الزائر الغامض
لما كان ثورندايك ينظر إليَّ متأملًا، قال: «إذن، أنت طبيب أصقلتك القضايا التي عملتَ عليها. ما أسرع مرور السنين! وكأن أيام الدراسة لم يمرَّ عليها أكثر من يوم، وأتذكر حين كنتَ تحدق فيَّ من المقعد الأمامي في قاعة المحاضرات.»
سألتُ وأنا لا أكاد أصدق: «هل كنتُ أحدق فيك؟»
قال: «أنا أستخدم الكلمة مجازًا إشارةً إلى الانتباه البالغ. دائمًا ما كنتَ تأخذ محاضرتي على محمل الجد. هل لي أن أسأل إن كانت أفادتْك في حياتك العملية؟»
«لا يسعني إلا أن أقول إنني لم أحظَ بمثل هذه التجارب الرائعة في مجال الطب الشرعي منذ القضية غير العادية التي توليتَ التحقيق فيها بشأن حرق الجثة، قضية سبتيموس مادوك كما تعرف. ولكن هذا يذكِّرني بأن هناك مسألة بسيطة أردتُ التحدث معك بشأنها. إنها ليست ذات أهمية، ولكني أردتُ مشورتك، على الرغم من أنها لا تخصُّني بالمعنى الحرفي للكلمة. إنها تخصُّ مريضًا لدي، رجل اسمه كروفتون اختفى في ظروف يصعب تفسيرُها.»
ثورندايك: «وأنت تقول إن هذه القضية لا تندرج تحت مجال الطب الشرعي؟»
«أوه، لا يوجد شيء يستحق فيها. لقد سافر لقضاء إجازة ولم يتصل بأصدقائه منذ فترة ليست بالطويلة. هذا كل ما في الأمر. ما يُثير قلقي هو الانحراف عن عاداته — فعادته ألا ينقطعَ عن مراسلاته المنتظمة — وهذا يمثل أهمية كبيرة بعضَ الشيء من منظور شخصيته. لا يخفى على أحد أنه مصابٌ بمرض في الأعصاب وتاريخ عائلته مع المرض ليس ما يتمناه المرء بأي حال من الأحوال.»
ثورندايك: «هذه الخلاصة رائعة يا جاردين، ولكنها تفتقر إلى التفاصيل. لنتعرف على الحكاية بتفاصيلها.»
قلتُ: «حسن جدًّا، ولكن أتمنى ألا أتسبَّبَ في إزعاجك. لنبدأْ من عند كروفتون؛ إنه شخص عصبي ومشغول البال وقلق، ولا ينفك قلقُه البالغ بشأن المسائل المالية، وتفاقمت هذه الخصلة في الآونة الأخيرة. حقَّق قفزاتٍ جيدةً بشأن وضعه المالي؛ والسبب أنه لم يكد يخرج من عقله أنه مشارف على الإفلاس لا محالة. وهذه كلها أوهام في عقله. إنني صديق للعائلة بشكل أو بآخر، وأعرف أنه لا يوجد ما يستدعي القلق. أكدت لي زوجته أنهما على الرغم من مرورهما بضائقةٍ بسيطة، فإنهما تمكَّنا من تجاوزها بأمان.
