الفصل الثاني
يمثل الملعب غرفة في بيت جيرونت
المشهد الأول
جيرونت – فالير – لوكاس – جاكلين
فالير
:
نعم يا سيدي، أظن أنك ستكون مسرورًا فقد جئنا إليك بأكبر طبيب في
العالم.
لوكاس
:
أوه! لا شك أن جميع الأطباء لا يستحقون أن يحلوا ربطة حذائه.
فالير
:
لقد عمل في حياته عجائب لا تُحصَى.
لوكاس
:
وشفى قومًا من الأموات.
فالير
:
وهو غريب الأطوار كما قلت لك، فكثيرًا ما ينسى نفسه ويظهر بمظهر رجل
آخر.
لوكاس
:
نعم؛ إنه يميل إلى الهزل كما قلت.
فالير
:
إلا أنه في الحقيقة منتفخ معارف، وفي أغلب الأحيان يتلفظ بكلمات عالية
جدًّا.
لوكاس
:
حتى إنك لتحسبه في بعض الأحيان يقرأ في كتاب.
فالير
:
ولقد ذاعت شهرته ذيوعًا حمل إليه جميع الناس.
جيرونت
:
لم يَبْقَ لي صبر على احتمال تحجبه، فجيئوا به إلي.
فالير
:
أنا ذاهب لأجيء به.
المشهد الثاني
جيرونت – جاكلين – لوكاس
جاكلين
:
لا أظنه ينجح أكثر مما نجح غيره، وعندي أن أفضل طبيب تستطيع أن تجيء به إلى
ابنتك هو أن تزوجها من فتى جميل تحبه.
جيرونت
:
هلا، يا مرضعي العزيزة، أراك تتدخلين بما لا يعنيك.
لوكاس
:
أطبقي فمك يا جاكلين، فلا شأن لك في هذه القضية.
جاكلين
:
قلت لكم وأعيد ما قلت: إن جميع هؤلاء الأطباء لا يعرفون من الطب إلا الماء
الصافي، وإن ابنتك بحاجة إلى غير العقاقير، وإن الزوج هو طبيب يشفي جميع أمراض
البنات.
جيرونت
:
ليس الآن وقت التلفظ بهذا الكلام، ولكن عندما كان بودي أن أزوجها ألم تتمرد
على مشيئتي؟!
جاكلين
:
نعم؛ ولكنك أردت أن تكم فمها برجل لا تحبه، فلماذا لم ترضَ أن تعطي يدها
للياندر الذي يملك قلبها؟! ألم تكن أطاعتك لو رضيت به زوجًا لها؟! وإني أؤكد لك
أن لياندر يتزوجها الآن في الحالة التي هي فيها إذا رضيت أنت.
جيرونت
:
ولكن لياندر هذا لا يوافق، فهو ليس غنيًّا كذاك.
جاكلين
:
ولكن عمه غني جدًّا وسيعطيه كل ما عنده.
جيرونت
:
إن الثروة التي ليست في الجيب أعدها في جملة الأغاني، فليس أصدق من المال
الذي في قبضة الرجل، وليس أسخف من المرء الذي يتكل على مال غيره. إن الموت لا
يصغي دائمًا إلى طلبات السادة الوراث وصلواتهم، ويجب على أضراس الذين يتكلون
على أمواتهم أن تكون طويلة.
جاكلين
:
أما أنا، فقد سمعت أن الحب في الزواج يُغْنِي عن الثروة، وأن الآباء والأمهات
تعوَّدوا أن يطرحوا هذا السؤال المشئوم: ماذا يحوي؟ وماذا تملك؟ واتصل بي أيضًا
أن العم بطرس زوَّج بنته سيمونيت من توماس الضخم؛ لأن توماس هذا كان يملك قطعة
كرم أكثر مما كان يملك روبين الشاب الذي كانت سيمونيت تحبه. أما أنا فأفضِّل أن
أكمَّ فم بنتي بزوج تحبه على أن أُزوِّجها من رجل لا تحبه وإن يكن يملك مال
الأرض.
جيرونت
:
اخرسي أيتها المرضع، أطبقي فمك! لا تحتدِّي كثيرًا لئلا تجففي حليبك.
