الفصل الأول
تمهيد
ربما تكون قلةٌ مِنَّا — نحن الأثينيِّين — هي القادرة على وضع السياسات، لكننا جميعًا
نملِك القدرةَ على الحُكم عليها، وبدلًا من أن ننظرَ إلى الحوار على أنَّه حجر عَثْرة
في طريق
الفعل، فنحن نراه مقدمةً لا غِنى عنها لأي فعلٍ سديد على الإطلاق.
بركليز
لماذا تُثار اليوم
١ مسألة الديمقراطية؟
لماذا تتنادى الأصواتُ بهذه اللفظةِ العتيقة في هذا الوقتِ العصيب الذي يشهد أحداثًا
كبرى
تأبى أن يعلوَ فوق صوتها صوتٌ؟
لماذا تمتد الأيدي إلى هذا المِلَف المنسيِّ، تريد أن تمسحَ عنه التراب وتقرأَ فيه
مزيدًا من
الصفحات وتتبينَ منه مزيدًا من الأسطر؟
أخشى أن الجوابَ مؤلمٌ كغسيل الجُرح، وأن مسألة الديمقراطية ما كانت لِتُثارَ بكلِّ
هذا
الإلحاحِ، وتتواردَ في كل هذه الخواطرِ، لو لم يكن الجميع قد استشعر في نفسه، على اختلاف
الدرجة، أنَّ الوطن مريضٌ وأنَّ غياب الديمقراطية لعقودٍ طويلةٍ ربما يكون وراء هذا الداءِ
الذي أصابنا، والهُزالِ الذي ألمَّ بنا.
لقد امتُحِنت الأُمَّة في نفسها امتحانًا قاسيًا كشف أن ثقلها في الميزان هيِّنٌ،
وأوراقها
على الطاولة قليلة، وأنها لم تعُد «تفعل» في المُلِمَّات بل «تنفعل».
لقد تراكمت عليها الواجباتُ إذن وأصبح عليها أن تفعلَ أشياءَ كثيرةً على المدى الطويل،
وأصبح عليها مهامُّ جسامٌ لا بد
من القيام بها إن كان لها أن تستردَّ شيئًا من عافيتها
المُهْدَرة، وتستعيدَ شيئًا من إبائها الجريح.
لا بد من مراجعةٍ شاملةٍ لكل سياساتنا، بدءًا من النظام السياسي الذي خلَّفَ فجوةً
بين
النُّظُم والشعوب، ومرورًا بنظام التعليم الذي أخلف أجيالًا روبوتية تكرِّرُ ولا تُبدِع،
ولغتِنا التي تذبُل وتهزِل ولا تعيننا على التعمق والابتكار، وانتهاءً بمنظومة القيم
التي
شغلتْنا بتافهِ الأمورِ عن هائلِها.
لا بد من تسليط أضواء النقد على كل جوانب حياتنا، وأولها قدرتنا ذاتُها على تحمُّل
النقد.
وحين نقصُر حديثَنا في هذا المقام على جانب واحد هو الديمقراطية، فنحن — بحكم طبيعة
الموضوع ذاتها ipso facto — إنَّما نمَسُّ جميعَ الجوانب
الأخرى في الوقت نفسِه، ذلك أن المغزى الحقيقيَّ للديمقراطية هو في المناخ الذي تُفرِزه
أكثر
مما هو في أسلوب الممارسة السياسية الذي تتبناه، ولو وَعيْنا ذلك لأدركْنا منذ البداية
أن
الديمقراطية شرطٌ ضروريٌّ لأيِّ تقدم أو نهوض في الزمن الحديث، وأنها لا يمكن أن تُرَدَّ
ولا
يمكن أن تُسوَّف، وأن الدعاوى القائلة بأن أمام الأمة الآن قضايا أكثر إلحاحًا من
الديمقراطية، والدعاوى التي تتحدث عن الديمقراطية كما لو كانت نقيضًا للوحدة أو للتكامل
أو قطبًا مقابلًا للتضامن والاستقرار، والدعاوى التي تصادِر — مُصادرةً مُضمرةً — بأن
الديمقراطية عائقٌ يحول دون الحسم والمواجهة، والدعاوى التي تَتَّجِر بهاجس «الإرهاب»
وتُروِّج لأسطورة «الطوارئ» و«الظروف الاستثنائية» و«المرحلة التاريخية» (الأزلية الأبدية)؛
كل هذه الدعاوى لا تعدو أن تكون مناوراتٍ مكشوفةً ومداوراتٍ بائسةً لا تهدِف إلى تكامل
ولا
تضامن ولا مواجهة، ولا تؤدي إلا إلى غاية واحدة: بقاء الأمور على ما هي عليه وتحنيط الوضع
القائم لمصلحة المستفيد من الوضع، ولغرض في نفس زيدٍ وحاجةٍ في «بطن» يعقوب، وحصادُ هذا
الشوكِ عرفناه وجربناه: مزيدٌ من الضعف والتردِّي، ومزيدٌ من الهوان والمذلَّة.