لما بدا أن الحمل يتثاقل على ظهره، نصحتُه بأن يذهب في نزهة ويقيم في نُزل بحيث يرى وجوهًا جديدة، ولكن بدلًا من أن يأخذ بالنصيحة، اختار الإقامة في منزلٍ ريفي يمتلكه في سيسولتر — بالقرب من وايتستيبول — ويخرج في الموسم. اقترح أن يُقيم بمفرده ويقضي وقته في السباحة في البحر والتنزه سيرًا في الريف. لم أتحمس لهذا الاقتراح كثيرًا؛ لأن العزلة كانت آخر ما يحتاج إليه. العديد من أفراد العائلة سبقت إصابتُهم بحالة السوداوية وللأسف أُشيع عنهم ارتكاب بعض حالات الانتحار؛ ولذا لم أحبَّ مكوثه بمفرده على الإطلاق، ولكن يوجد صديق آخر للعائلة وهو أخو زوجة السيد كروفتون — شاب اسمه أمبروز — عرض عليه أن يزورَه ويقضيَ عطلة نهاية الأسبوع معه كي يُعطيَه دفعة أمل، وأن يذهب بعد الظهيرة عقب ذلك إلى حيث يريد؛ وبالتالي خرج مع أمبروز يوم الجمعة الموافق السادس عشر من يونيو وكان كل شيء على ما يرام لبعض الوقت. ظهر تحسُّنٌ في صحته وروحه المعنوية واعتاد أن يُراسل زوجته مرتين أو ثلاث مرات في الأسبوع. زاره أمبروز بقدر ما يستطيع كي يروِّحَ عنه، وفي المرة الأخيرة قال إن كروفتون يفكر في الانتقال إلى مارجيت للترويح عن نفسه أكثر؛ وبالتالي لم يذهب إلى المنزل الريفي مرة أخرى.
في الوقت المناسب، وردَ خطاب من مارجيت؛ كُتب الخطاب في المنزل الريفي ولكن الطابع البريدي من مارجيت ويحمل التاريخ نفسه — السادس عشر من يوليو — المدون على الخطاب. الخطاب معي. أرسلتْه زوجةُ السيد كروفتون إليَّ ولم أرجعه لها حتى الآن، ولكن لا يتضمن الخطاب ما يُثير الاهتمام سوى أنه سيذهب إلى مارجيت في القطار التالي وأنه سيُرسل خطابًا آخر عندما يجد مسكنًا، ولكن لم ترسَل خطابات أخرى منه. لم يُرسل أي خطابات ولا أحد يعرف تحركاتِه باستثناء أنه غادر سيسولتر ووصل إلى مارجيت. وها هو الخطاب.»
سلمتُ الخطاب إلى ثورندايك وهو بدوره نظر في الطابع البريدي ثم وضعه على الطاولة كي يتفحصَه في وقت لاحق. سأل: «هل أجريتَ أيَّ تحريات؟»
«نعم، أُرسلت صورتُه الفوتوغرافية إلى قسم شرطة مارجيت، ولكن بالطبع … حسنًا، أنت تعرف كيف تكون مارجيت في شهر يوليو؛ فالمدينة تستقبل وتودع آلاف الغرباء كلَّ يوم. ولا آمل في البحث عنه وسط هذا الزحام والمرجح أنه غير موجود بها الآن، ولكنَّ اختفاءه ليس مناسبًا في هذا الوقت لأنه توجد مسائل كبيرة بشأن ميراثٍ وقع من نصيبه، ومن الطبيعي أن تتلهَّف زوجتُه كثيرًا إلى إخباره. يقارب هذا الميراث ثلاثين ألف جنيه.»
ثورندايك: «هل كان هذا الميراث متوقعًا؟»
«لا، لم يعرف كروفتون شيئًا عنه. لم يعرف أحد أن السيدة العجوز — السيدة شولر — كتبت وصيةً ولم يعرفوا أن لديها كلَّ هذه التركة؛ ولم يعرف أحدٌ أنها قد تموت في وقت قريب أو أنها مريضة حتى. الأغرب من ذلك أنها ظلت مريضة لمدة شهر أو شهرين لأنها كانت تُعاني ورمًا خبيثًا في البطن، وعُرف أنها لن تُشفَى منه.»
«متى ماتت؟»
«في الثالث عشر من يوليو.»
رفع ثورندايك حاجبَيه قائلًا: «قبل تاريخ الخطاب بثلاثة أيام فقط؛ وبالتالي إذا كان لا بد من عدم ظهوره مرة أخرى، فهذا الخطاب سيكون الدليلَ الوحيد على أنه عاش من بعدها. إنه مستند مهم. فقد يكون سندًا له قيمة بالغة الأهمية.»