لوكاس
(ضاربًا على كتف جيرونت لدى كل عبارة يقولها)
:
اخرسي! إنك وقحة جدًّا! فسيدي في غنى عن خطاباتك، وهو أدرى منك بصالح نفسه،
اهتمي بحليب الولد ولا تتدخلي فيما لا يعنيك أمره، فسيدي هو والد ابنته، وهو
أعقل من أن يجهل ما يفيد بنته.
جيرونت
:
مهلًا، مهلًا، بهوادة.
لوكاس
(يستمر في الضرب على كتف جيرونت)
:
أريد أن أذلها قليلًا وأن أعلمها كيف تحترمك.
جيرونت
:
طيب، ولكن هذه الحركات ليست ضرورية.
المشهد الثالث
فالير – سغاناريل – جيرونت – لوكاس – جاكلين
فالير
:
استعدَّ يا سيدي، فطبيبنا داخل.
جيرونت
(لسانغاريل)
:
سيدي، إني شديد الغبطة برؤيتي إياك في بيتي، فنحن بحاجة قصوى إليك.
سغاناريل
(بلباس طبيب وعلى رأسه قبعة مستطيلة)
:
قال بقراط: إن الضرورة تقضي بأن لا ننزع القبعة عن رأسينا!
جيرونت
:
بقراط قال ذلك؟!
سغاناريل
:
نعم.
جيرونت
:
في أي باب؟!
سغاناريل
:
في باب … البرانيط!
جيرونت
:
بما أن بقراط قال ذلك؛ فينبغي أن نفعل بحسب قوله!
سغاناريل
:
عندما تعلمت تلك الأشياء الجميلة يا سيدي الطبيب …
جيرونت
:
قل لي بحقك إلى من توجه كلامك؟!
سغاناريل
:
إليك!
جيرونت
:
ولكني لست طبيبًا!
سغاناريل
:
لست طبيبًا؟!
جيرونت
:
لا، وحقك.
سغاناريل
:
صحيح؟!
جيرونت
:
صحيح جدًّا (يأخذ سغاناريل عصا ويضرب
جيرونت) آه، آه، آه!
سغاناريل
:
صرت طبيبًا الآن، فأنا لم أتعلم غير هذه الأمثولات.
جيرونت
(لفالير)
:
ما هذا الشيطان جئتني به؟!
فالير
:
سبق لي أن قلت لك: إنه طبيب مهرج هزلي!
جيرونت
:
طيب، ولكن سأقذف به هو وهزلياته.
لوكاس
:
لا تعبأ بذلك يا سيدي، فهو لأجل الضحك.
جيرونت
:
ولكن هذا الضحك لا يعجبني.
سغاناريل
:
أستغفرك يا سيدي على الحرية التي استعملتها معك.
جيرونت
:
أنا خادمك يا سيدي.
سغاناريل
:
إني مستاء جدًّا …
جيرونت
:
لا بأس.
سغاناريل
:
من ضربات العصا …
جيرونت
:
لم يحدث شيء مكدر.
سغاناريل
:
التي تشرفت بإطعامك إياها.
جيرونت
:
لندع هذا الحديث، سيدي، لديَّ بنت أُصِيبَتْ بداء غريب.
سغاناريل
:
إني مسرور يا سيدي بأن ابنتك في حاجة إليَّ، وإني لأتمنى من كل قلبي أن تحتاج
إليَّ أنت وعيلتك كلها؛ لأظهر لك شدة رغبتي في خدمتك.
جيرونت
:
أنا مدين لك بهذه الإحساسات.
سغاناريل
:
تأكد أني أكلمك من كل قلبي.
جيرونت
:
إنك توليني شرفًا عظيمًا.
سغاناريل
:
ما اسم ابنتك؟
جيرونت
:
اسمها لوسند.
سغاناريل
:
لوسند! آه، يا له اسمًا موافقًا للطب والتطبيب!
جيرونت
:
أنا ذاهب لأرى ماذا نفعل الآن.
سغاناريل
:
مَن هذه المرأة التي هناك؟
جيرونت
:
هي مرضع أحد أولادي الصغار.
المشهد الرابع
سغاناريل – جاكلين – لوكاس
سغاناريل
(على حدة)
:
إنها لقطعة جميلة. (عاليًا) آه! أيتها
المرضع، يا مرضعي الجذابة، إن طبي هو خادم رضاعك المطيع، وإني لأتمنى أن أكون
طفلًا محظوظًا على مراضعك (يضع يده على
صدرها) جميع عقاقيري ومعارفي هي في خدمتك، و…
لوكاس
:
المعذرة يا سيدي الطبيب، اترك امرأتي … أرجوك.