لست ترى في هذه الدعاوى غيرَ مغالطاتٍ تخلط المستويات المنطقية وتقع في خطأ مقولي category mistake ظاهر، فالديمقراطية ليست
«قضية» كغيرها من «القضايا»، تكون لها الصدارةُ أو لغيرها، الديمقراطية هي قضيةُ كلِّ
قضية، وشرطُ كلِّ قضية؛ لأنها هي التي تقدِّم الأرضيةَ التي يتمُّ عليها كلُّ شيء، والمناخ
الذي يصلح به كل شيء: التكامل والتضامن والاستقرار والحسم والمواجهة وما شئت، وما كانت
الديمقراطية يومًا حائلًا بين أمةٍ وبين أن تتماسك أو تتكامل أو تكسب حربًا أو تحسم أمرًا،
ويقينًا أنها كانت لأهلها في كل ذلك وفي غيره سندًا وظهيرًا.
فقه الديمقراطية
الديمقراطية منهج سياسي له أصوله وفلسفته، وله أئمةٌ منَظِّرون يُعلِّمون الناس أبجديته
ويُبصِّرونهم بمراميه، ولعل أقصر الطرق إلى فهم الديمقراطية هو أن نتجه مباشرةً إلى هؤلاء،
فنكون كمن يَرِدُ المنابعَ فيَغْنَى بها عن سقاياتٍ شحيحةٍ لا تَشفيه ولا تَرويه ولا
يدري
كم تداولتها من أيدٍ وكم خالطتها من أوشاب.
تقوم الفكرة الديمقراطية، في شطرٍ كبيرٍ منها، على
مذهب المنفعة العامة utilitarianism، وبخاصةٍ في صياغة الفيلسوف
التجريبي الإنجليزي جون ستيوارت مل J. S. Mill (١٨٠٦–١٨٧٣)، يُعرِّف «مل» مذهب المنفعة بأنه تلك الوجهة من الرأي
القائلة بأن «الأفعال هي خير بقدر ما تنزع إلى أن تُعزِّز السعادة، وهي شر بقدر ما تنزِع
إلى أن تُورِث الشقاء»، وقال إن على الفاعل وهو بصدد تقدير المشروعية الأخلاقية لفعله
أن
يتقصَّى نتائجه لا من حيث تأثيرها عليه فحسب، بل من حيث تأثيرها على أي شخص تمسه هذه
النتائج، ولعل من أكبر نقاط القوة في مذهب المنفعة كرؤية أخلاقية تقدمية هي التزامه
بفكرة المساواة بين الأفراد، فليست لذَّاتي وآلامي بأهم ولا بأهون من لذات أي إنسان آخر
وآلامه، ربما يُمْتِعني أن أستمع إلى مذياعي في حافلة مزدحمة، ولكني قد أُعرِض عن هذا
لأنه يؤذي الآخرين، ملكية اللذات والآلام إذن هي شيء خارج عن الموضوع من الوجهة
الخلقية، إنما الاعتبار كله هو ﻟ «تحقيق أكبر قدر من السعادة لأكبر عدد من الناس».
