لحظة صداقة مع «فون»!
عندما وصل التاكسي إلى فندق الاستوديو نفح «أحمد» السائق أجرةً مضاعفة، وهو يقول له: أرجو أن نراك مرة أخرى!
ابتسم السائق، وقال: أرجو أن أراكما على شاشة السينما!
ثم ضحك وانصرف … كان فندق «شيراتون يونيفرسال» يتبع شركة «يونيفرسال» للسينما، وقد أقامَته لينزل فيه العاملون في أفلامها؛ فإذا لم يكن هناك عمل، فإنه يتحول إلى فندق سياحي. في نفس الوقت، فإنَّ شركة السينما جعلَت من استوديوهاتها مكانًا للسياحة؛ فالسائح يستطيع أن يزور الاستوديوهات، ويشاهد جانبًا من الأفلام على أرض الواقع. والسائحون يُقبلون كثيرًا على هذه الأماكن؛ لأنهم يشاهدون ما يسمعون عنه. وقف «أحمد» و«باسم» أمام الفندق الضخم. كان المكان حوله هادئًا تمامًا. فكَّر «أحمد» بسرعة: يبدو أنَّ السائحين قد ذهبوا إلى الاستوديوهات فعلًا، وهي لا تبعد كثيرًا عن الفندق …
فجأة، قال باسم: ينبغي أن ندخل الفندق أولًا!
قال «أحمد»: بالتأكيد؛ فنحن نريد أن نعرف النزلاء الذين وصلوا خلال هذا النهار، وبالذات مَن وصل خلال ساعة.
اتجهَا بسرعة إلى موظف الاستعلامات، وأخبره «أحمد» أنَّه يبحث عن نزيل وصل الفندق منذ ساعة. طلب الموظفُ اسمَه، فقال «أحمد»: السيد «جيرالد فون كلايتون».
بحث الموظف بسرعة في دفتر الاستقبال، لكنه لم يجد الاسم …
قال: إنَّ مجموعة السائحين الأخيرة قد ذهبت إلى الاستوديوهات.
شكره «أحمد» وانصرفَا، واستقلَّا تاكسيًا إلى منطقة الاستوديوهات … وعندما وصلَا إلى هناك، قال موظف الاستقبال: يجب أن تُسرعَا، إنَّ المعركة سوف تبدأ حالًا.
دخلَا بسرعة. وما إن تجاوزَا الباب بقليل حتى شاهدَا مدرجًا عاليًا تمامًا، وقد ازدحم بالناس. أسرعَا يدوران حول سور المدرج، حتى وصلَا إلى السُّلم. فجأة، توالَت طلقات الرصاص يتردد صداها في المكان. نظر «أحمد» إلى «باسم»، ثم ابتسم قائلًا: لقد بدأت المعركة!
كانت معركة وهمية من تلك المعارك التي نشاهدها في السينما. أخذ «أحمد» مكانًا، وجلس «باسم» بجواره. كانت المعركة السينمائية تدور؛ سيارة جيب، وجنود، وبيت يختفي داخله بعضُ رعاة البقر، وثور ضخم يقف في ساحة البيت، كانت تبدو وكأنَّها حقيقية، حتى إنَّها استرعَت انتباه «باسم»، فأخذ يتابعها. غير أنَّ «أحمد» كانت عيناه تبحثان في المدرجات. فجأة، امتدَّت يده تُمسك بذراع «باسم» وهو يهمس: انظر بانحراف ٤٥ درجة. مَن الذي يجلس هناك. جرى «باسم» بعينَيه في المدرج حتى توقَّف عن النقطة التي حدَّدها «أحمد»، وعلَت الدهشةُ وجهَه. كان كابتن «فون» يجلس هناك، وقد ظهر جيدًا. لكن لا أحدَ يعرف أهمية وخطورة هذا الرجل. فكَّر «أحمد» سريعًا: إذا انتهَت المعركة الآن فقد يختفي «فون». هذه فرصة لا تُعوَّض، حتى لا يخدعَ الشياطين مرة أخرى …
قال «أحمد»: عليك بمراقبته، وسوف أتسلَّل خارجًا، ثم أدور حول المدرج، حتى أكون قريبًا منه، وحتى لا يفلتَ منَّا مرة أخرى.
قال «باسم» وعيناه لا تُفارقان مكان «فون»: هل أستدعي المجموعة؟
همس «أحمد» وهو يخرج في هدوء: نعم.
نزل «أحمد» درجات المدرج في هدوء حتى وصل إلى الباب، كان يفكِّر: هل توجد أبواب أخرى قريبة من مكان «فون». فجأة، وجد أحدَ موظفي الاستوديو، فاتجه إليه سائلًا: أين أجد الباب الآخر للمدرج؟
ابتسم الموظف، وقال: إنَّه ليس بابًا واحدًا، لكنك ستجد أبوابًا كثيرة حول المدرج، تستطيع أن تدخل منها.