سغاناريل
:
ماذا؟! أهي امرأتك؟!
لوكاس
:
أجل.
سغاناريل
:
آه! لم أكن أعلم ذلك، وإني لشديد الغبطة بحب كل منكما للآخر.
(يتظاهر بمعانقة لوكاس فيعانق المرضع.)
لوكاس
(يقف بين سغاناريل وزوجته)
:
بهوادة، بهوادة.
سغاناريل
:
أؤكد لك أني مسرور بكما جميعًا، وها أنا أهنئها بزوج مثلك، وأهنئك أنت بزوجة
جميلة عاقلة مثلها.
(يتظاهر أيضًا بمعانقة لوكاس الذي فتح له ذراعيه، فيمر من بينهما ويعانق المرضع.)
لوكاس
(حائلًا دونه)
:
وحق إبليس يكفيك حمدًا وشكرًا … أتوسل إليك.
سغاناريل
:
ألا تريد أن أفرح معك باتحاد كهذا؟!
لوكاس
:
معي أنا قدر ما تشاء، ولكن مع زوجتي …!
سغاناريل
:
إني أشاطر كلًّا منكما سعادته، ولئن كنت أعانقك لأظهر لك فرحي فإني أعانقها
لأظهره لها أيضًا (يعيد الكرَّة).
لوكاس
(يحول دونه للمرة الثالثة)
:
آه! تماديت كثيرًا يا حضرة الطبيب.
المشهد الخامس
جيرونت – سغاناريل – لوكاس – جاكلين
جيرونت
:
سيدي الطبيب، ستحضر ابنتي بعد هنيهة.
سغاناريل
:
إني مُنتظرها يا سيدي مع كل الطب.
جيرونت
:
أين هو الطب؟!
سغاناريل
(واضعًا يده على جبينه)
:
هو هنا!
جيرونت
:
حسن جدًّا.
سغاناريل
:
ولكن بما أني أهتم بعيلتك كلها، فيجب أن أختبر حليب مرضعك وأزور
ثدييها.
(يقترب من جاكلين.)
لوكاس
(يأخذه من كتفه ويقذف به فيدور على نفسه)
:
يا للوقاحة! أليس لك عمل غير هذا؟!
سغاناريل
:
من واجبات الطبيب أن يختبر حليب المرضع.
لوكاس
:
أتوسل إليك!
سغاناريل
:
أتجسر على اعتراض الطبيب أنت؟!
لوكاس
:
اهزأ بكل هذا، أنا …!
سغاناريل
(ناظرًا إليه خلسة)
:
سأرشقك بالحمى.
جاكلين
(تأخذ لوكاس من كتفه وتقذف به فيدور على نفسه)
:
انصرف من هنا أنت، ألستُ قادرة أن أدافع عن نفسي إذا اقتضى الأمر؟!
لوكاس
:
لا أريد أن يختبر حليبك.
سغاناريل
:
أفٍّ لمن يغار على زوجته!
المشهد السادس
لوسند – جيرونت – سغاناريل – فالير – لوكاس – جاكلين
جيرونت
:
هذه ابنتي.
سغاناريل
:
أهي المريضة؟
جيرونت
:
نعم، وليس لي غيرها … فإذا ماتت يحل بي جميع ما في العالم من الحزن.
سغاناريل
:
يجب أن تتقي الموت؛ إذ لا ينبغي أن تموت بدون إشارة الطبيب.
جيرونت
:
هيا، هاتوا المقعد.
سغاناريل
(جالسًا بين جيرونت ولوسند)
:
هذا مرض غير مزعج.
جيرونت
:
لقد أضحكتها يا سيدي.
سغاناريل
:
حسن جدًّا، عندما يُضحك الطبيب المريض تكون إشارة طيبة، أطيب إشارة في
العالم. (للوسند): ما بكِ؟ ما هو الألم الذي
تشعرين به؟
لوسند
(تضع يدها على فمها، ثم على رأسها، فعلى ذقنها)
:
هان، هي، هو، هان.
سغاناريل
:
ماذا تقولين؟
لوسند
(تستمر)
:
هان، هي، هون، هون، هي، هون.