وقد دفع كارل بوبر فيما بعد بصيغة جديدة لمذهب المنفعة العامة تمثل إضافة للمذهب
لا نقضًا
له، وهي صيغة تعكس التوجه التكذيبي في المعرفة العلمية عند بوبر بقدر ما تعكس توجهه العملي
في الفكر السياسي، ويُطلَق على هذه الصيغة «مذهب المنفعة السلبي» negative utilitarianism،
في هذا المذهب يأخذ بوبر، كعادته، طريقًا عكسيًّا، ويلحُّ على «أقل قدر ممكن من المعاناة.
للجميع»، يتميز مبدأ بوبر بأنه يلفت الأنظار مباشرةً إلى المشكلات، ويحفز على الفعل العاجل
لإصلاح ما يتكشف من العيوب، إننا لا نعرف كيف نجعل الناس سعداء، ولكننا نعرف جَيِّدًا
وسائل
لتقليل شقائهم! إنه مبدأ سياسي عملي، إن لم يكن مبدأً أخلاقيًّا أساسيًّا، ومصاداة للمبدأ
الإسلامي «دفع الضرر مقدم على جلب المنفعة»، وهو فضلًا عن ذلك مبدأ يكرس نفسه للتغيير،
إنه
ينطلق من الحرص على مصلحة البشر ويشتمل على رغبة في إعادة تشكيل المؤسسات.
ولا يعدم المرء أسسًا ميتافيزيقية يقوم عليها كل نظامٍ يعامل الفردَ كغايةٍ، ويضع
الذات الفردية في الصدارة من اهتمامه، الذات الفردة هي الكيان الميتافيزيقي الفعلي،
والحقيقة الأنطولوجية النهائية، الكائن الحق هو الفرد، الذي «يوجَد» و«يسعد» و«يشقى»
هو
الفرد، وما «الجماعة» و«الدولة» و«العُصبة»، على حتميتها وواقعيتها وحقيقة ما ينبثق عن
مستوياتها من قوانين جديدة تنعكس على الذوات بالضرورة، إلا كائنات اعتبارية (أو قل إنها
أنساق systems على مستوى وجودي أعلى تنبثق لها خصائص
جديدةٌ اجتماعيةٌ ليس منها اللذة والألم أو السعادة والشقاء)، «الدولة» لا تأكل ولا
تشرب، ولا تجوع ولا تعرى، ولا تموت ولا تُبْعَث، ولا تفرح ولا تحزن، ولا تَجْزَع ولا
تَدْمَى ولا ينفطر قلبُها، إنما يفعل ذلك الأفرادُ الجزئيون، وحين نَضُم أفرادَ البشر
معًا فإنهم يبْقَون بشرًا أيضًا ولا يتحولون إلى صنف آخر من «الجوهر»، على حد تعبير جون
ستيوارت مل J. S. Mill، ومِن ثَمَّ فالغاية الحقيقية
هي سعادة الأفراد بما هم أفراد؛ إذ ليس هناك ببساطة أي كائنات حقيقية أخرى لكي نسبغ
عليها شيئًا! ونحن إذا كُنَّا نهتم بقوة المجتمع وصلاح أمره فإن غايتنا القصوى هي أن
ينعكس ذلك على الذات الفردة ويعود عليها بالخير والصلاح، ولعل هذا التصور، وإن كان
مُشرَبًا بالنزعة السيكولوجية عند مل، هو من أجدى التصورات وأكثرها سدادًا؛ إذ يعصمنا
من
أوهام المذهب الجمعي collectivism
والنزعة الكلية holism، ومن التورط في المفاهيم
الرومانسية لروسو وهيجل: من مثل «الإرادة العامة»، أو «الروح القومي»، أو «عقل
الجماعة»، وما إليها من تصورات ينبغي ألا نأخذها بأكثر من قيمتها المجازية أو
الاستعمارية، وألا ننسب لها وضعًا ميتافيزيقيًّا أو كيانًا أونطولوجيًّا.