قلت: «ليس بهذه الأهمية، تنص وصية السيدة شولر أنه في حالة موت كروفتون قبل الموصية بالتركة، فسينتقل الميراث إلى زوجته؛ وبالتالي سواء كان حيًّا أم ميتًا فالميراث في مأمن. ولكن يجب أن نأمل بأنه لا يزال على قيد الحياة، على الرغم من حتمية الاعتراف بما يعتريني من قلق بشأنه.»
فكَّر ثورندايك لبرهة في هذه العبارة. سأل بعد برهة: «هل تعلم إن كان كروفتون كتب وصية أم لا؟»
رددتُ: «نعم، كتب وصية منذ وقتٍ قريب. كنتُ أحدَ الشهود وقرأتها بناءً على طلب كروفتون. كانت الوصية تعج بالعبارات القانونية المعتادة على الرغم من أنه كان بإمكانه كتابتُها في عشر كلمات. أوصى بكل تركته لزوجته، ولكن بدلًا من أن تنصَّ الوصية على ذلك إجمالًا، سُردَتِ التركةُ عنصرًا عنصرًا باسمه.»
«هل أفترض أن من صاغها محامٍ؟»
«نعم، صديقٌ آخر للعائلة اسمه جوبسون، وهو محرر الوصية والوارث لباقي التركة.»
هزَّ ثورندايك رأسه وغرق في التفكير مرة أخرى. ظل يفكر وأخذ الخطاب ولما أخذ يتفحصه، اهتممتُ بمشاهدته وباستمتاع لا يخفى على أحد. نظر إلى الغلاف أولًا، من الأمام والظهر. ثم أخرج من جيبه عدسة كودينجتون قوية وفحص بها المغلف والطابع البريدي. بعد ذلك، أخرج الخطاب ورفعه في الضوء ثم قرأه كاملًا وفي النهاية فحص عدة أجزاء من الكتابة باستخدام عدسته. بابتسامة غير موقرة، قلت: «لا بد أن أعترف بأنك استخرجت عصارة المعاني الواردة في هذا الخطاب.»
ابتسم ووضع عدسته جانبًا وسلمني الخطاب مرة أخرى.
قال: «بما أن هذا الخطاب قد يمثل دليلًا بأنه لا يزال على قيد الحياة، فمن الأفضل أن يوضع في مكان آمن. ألاحظ أنه يفكر في العودة إلى المنزل الريفي في وقت لاحق. هل أعتبر أن عدم رجوعه إلى هناك أمرٌ مؤكد؟»
«لا أظن. فأنت ترى أنهم في انتظار أن يُرسل لهم خطابًا. تظن أن شخصًا ما ينبغي …»
توقفتُ لبعض الوقت؛ وبدأ يتبادر إلى ذهني أن ثورندايك كان ينظر إلى القضية من منظور متشائم.
قال: «عزيزي جاردين، أنا فقط أتتبع اقتراحك. يوجد رجل لديه ميول وراثية نحو السوداوية والانتحار وقد اختفى فجأة. غادر منزلًا فارغًا وأعلن عن نيته في الرجوع إليه في وقت لاحق. لما كان هذا المنزل هو المكان الوحيد المعروف أنه يمكن البحث عنه فيه، فهذا يدل على حتمية البحث عنه فيه. وحتى لو لم يَعُد مطلقًا إلى هناك، فالمنزل قد يوجد به بعضُ أطراف الخيوط التي توصلنا إلى مكانه الحالي.»
هذه العبارة الأخيرة أتت بفكرة إلى ذهني كنتُ خجلًا بعض الشيء من طرحها. ما يمكن أن يكون طرفَ خيط بالنسبة إلى ثورندايك قد لا يكون له معنى تمامًا بالنسبة إلى رجلٍ عادي. تذكرتُ تفسيراتِه المذهلة لمعظم الوقائع العادية في قضية مادوك الغامضة واستحوذت الفكرةُ على عقلي أكثر. وبعد مدة، قلت مبدئيًّا: «سأذهب بنفسي إذا اعتبرت نفسي مخولًا للقيام بذلك. غدًا يوم السبت، ويمكن أن أطلب من أحد الزملاء الاهتمام بعملي؛ لا توجد العديد من الأعمال في الوقت الحالي، ولكن عندما تتحدث عن مفاتيح الألغاز وعندما أتذكر غبائي المرة الماضية، أرجو أن تتمكن من إلقاء نظرة على المكان.»
