكن أن يؤجله. في نفس الوقت يمكن أن يلجأ إلى أماكن هادئة، أو يذهب إلى أماكن مزدحمة، كل هذا جائز.
كان «أحمد» يستمع إلى وجهات نظرهم، وهو يحاول أن يضع وجهة نظر، إلا أنَّ الاحتمالات كلها كان يمكن أن تكون صحيحة. قال في نفسه: إننا فعلًا نتعامل مع رجل ذكي؛ ولهذا يجب أن نوسع رقعة البحث.
فجأة سأل «قيس»: نحن لم نسمع وجهة نظرك.
قال «أحمد»: لا أُخفي عليكم، إنَّ الموقفَ محيرٌ جدًّا، وهذا ما يدفعني إلى تقديم اقتراح لمناقشته. سكت لحظة، ثم قال: إنني أقترح أن نوسع رقعة البحث.
سأل «قيس»: كيف؟
ردَّ «أحمد»: إنَّ احتمالاتِ وجودِ كابتن «فون» في أماكن مزدحمة تتساوى مع احتمالات وجوده في أماكن هادئة. هذا يقتضي أن نبحث في المكانَين. في نفس الوقت، فإننا ننتظر أن يقوم بتنفيذ الانفجارات فورًا. في نفس الوقت أيضًا، فإنَّه يمكن أن يؤجل ذلك.
صمت لحظة، ثم أضاف: إنني لهذا أقترحُ أن ننقسم إلى مجموعتين: مجموعة تتجه إلى الأماكن الهادئة، ومجموعة تتجه إلى الأماكن المزدحمة.
استمرَّ النقاش بينهما طويلًا، ولم يقطعه سوى صوت كابتن «صقر»، يقول: إننا نقترب من مطار «لوس أنجيلوس»، وينبغي أن نستعدَّ!
ربط الشياطين أحزمةَ النجاة، وألقى «أحمد» نظرةً سريعة على المطار.
فقال «بو عمير»: نحن لم نتفق على تقسيم المجموعتين.
نظر له «أحمد»، وقال: أقترح أن أتجه أنا و«باسم» إلى الأماكن المزدحمة، وأن تكون مهمة المجموعة الأخرى الأماكن الهادئة؛ لأنَّها ستكون أكثر مشقة.
ابتسم «بو عمير»، وقال: بل الأكثر مشقة أن تكون في مكان مزدحم!
قال «أحمد»: ليس صحيحًا؛ فوسط الزحام يكون الاحتمال أقوى، أما في الأماكن الهادئة فالاحتمال صعبٌ جدًّا.
كانت الطائرة قد بدأت تأخذ طريقَها إلى الممر. وفي لحظة سريعة، اصطدمَت عجلات الطائرة بالأرض، فعلَّق «فهد»: إنَّ كابتن «صقر» يُثبت أنَّه قائد ماهر؛ فالاختبار الحقيقي هو عملية الهبوط.
بعد قليل، كانت الطائرة تتوقَّف تمامًا في أحد أطراف المطار. وبسرعة غادر الشياطين الطائرة، إلا أنَّ الكابتن «صقر» كان يقف بجوار الباب، فقال: هل نتفق على موعد اللقاء؟
ابتسم «أحمد»، وقال: سوف نتصل بك.
وغادر الشياطين الطائرة فورًا. كان المطار مزدحمًا هذه الساعة، فهمس «فهد» مبتسمًا: على مجموعة الزحام أن تبدأ عملها.
وفي لحظات، كان «أحمد» و«باسم» قد اندسَّا بين الزحام، في حين اتجه «فهد» و«قيس» و«بو عمير» إلى خارج المطار.
قال «أحمد»: إنَّ علينا ألَّا نُضيعَ وقتًا طويلًا هنا؛ فالمؤكد أنَّه غادر المطار لحظة وصوله، إنَّه في مكان ما من «لوس أنجيلوس».