في ضوء هذه الاعتبارات الأخلاقية والميتافيزيقية، يمكننا أن نرى بوضوح أن الشَّكل
السِّياسي ليس غاية في ذاته، بل هو وسيلة لتحقيق الغايات القابعة في النطاق العريض للعلاقات
البشرية وللارتقاء بالشخصية الإنسانية، يقول الفيلسوف الأمريكي الكبير جون ديوي
J. Dewey
(١٨٥٩–١٩٥٢) إن حق الاقتراع العام، والانتخابات المتكررة، ومسئولية أصحاب السلطة السياسية
أمام الناخبين، ما هي إلا «وسائل» قد ثبت نفعها في تجسيم الديمقراطية كطريقةٍ إنسانيةٍ
حقة
للعيش، إنها وسائل وليست غايات، ويتعين الحكم عليها على أساس قدرتها على تحقيق غاياتها،
ونحن إذا وضعنا الوسائل موضع الغايات التي تخدمها هذه الوسائل فستكون فعلتُنا ضربًا من
الوثنية وعبادة الأصنام، تستند هذه الأشكال السياسية الديمقراطية إلى فكرة أنه ليس هناك
فردٌ بَلَغَ من الحكمة أن يعرف للآخرين مصالحهم ووسائل سعادتهم وخيرهم أكثر منهم وأن
يفرضها
عليهم بغير رضاهم، كل فرد يتأثر في فعله ومتعته بحالته المترتبة على النظام السياسي الذي
يعيش في ظله، ومِنْ ثَمَّ فإن له حقًّا في تحديد هذا النظام.
٢
تقوم الفكرة الديمقراطية على أن الناس سواسية قانونيًّا وسياسيًّا، صحيح أنهم خُلقوا
غير
سواسية في المواهب الطبيعية، إلا أن هذا التفاوت ليس حجةً ضد المساواة وإنما هو حجةٌ
لها،
فالمساواة أمام القانون ليست «واقعة» fact موضوعية ولا قانونًا طبيعيًّا، إنما هي «مطلب»
سياسي قائم على قرار أخلاقي، ولا علاقة له البتة بالنظرية القائلة بأن الناس وُلدوا سواسية
بالطبيعة، بل إن المساواة (تساوي الفرصة) هي التي تضمن وترعى التفاوت العقلي بين بني
البشر؛
لأن مساواة الفرصة تضمن للمواهب الفردية حق التميز والنمو وتحمي أصحاب المواهب من أن
ينالهم
اضطهادٌ ممن يقلون عنهم موهبة.
وتقوم الفكرة الديمقراطية أيضًا على أن الحرية الإنسانية هي حرية العقل بالدرجة الأساس،
حرية الإيمان والضمير، حرية الرأي والاجتماع لتبادل الرأي، حرية الصحافة كوسيط للاتصال،
وبغير هذه الحقوق لن يعود الأفراد أحرارًا للارتقاء، وسيُحرم المجتمع من جهدهم ومواهبهم
وأفضل إسهاماتهم، وأنت حين تسلب الإنسان حرية عقله وتتولى عنه مهمة القرار فأنت تعفيه
أيضًا
من المسئولية وتسلبه الإحساس بالصالح العام، وتبث فيه روح السلبية والاكتفاء من العمل
بأقل
القليل، إنك تحمله على أن يتبنى أسلوب العمل «الدفاعي» الذي لا يهدف إلا إلى أن يقيَه
من عقاب
التقصير، والذي يتجنب المبادأة والمغامرة والإبداع.
لماذا تفشل الديمقراطيات؟
لماذا تتلكأ بعض المجتمعات في الأخذ بالنظام الديمقراطي؟
ولماذا تنهار بعض الديمقراطيات الناشئة ويفضِّل الناسُ عليها أنظمةً أوتوقراطية؟
يبدو، من وجهة نظر جون ديوي، أن طول عهد الكتل البشرية بالاستبداد وتمرُّسها بالقهر
بجميع
أشكاله، السياسية والاقتصادية والنفسية، يجعلها متكيفة بالعبودية لا ترى القيود قيودًا،
ولعلها تستمرئ هذه القيود وتراها أمرًا سويًّا وطبيعيًّا، ويبدو أن في جِبِلَّة العقل
البشري، بوصفه رهينَ الثقافة وصنيعتها، أن يَعبُرَ «فجوة هيوم» وثبًا، فيقفز مما هو كائن
إلى ما ينبغي أن يكون، ويميل إلى أن يرى أوضاعه التي نشأ عليها، مهما بلغت من سوء، لا
كمجرد
أوضاع معطاة «للوصف» description و«النقد» و«التغيير»، بل كمقاييس للصواب والسواء والخير
ومعاييرَ norms للقيمة.