شكره وانصرف، فكَّر مرة أخرى: إنَّ «فون» يمكن أن يتذكَّرني منذ ساعات ناديتُ عليه؛ ولهذا يجب أن أختفيَ تمامًا.
نظر حوله، كانت غابةً صغيرة تمتدُّ عن يمينه، وقد ارتفعَت فيها الأشجار والحشائش. أسرع إليها، واختفى خلف شجرة، ثم أخرج حقيبتَه السحرية، وأخرج منها أدوات الماكياج. وفي لحظة، كان قد تغيَّر تمامًا، وضع شاربًا صغيرًا وحواجب ثقيلة. كانت طلقات الرصاص لا تزال تُدوِّي في المدرج. أخفى حقيبته، وخرج مسرعًا متجهًا إلى مكان «فون»، ثم بحث عن أقرب باب يُوصل إليه، ودخل، صَعِد الدرجات في هدوء حتى لا يُزعجَ أحدًا، وحتى يُعطيَ السائحين فرصتَهم في الاستمتاع بالمعركة الوهمية. وعند نقطة محددة توقَّف، نظر حواليه، فلم يرَ «فون» … قال في نفسه: هل اكتشف الرجل وجودي فاختفى. ألقى نظرة سريعة على الجانب الآخر من المدرج، فرأى «باسم» على جانب ينحرف عنه بمقدار عشر درجات. قال في نفسه: إنَّ «فون» يوجد على خطٍّ منحرف بمقدار ٤٥ درجة من مكان «باسم»، وهذا يعني أنَّه أبعد قليلًا.
تحرَّك بهدوء في الاتجاه الذي حدَّده. فجأة، ارتسمَت ابتسامةٌ على وجهه. لقد كان طولُ «فون» يجعله مرتفعًا عن معظم الباقين بعضَ الشيء!
اقترب منه في هدوء، فكَّر مرة أخرى: يجب أن يعرف «باسم» أنني قريب من «فون» الآن …
وهو لن يستطيعَ أن يكشف وجودي وأنا بالمكياج. وفي هدوء ضغط زرَّ جهاز الإرسال، وأرسل رسالة سريعة إلى «باسم». مرَّت دقيقة، ثم رأى «باسم» وقد علَت وجهَه ابتسامةٌ، فتأكَّد أنَّه اكتشف وجوده. كان «فون» يجلس على شمال «أحمد»، لا يفصلهما سوى عدة أشخاص، كان يبدو مستغرقًا في التفكير، وكأنَّه لا يرى ما يدور أمامه. في نفس الوقت كانت المعركة السينمائية تدور أمام المشاهدين، وكأنَّها معركة حقيقية؛ إصابات وحرائق، واصطدام سيارات، وسقوط ناس من أماكن مرتفعة، كانت معركة ساخنة تبدو وكأنَّها معركة حقيقية … ولم يكن فيها شيء حقيقي، إلا المشاهدين فقط … كان «أحمد» يراقب المعركة المثيرة. وفي نفس الوقت يُلقي بنظرة سريعة على «فون»، فوجده لا يزال شاردًا. فجأة، وقعَت عينَا «أحمد» على الشياطين. كانوا قد انضموا إلى «باسم». أرسل إليهم رسالة تقول: إنَّ الظروف تخدمنا تمامًا، وإنَّ الفريسة لا ينبغي أن تُفلتَ هذه المرة.
وجاءه الرد: إنَّ المغامرة تكاد تنتهي دون أن نتعب كثيرًا، وكنَّا نظنها مغامرة صعبة!
ابتسم «أحمد»، وهو يتلقَّى الرسالة. في نفس الوقت، كان يفكر: ما هو الوقت المناسب للقبض على «فون»؟ وهل ينبغي أن يقبض عليه، ويُثير ضجة، أو ينتظر حتى العودة إلى الفندق، ويقبض عليه هناك داخل غرفته؟
فكَّر مرة أخرى: يجب أن ينضمَّ «فهد» و«قيس» ليكونَا بجوار «فون» في الجانب الآخر، وحتى لا يُفلت نهائيًّا. وعندما استقر رأيه أرسل رسالةَ لاستدعاء «فهد»، وحدَّد له النقطة التي يجب أن يظهر فيها. كانت المعركة قد أوشكَت على الانتهاء. في نفس الوقت اختفى «فهد» من مكان الشياطين. وما هي إلا دقائق، وظهر مرة أخرى في الناحية الأخرى قريبًا من «فون». أخفى «أحمد» ابتسامة، وهو ينظر في اتجاه «فهد»، فوقعَت عيناه بالضرورة على الكابتن. فجأة، انتهَت المعركة، وبدأ السائحون يغادرون المدرج الكبير، بينما ظلَّت عينَا «أحمد» ترقبان «فون»، بل إنَّه أسرع يتجاوز كلَّ مَن أمامه حتى أصبح خلفَه مباشرة، وحتى إنَّه كان يضع يدَه على ظهر «فون» في زحمة الخروج من أبواب المدرج. أمَّا «فهد» فقد حرص على أن يكون بجواره تمامًا. وعند باب الخروج تنحَّى له عن الباب، وقال يخاطب «فون»: تفضَّل يا سيدي!