سغاناريل
:
ماذا؟!
لوسند
:
هان، هي، هون.
سغاناريل
:
هان، هي، هون، هان، ها … لا أفهم شيئًا! ما هذه اللغة الشيطانية؟!
جيرونت
:
هذا هو مرضها يا سيدي، فلقد أصبحت خرساء من غير أن نعرف حتى الآن سبب خرسها،
وهذا الحادث الفجائي أخَّر زواجها.
سغاناريل
:
أخر زواجها؟! ولماذا؟!
جيرونت
:
لأن الذي ستتخذه زوجًا ينتظر شفاءها قبل العقد.
سغاناريل
:
من يكون هذا الأبله الذي يأبى أن تكون زوجته خرساء؟! وحق إبليس لو أُصِيبَتْ
زوجتي بهذا المرض لما حركت ساكنًا لأشفيها.
جيرونت
:
وأخيرًا يا سيدي نرجو إليك أن تستعمل جميع الوسائل لتشفيها من آلامها.
سغاناريل
:
آه! لا تقنط ولا تحزن، وقل لي أيؤلمها كثيرًا هذا المرض؟
جيرونت
:
نعم؛ يا سيدي.
سغاناريل
:
لحسن الحظ! وهل تشعر بآلام مبرِّحة؟
جيرونت
:
مبرِّحة جدًّا.
سغاناريل
:
حسن حسن! وهل تخرج إلى حيث تعلم؟
جيرونت
:
نعم.
سغاناريل
:
بحسب الأصول؟
جيرونت
:
لم أفهم ماذا تقصد.
سغاناريل
:
هل المادة التي تخرجها محمودة؟
جيرونت
:
لا أفهم هذه الأشياء يا سيدي.
سغاناريل
(للوسند)
:
أعطيني ذراعك. (لجيرونت): هذا نبض يقول:
إن ابنتك خرساء.
جيرونت
:
نعم يا سيدي الطبيب، هذا هو مرضها! لقد اكتشفته مرة واحدة.
سغاناريل
:
آه! آه!
جاكلين
:
كيف حزر مرضها؟!
سغاناريل
:
نحن جماعة الأطباء الكبار نعرف الأشياء للوهلة الأولى، ولو كان مكاني أحد
الجهلاء لانزعج جدًّا ولقال أشياء مبهمة، أما أنا فأصيب المرمى دفعة واحدة
وأقول لك: إن ابنتك خرساء.
جيرونت
:
طيب، ولكن أريد أن أعلم كيف خرست.
سغاناريل
:
ليس أسهل من معرفة ذلك؛ فالخرس يأتي عن فقدان حاسة الكلام!
جيرونت
:
حسنًا، ولكن ما هو السبب الذي من أجله فقدت الكلام؟
سغاناريل
:
يقول جميع المؤلفين العظام: إن فقدان الكلام يسببه امتناع اللسان عن الحركة!
جيرونت
:
ولكن ما رأيك الخاص في امتناع اللسان عن الحركة؟
سغاناريل
:
قال أريسطو أشياء جميلة في هذا الموضوع.
جيرونت
:
أصدق ذلك.
سغاناريل
:
آه، إنه لرجل كبير.
جيرونت
:
بدون ريب.
سغاناريل
:
رجل كبير جدًّا … (يرفع ذراعه) كان أكبر
مني بهذا المقدار، لِنَعُدْ إلى الموضوع، قلت إن امتناع اللسان عن الحركة قد
سببته أعراض نسميها نحن العلماء أعراضًا عرضية؛ يعني … أعراضًا عرضية ناتجة عن
الأبخرة المرتفعة في جهات الأمراض التي … أتعرف اللغة اللاتينية؟!
جيرونت
:
لا، أبدًا.
سغاناريل
(ينهض فجأة)
:
ألا تفهم اللاتيني؟!
جيرونت
:
لا!
سغاناريل
(بحماسة)
:
كابريسياس، أرسي تورام، كتلاموس، سنكالاريتر، نوميناتيفوهكموز، عروس، بونوس،
بونا، بونوم، ايسا كتوس، استني أوراثيولاتيناس؟! إيتيام، نعم، كاري، لماذا؟
كياسبستنتيفو، كيا أدجكتيفوم، كونكوردا إن جنيري نوميرم أت كاسوس.
جيرونت
:
آه، يا ليتني تعلمت!