تفاجأت من حماسته وموافقته.
قال: «ولمَ لا؟ إنها عطلة نهاية الأسبوع. أظن أنه يمكننا الذهاب إلى المنزل الريفي وأن نحظى بعطلةٍ نتنزه فيها. لا شك أن القضية بها بعض النقاط المثيرة للاهتمام. لنسافر إلى هناك غدًا. يمكننا تناول الغداء في القطار والوصول إلى هناك بعد الظهيرة. من الأفضل أن تحصل على مفتاح من زوجة السيد كروفتون أو الحصول على إذنٍ بزيارة المنزل إذا لم يكن لديها مفتاح. قد نحتاج إلى هذا التصريح إذا اضطررنا إلى دخول المنزل من دون مفتاح. وبالطبع سنذهب بمفردنا.»
وافقتُ والسعادة تغمرني. لا يعني ذلك أن لدي أيَّ توقعات بشأن ما يمكن أن نتعلمه من عملية التفتيش، ولكن هناك شيئًا في طريقة ثورندايك أعطاني انطباعًا بأنه استخلص من حديثي بعض المعلومات المهمة التي قد أغفل عنها.
المنزل الريفي مبنيٌّ على رقعة أرض وَعِرَة خلف الحاجز البحري الذي مشينا بطوله باتجاه المنزل من وايتستيبول ومررنا في طريقنا بمرفأ لصناعة السفن ورصيف إنزال نُقل إليه قارب شراع يعمل بالفحم لإجراء بعض أعمال الصيانة. كان يوجد منزل أو منزلان ريفيان آخران متاخمان، ولكن يفصل بينهما مسافةٌ كبيرة ونظرنا إليهما لما كنا نقترب لقراءة الأسماء المطبوعة على البوابات.
ثورندايك: «الأرجح أن هذا هو المنزل.» كان يُشير إلى مبنًى صغير محاط بسور خشبي ومزود بكوخ استحمام مثل المنازل الأخرى قبل علامة مدِّ مياه البحر. موقع المنزل المنعزل والمهجور والستائر المنسدلة أيَّدتْ رأيه، وعندما وصلنا إلى البوابة، اسم «ميدلويك» المكتوب عليها حسم المسألة.
قلتُ: «السؤال التالي هو كيف سندخل إلى المنزل؟ البوابة مقفلة ولا يوجد جرس. هل يستحق الأمر أن نقفز من أعلى السور؟»
ثورندايك: «ما كنت لأفعل ذلك. من المؤكد أنه لا يوجد أحد في المنزل وإلا فلن تجد البوابة مقفلة. سنتسلَّق السور ما لم تكن هناك بوابة خلفية غير مقفلة، ومن الأفضل ألا نُحدثَ جلبة كثيرة.»
مشينا حول السور ولكن لم نجد بوابة أخرى ولم تكن هناك شجرةٌ أو غطاء آخر للتمويه على أفعالنا التي تُثير الشكوك.
ثورندايك: «لا مناص لنا من الأمر يا جاردين، لنقفز إذن.»
وضع حقيبة أمتعته الخضراء المصنوعة من القماش على الأرض وأمسك بأعلى السور بكلتا يديه وقفز وكأنه مهرج. أخذت الحقيبة وناولتُها له ونظرتُ من حولي نظرة خاطفة وتبعت قائدي.