ابتسم «فون»، وقال شكرًا.
ثم خرج، فخرج «أحمد» و«فهد» خلفه مباشرة. وفي ساحة الاستوديو الواسعة، تردَّد صوت رجل يقول من ميكرفون: الآن سوف نذهب إلى بحيرة الاستوديو لتشاهدوا «الفك المفترس»، إنَّ ذلك سوف يُسعدكم كثيرًا.
وارتفع الصياح من الصغار الموجودين، أمَّا الكبار فقد علَت وجوهَهم ابتسامةٌ هادئة، لم تكن البحيرة بعيدة. كان «فون» في هذه اللحظة قد توقَّف وترك الناس يتقدمون في اتجاه البحيرة. في نفس الوقت انشغل «أحمد» و«فهد» في البحث عن شيء سقط على الأرض — ولم يكن ذلك صحيحًا — حتى لا يبتعدَا، وحتى لا تضيعَ فرصة الشياطين الأخيرة. فجأة، لم يَعُد موجودًا غيرهم: كابتن «فون»، و«أحمد»، و«فهد». أمَّا الباقون فقد تجمَّعوا حول سور البحيرة، الذي لم يكن يبعد كثيرًا. نظر «فون» إلى «أحمد» و«فهد»، وقال مبتسمًا: ألن تشاهدَا سمكة «الفك المفترس»؟!
ابتسم «أحمد»، وقال: بالتأكيد.
سأل «فون»: هل يعطلكما شيء؟
أجاب «أحمد»: نعم، دبوس ذهبي سقط في الزحام.
ضحك «فون»، وهو يقول: أظن أنَّكما لم تجداه؛ فإذا كان قد سقط حقًّا فإنَّه قد اشتبك في ثياب أحد أو تكون الأقدام قد داسَته، فاختفى.
كانت باقي مجموعة الشياطين يقفون بعيدًا يرقبون هذه اللحظة الغريبة التي يتحدث فيها الصياد والفريسة معًا. أجاب «أحمد»: يبدو فعلًا أننا فقدناه إلى الأبد!
ابتسم «فون»، وقال: هيَّا إذن حتى لا يفوتَنا الفكُّ المفترس.
اتجه الثلاثة إلى البحيرة. كان الزحام شديدًا حول السور … وكان هناك طابور طويل يتجه إلى فُتحةٍ في السور، اتجه الثلاثة إلى مكانها. كان هناك قارب صغير يتسع لخمسة أو ستة أشخاص، تركب مجموعة لتقطع البحيرة من جانب إلى آخر.
قال «فون»: ما رأيكما، نستطيع أن نستقلَّ القارب إلى الجانب الآخر، ونرى سمكة الفك المفترس عن قُرْب؟
فكَّر «أحمد» بسرعة: هل هي خدعة؟ وهل كابتن «فون» يشكُّ فيهما؟
غير أنَّه أجاب بسرعة: إنَّها فرصة جيدة فعلًا؛ فقد شاهدتُ فيلم «الفك المفترس» في السينما، وأُعجبت به تمامًا.
اندسَّ الثلاثة في الطابور؛ «فون» في المقدمة، ثم «أحمد» خلفه، وأخيرًا «فهد». كان «أحمد» يُخفي ابتسامة؛ فها هو كابتن «فون» الرجل الخطير يبدو كطفل في تصرُّفِه. ألقى نظرةً على الشياطين، وكانت المفاجأة، كان «قيس» يقترب منهم، وهو يحمل كاميرا، ثم أخذ يلتقط لهم مجموعة من الصور تضمُّ كابتن «فون»، و«أحمد»، و«فهد». ولم يتمالك «أحمد» نفسَه، فضحك كثيرًا؛ فقد كان الموقف مضحكًا جدًّا. لكن لا يعلم ما فيه من ضحك إلا الشياطين فقط.
كان أمام «فون» مجموعةٌ من السائحين في الطابور. اقترب القارب حتى وقف أمامهم … وبدأ السائحون ينزلون فيه. وفجأة … حدث ما لم يكن يتوقعونه.