جاكلين
:
رجل حاذق جدًّا!
لوكاس
:
أجل، هو حاذق إلى درجة أني لا أفهمه!
سغاناريل
:
إذن؛ فهذه الأبخرة التي ذكرتها لكم عندما تمر بالجهة اليسرى حيث الكبد،
وبالجهة اليمنى حيث القلب! تكون الرئة التي نسميها باللاتيني أرميان في اتصال
بالدماغ الذي نسميه باليوناني ناسموس، وإذ يكون المدعو بخارًا … انتبهوا إلى ما
أقول، أرجوكم … وإذ يكون المدعو بخارًا … أصغوا جيدًا إلى ما أقول.
جيرونت
:
نعم.
سغاناريل
:
وإذ يكون المدعو بخارًا في حركة … أرجوكم انتبهوا.
جيرونت
:
كلي انتباه.
سغاناريل
:
في حركة تسببها الأعراض العرضية أو سابنداس، نيكاييس نيكر، بوتارينوم، كيبسا
ميلوس، هذا هو السبب الذي من أجله صارت ابنتك خرساء.
جاكلين
:
آه! هذا طبيب ماهر!
لوكاس
:
لو كان لساني في سرعة لسانه!
جيرونت
:
لا شك أنه تحليل مصيب جدًّا، ولكن أمرًا أزعجني هو مكان الكبد والقلب، فيظهر
أنك تضعهما في غير مكانيهما؛ فالقلب هو في جهة الشمال والكبد في جهة
اليمين.
سغاناريل
:
نعم؛ كان ذلك في الماضي، على أنا غيرنا كل ذلك؛ فالطب في هذه الأيام اتخذ
مجرى جديدًا.
جيرونت
:
لم أكن أعرف ذلك، فأطلب منك المعذرة على جهلي!
سغاناريل
:
لا بأس، فلا يُطلَب منك أن تكون حاذقًا مثلنا!
جيرونت
:
صحيح، ولكن ماذا تصف لهذا المرض؟
سغاناريل
:
ماذا أصف له؟!
جيرونت
:
نعم.
سغاناريل
:
رأيي هو أن تمدد ابنتك على سريرها، وأن تُعطَى كمية من الخبز المغمس
بالنبيذ.
جيرونت
:
لماذا هذا يا سيدي؟!
سغاناريل
:
لأن في النبيذ والخبز ممزوجين تآلفًا يهب حاسة الكلام، ألم تَرَ أن الببغاء
لا تُعطَى أكلًا إلا الخبز والنبيذ؟!
جيرونت
:
صحيح! آه، يا للرجل الكبير! هيا كمية من الخبز والنبيذ.
سغاناريل
:
وسأعود في المساء لأتفقد حالتها.
المشهد السابع
جيرونت – سغاناريل – جاكلين
سغاناريل
(لجاكلين)
:
على مهلك، أنتِ. (لجيرونت): هذه المرضع يا
سيدي بحاجة إلى بعض أدوية بسيطة.
جاكلين
:
من؟! أنا؟! إن صحتي أسلم ما في العالم.
سغاناريل
:
لسوء الحظ، لسوء الحظ، فسلامة صحتك سيكون لها عاقبة وخيمة، وأي ضرر عليك إذا
أعطيتك حقنة صغيرة؟!
جيرونت
:
هذه طريقة لا أستطيع أن أعترف بها يا حضرة الطبيب، فلماذا الحقنة إن كانت
الصحة سليمة؟!
سغاناريل
:
لا فرق، فالعادة الدارجة هي أنه كما يُؤخَذ الماء احتياطًا للظمأ هكذا يُؤخَذ
الدواء احتياطًا للمرض.
جاكلين
(وهي خارجة)
:
أهزأ بكل هذا، ولا أريد أن أجعل جسدي حانوتًا للعقاقير.
سغاناريل
:
إنك تتمردين على الطب، ولكن سنجعلك تخضعين للعقل.
المشهد الثامن
جيرونت – سغاناريل
سغاناريل
:
أسعد الله صباحك.
جيرونت
:
أرجوك … اصبر قليلًا.
سغاناريل
:
ماذا تريد أن تفعل؟
جيرونت
:
أن أعطيك دراهم يا سيدي.
سغاناريل
(يبسط يده إلى الوراء بينا يكون جيرونت يفتح كيسه)
:
لن آخذ شيئًا.