قلت: «ها نحن بالداخل. والآن، كيف سندخل إلى المنزل؟»
«سنضطر إلى فتح القفل من دون مفتاح إذا لم نجد بابًا مفتوحًا أو ندخل من إحدى النوافذ. لنلقِ نظرة سريعة.» مشينا حول المنزل إلى الباب الخلفي ولم نجده مقفلًا بالقفل فحسب، بل بمزلاج من الأعلى والأسفل، وهذا ما تأكد منه ثورندايك بنصل سكينه. كانت النوافذ كلها ذات مفصلاتٍ رأسيةٍ وكلها محكمة الغلق بالسقاطات.
ثورندايك: «الباب الأمامي هو الخيار الأفضل. لا يمكن قفله بالمزلاج إلا إذا خرج من المدخنة، وأعتقد أن «أدوات الغليون» لديَّ ستتمكن من فتح قفل هذا الباب. من الواضح أنه قفل مبنًى عادي.»
لما كنا نتحدث، رجعنا إلى الجزء الأمامي من المنزل وأخرج أدوات الغليون من جيبه (لا أعرف أنواع الأدوات التي كانت تصمَّم كي يسهل حملها). بات واضحًا أن مسألة القفل سهلة، ففي المحاولة الثانية أرجعت أدوات الغليون المزلاج إلى الخلف، وانفتح الباب عندما لففت المقبض. وللاحتياط، ناديتُ للسؤال هل يوجد أحد في المنزل أم لا ولما لم أجد إجابة، دخلنا ومشينا مباشرة إلى غرفة المعيشة ولم يكن هناك صالة أو رواق.
توقفنا بعد خطوتين من العتبة لنستكشف الغرفة، وقد انتابني شعورٌ غامض بعدم الارتياح من شكل المكان. على الرغم من أن الوقت كان بعد الظهيرة والنهار مضيء، كانت الغرفة مظلمة بالكامل تقريبًا لأنه لم يكن الشيش مقفلًا فحسب، بل كانت الستائر مبسوطة كذلك.
أخذتُ أجول بنظري في الشقة المظلمة والمعتمة بعين لا تكاد ترى من أشعة الشمس، قلت: «يبدو أنه ذهب في الليل. فهو لا يبسط الستائر في وقت النهار.»
ثورندايك: «ربما كان الأمر كذلك، ولكن هذه ليست قاعدة.»
مشى إلى النافذة الأمامية وسحب الستائر وفتح الشيش، مما كشف عن نصف ستارة من نسيج السيرج الأخضر فوق الجزء السفلي من النافذة. لما غمر ضوء النهار الغرفة، وقف وظهره باتجاه النافذة وأخذ ينظر باهتمام عميق؛ إذ كان يجول بعينيه ببطء على الجدران والأثاث وخاصةً الأرضية. بعد برهة انحنى كي يلتقطَ طرف عود ثقاب قصير من تحت الطاولة المقابلة للباب ولما نظر إليه متأملًا، أشار إلى بقعتَيْ شمعٍ على مشمعٍ بالقرب من الطاولة. بعد ذلك نظر إلى رف الموقد ومنه إلى طفاية سجائر على الطاولة.
قال: «لا توجد سوى اختلافاتٍ طفيفة، ولكنها جديرة بالتفكير في شأنها.» تابع مستجيبًا لنظرة التساؤل في عيني: «أنت ترى مدى الزخرفة والترتيب في هذه الغرفة. كل شيء يبدو أنه في مكانه. علبة الثقاب على سبيل المثال موضوعة في خزانتها مقفلة فوق رف الموقد، وتوجد طفاية للثقاب التي سبق إشعالُها، كما أنها تُستخدم بانتظامٍ حسبما تدل محتوياتها، ولكن يوجد عود محترق ملقًى على الأرض على الرغم من أن الطفاية في مكان يسهل الوصول إليه على الطاولة. وكما تلاحظ، فالثقاب ليس من نوع العلبة نفسه الموضوعة فوق رف الموقد — وهذه العلبة من نوع براينت آند ماي — وليس من نوع الثقاب المحترق في الطفاية؛ لأنه من الواضح أنه مأخوذ من العلبة فوق الرف.» رفع الطفاية وقال: «ولكن إذا نظرت في الطفاية، فسترى عودَيْن محترقَيْن من هذا النوع نفسه، ولا يخفى أنها من نوع براينت آند ماي ولكن بحجم أصغر، عود محترق بالكامل وآخر محترق حتى النصف فقط. الدلالة واضحة نوعًا ما ولكنَّ هناك اختلافًا طفيفًا كما قلت.»