ومن الحق أيضًا أن الحرية، كما بَيَّنَ الوجوديون، هي عبءٌ وهَمٌّ، لأن توءمها المسئوليةُ
ودُوارَها القلق، وهو أمر تفهمه الجموعُ البشريةُ بالغريزة فتمتلئ بما أسماه سارتر «سوء
الطوية» mauvais foi ويغريها بالتنازل عن هذه الحرية العبء، ويدفعها إلى التواطؤ الأخرس مع
القلة المستبدة: «احمِل عني هذا العبء وخُذ ما شئت»، لقد طال عهد معظم المجتمعات البشرية
بالقهر حتى انسلخ عنها «موقع الضبط» locus of control، وصارت تؤمن بأن مصائرها تتقرر من
خارجها وأن القيادة أمرٌ يُفْرَض من فوق، ونما هذا الاعتقاد منذ فجر التاريخ، وحتى بعد
أن
توطدت الأنظمة السياسية الديمقراطية، اسميًّا، فقد استمرت معتقداتٌ ونظراتٌ إلى الحياة
والعمل نشأت عندما كان البشر يُقادون من الخارج ويخضعون لقوى تعسفية بقيت قائمة في الأسرة
والكنيسة وإدارات العمل والمدرسة، وأثبتت التجربة أنه ما دامت هذه المعتقدات باقية فإن
الديمقراطية لن تكون راسخة القدم أبدًا.
الديمقراطية لا تتجزأ
إنَّ العجز عن حمل المسئولية يتفاقم ويستفحل حين تُنكَر هذه المسئولية وتُحجَب، وما
من
مستبدٍّ في التَّاريخ إلا كان يُبرر أسلوبَه بعدم صلاحية رعاياه للمشاركة في الحكم. ثمَّة
حلقةٌ استبداديةٌ خبيثةٌ تبدأ بإنكار القدرة على المشاركة في الرأي وتمر بالاستلاب وتنتهي
بعجز حقيقي عن المشاركة (بمنطق النبوءة المحقِّقة لذاتِها)، وإن كسر هذه الحلقة الخبيثة
لا
يتم إلا بالممارسة، وحجة الديمقراطية هنا هي أن أفضل وسيلة لتوليد قوةٍ بنَّاءة وإحياء
القدرة على المبادرة هي الممارسة، فالقدرة والصلاحية لا يجيئان إلا بفضل الاعتياد والتمرس،
يقول جون ديوي: «في أي مكان تعرضت فيه الديمقراطية للسقوط، كان مرد ذلك إلى مؤثرين من
خارج
نطاق السياسة، أي لأن الديمقراطية لم تجْرِ في دماء الشعب وتمتزج بكيانه، ولم يكن لها
دور
في سلوك حياته اليومية، واقتصرت مظاهرها على البرلمان أو الانتخابات والمعارك الدائرة
بين
الأحزاب، وأثبت ذلك بالقطع أنه ما لم تصبح العادات الديمقراطية في الفكر والعمل جزءًا
من
كيان الشعب، فإن الديمقراطية السياسية لن تكون بمأمن، فهي لن تكون قادرة على الصمود في
فراغ، بل يجب أن تستند على وجود الأساليب الديمقراطية في جميع العلاقات الاجتماعية، ولا
تقل العلاقات القائمة في الأنظمة التعليمية أهمية في هذا الشأن عن العلاقات القائمة في
الصناعة والأعمال الإدارية، ولعلها مكافئة لها».
٣