جيرونت
:
سيدي.
سغاناريل
:
لا، أبدًا.
جيرونت
:
اصبر قليلًا.
سغاناريل
:
أبدًا مطلقًا.
جيرونت
:
أرجوك!
سغاناريل
:
أنت تهزأ.
جيرونت
:
هذا أمر لا يحتمل!
سغاناريل
:
لن آتي بحركة.
جيرونت
:
سيدي!
سغاناريل
:
أنا لا أشتغل لأجل المال.
جيرونت
:
أصدق ذلك.
سغاناريل
(بعد أن يأخذ الدراهم)
:
ألها ثقل هذه الدراهم؟!
جيرونت
:
نعم يا سيدي.
سغاناريل
:
لستُ طبيبًا نفعيًّا، أنا!
جيرونت
:
أعرف ذلك حق المعرفة.
سغاناريل
:
وليس للفائدة سلطة عليَّ.
جيرونت
:
لم تخطر هذه الفكرة في بالي.
(يخرج.)
سغاناريل
(وحده ناظرًا إلى الدراهم في يده)
:
وحق نفسي لم يذهب تعبي سدى، ولكن بشرط …
المشهد التاسع
لياندر – سغاناريل
لياندر
:
سيدي، أنتظرك منذ أمد بعيد، ولقد جئت الآن أطلب معونتك.
سغاناريل
(يجس له نبضه)
:
هذا نبض سيئ جدًّا.
لياندر
:
لست مريضًا يا سيدي، ولم أجئ إليك لهذه الغاية.
سغاناريل
:
إذا لم تكن مريضًا؛ فلماذا لا تقول ذلك؟!
لياندر
:
اسمع يا سيدي، أطلعك على الأمر بكلمتين: أنا أُدْعَى لياندر عشيق لوسند التي
زرتها الآن، وبما أن الدخول عليها صعب عليَّ بسبب كره والدها لي، جئت إليك
متوسلًا أن تؤدي إلى عشقي خدمة أستطيع معها أن أقول لها كلمتين تتوقف عليهما
سعادتي في الحياة.
سغاناريل
:
من تظنني يا هذا؟! وكيف تتجاسر أن تستخدمني لأجل غرامك وتنزع مني أهليتي في
الطب لمسائل تافهة كهذه؟!
لياندر
:
لا ترفع صوتك يا سيدي، ولا تأتِ بضجيج.
سغاناريل
(يدفعه إلى الوراء)
:
أريد أن أضج … إنك وقح!
لياندر
:
بهوادة، يا سيدي.
سغاناريل
:
أنت ضال.
لياندر
:
أتوسل إليك.
سغاناريل
:
وسأبرهن لك على أني لست من هؤلاء الناس الذين تعرفهم، وأن من الوقاحة …
لياندر
(ينزع كيسًا)
:
سيدي …
سغاناريل
:
أن تستعمل … (يأخذ الكيس) لا أقصدك بهذا
الكلام؛ فأنت فتى شريف الأخلاق أخدمه بطيبة خاطر! على أن هناك بعض الوقحاء
ينظرون إلى جميع الناس نظرة واحدة، وإني أقول لك بصراحة: إن هذا يغضبني
جدًّا.
لياندر
:
أطلب منك المعذرة يا سيدي على الحرية التي …
سغاناريل
:
أنت تهزأ، ما هي قضيتك؟
لياندر
:
ستعلم يا سيدي أن ذلك المرض الذي جئت لتداويه ليس سوى مرض وهمي، فلقد
استُشِير جميع الأطباء في هذا الداء؛ فقال أحدهم: إنه ناجم من الدماغ، وقال
الآخر: عن الكبد، والبعض قال: إنه ناتج عن الأحشاء! أما الحقيقة فهي أن الحب هو
السبب الحقيقي، وأن لوسند لم تجد إلا هذه
الوسيلة لتتملص من زواجٍ يرغمها عليه والدها … ولكن أخشى أن يفاجئنا أحد في هذا
المكان، فتعالَ نبتعد وسأطلعك على كل شيء في الطريق.
سغاناريل
:
هيا بنا؛ فقد جعلتني أعطف على حبك عطفًا تهون عنده جميع عقاقيري، فإما أن
تنفلق المريضة وإما أن تصير لك.