اتجه «أحمد» يمينًا، وأخذ «باسم» اتجاهَ اليسار. كانت أفكار «أحمد» تدور في كل اتجاه، كان يقول لنفسه: إنَّ كابتن «فون» سوف يختفي لأيام قبل أن يظهر مرة أخرى، ثم يقول لنفسه: لعله غادر أمريكا كلها … ثم يُضيف: هل يمكن أن يكون في أماكن السياحة؛ حيث لا يظهر أحد؟ ثم يتساءَل في النهاية: إنَّه لا يعرف أننا نتبعه … وربما يظن أنَّنا لا نزال في «ميامي». انقضَت ساعة دون أن يبدوَ أنَّ شيئًا سوف يتحقق. في النهاية أرسل «أحمد» إشارة إلى «باسم» حتى يلتقيَا عند باب المطار. وكان هو نفسه في الطريق إلى هناك. عندما تقابلَا قال: «باسم» أظن أنَّ «فون» قد اختفى إلى الأبد!
ردَّ «أحمد» بعد لحظة: لن يختفيَ إلى الأبد، إلا إذا وقع في أيدينا.
قال «باسم»: إنَّ المغامرة قد أصبحَت شاقة تمامًا.
ردَّ «أحمد» بعد لحظة: وهذا ما يجعلها مغامرة مثيرة.
نظر إلى «باسم» لحظة، ثم قال: فلنذهب إلى فندق «شيراتون يونيفرسال».
سأل «باسم»: ولماذا؟!
أجاب «أحمد»: إنَّه فندق …
ثم لم يُكمل كلامه، وأضاف: حتى لا نضيع وقتًا، هيَّا بنا، ونُكمل حديثنا في الطريق!
تحرَّكَا بسرعة. وعند باب المطار استدعى «أحمد» تاكسيًا. وعندما ركبَا، ذكر العنوان للسائق.
نظر لهما قليلًا ثم ابتسم قائلًا: أنتما من هواة الفن!
انطلق التاكسي، فأضاف الرجل: إنَّ الاستوديوهات منطقة جذابة فعلًا، هذا إذا كنتما من السائحين، وهي أكثر جاذبية إذا كنتما سوف تعملان هناك.
فكر «أحمد»: إنَّ هذا السائق يمكن أن يكون دليلًا جيدًا، فقال له مبتسمًا: هل تعمل كثيرًا بين الاستوديوهات والمطار؟
ردَّ السائق: معظم الوقت أقضيه بين المنطقتَين، وقد كنت هناك منذ ساعة.
ثم فجأة، ضحك ضحكةً عالية: لقد كنت أقوم بتوصيل أحد الركاب …
ثم ضحك من جديد. نظر «أحمد» إلى «باسم»، ثم قال للرجل: لعله كان شخصية مثيرة!
قال الرجل ضاحكًا: إنَّه أكثر إثارة مما تتصوران.
سأل «أحمد»: وهو يبتسم: لماذا؟
ضحك السائق، وقال: إنَّ السيارة التي تركبانِها الآن لم تكن لتصلح له.
التقَت نظرات «أحمد» و«باسم» الذي سأل بسرعة: هل كان ضخمًا إلى هذا الحد؟!
قال السائق: بل طويلًا لدرجة غير معقولة!
ثم انفجر في الضحك. في نفس الوقت الذي كان «أحمد» و«باسم» يتابعانِه باهتمام … أضاف السائق: إنَّ قدمَيه كانتَا تضغطان على صدري، حتى كدتُ أخرج أنا وعجلة القيادة من السيارة!
ضحك «أحمد» و«باسم»؛ فقد كانت الصورة التي رسمها السائق مضحكة فعلًا … وسأل «باسم» بسرعة: يبدو أنَّه كان يجلس خلفك مباشرة!
أجاب الرجل: لسوء حظي أنه قال: كان ينبغي أن أستأجر سيارة نقل حتى أستطيع الجلوس فيها!
ثم انفجر في الضحك. مرة أخرى سأل «أحمد»: هل هو سائح؟
أجاب: يبدو. وقد أوصلتُه إلى فندق الاستوديو.
لمعَت عينَا «أحمد»، وقال في نفسه: هل تلعب الصدفةُ معنا دورًا جيدًا آخر؟!