قلت: «لا أعرف إن كانت الدلالة أو الاختلاف واضحًا لي أم لا.»
مشى إلى رف الموقد وأخذ علبة الثقاب من الخزانة.
فتحها وقال: «ترى أن هذه العلبة ممتلئة تقريبًا. لها مكان محدد ووجدناها في ذلك المكان. وجدنا عود ثقاب محترق بالخارج تحت الطاولة المقابلة للباب وعودين آخرين في الطفاية تحت المصباح المعلق. ثمة استنتاج منطقي وهو أن شخصًا ما دخل في الظلام وأشعل عود الثقاب لما دخل. لا بد أن هذا العود أتى من علبة يحملها معه في جيبه. احترق العود وأشعل واحدًا آخر واحترق لما كان يرفع مظلة المصباح، ثم أشعل الثالث كي يضيء المصباح، ولكن إذا كان هذا الرجل هو كروفتون، فلماذا احتاج إلى إشعال نور الغرفة على الرغم من أن علبة الثقاب في مكانها المعتاد؛ ولماذا رمى طرف العود على الأرض؟»
«تقصد أن هذه الدلائل تشير إلى أن الشخص لم يكن كروفتون؛ وأعتقد أنك محقٌّ. كروفتون لا يحمل ثقابًا في جيبه. إنه يستخدم ثقابًا من الشمع ويحملها في علبة فضية.»
ثورندايك: «ربما كان الشخص هو أمبروز.»
قلت: «لا أظن، يستخدم أمبروز ولاعة بنزين.»
هزَّ ثورندايك رأسه قائلًا: «قد لا يدل الأمر على شيء، ولكنه اقتراح مطروح. هل سنطلع على بقية المنزل؟»
توقف دقيقة ينظر إلى لوحة مفاتيح صغيرة على الحائط معلق فيها مفتاح أو مفتاحان، وكل مفتاح مميز بميدالية من العاج وباسم مكتوب تحت الشماعة؛ ثم فتح الباب في زاوية الغرفة. لما وجدت الباب يؤدي إلى المطبخ، أغلقتُه وفتحت الباب المجاور له الذي يؤدي إلى غرفة النوم.
لما دخلنا، قال: «ربما هذه غرفة النوم الإضافية. الشيش لم تُنزل ستائره، والجو العام للديكورات في الغرفة يوحي بترتيب غرفة غير مشغولة. ومظهر الفراش كأنه لم يستخدمه أحد.»
بعد جولة فاحصة في الغرفة، رجع إلى غرفة المعيشة وعبر إلى الباب المتبقي. لما فتح الباب، وجدنا الغرفة مظلمة تقريبًا؛ إذ كانت النافذتان كلتاهما تعلوهما ستائرُ سميكة من نسيج السيرج.
لما أزاح الستائر ورفع الشيش، قال: «هذا الفراش لم يتمَّ ترتيبه بعناية، كما أن البطانية تخرج عن الملاءة.»
ألقى نظرة ناقدة في أرجاء الغرفة وخاصة على الطاولة بجانب الفراش.
قال: «ها هي المزيد من الاختلافات. يوجد اثنان من الشمعدان ويحتوي واحدٌ منهما على شمعة احترقت حتى النهاية تاركة جزءًا من الفتيل. يحتوي أيضًا على خمسة أعواد ثقاب، عودين كبيرين من العلبة التي بجانب الشمعدان وثلاثة أعواد صغيرة، اثنان منهما عبارة عن رءوس فقط. لم تتآكل أجزاء الشمعة الثانية بالتساوي، وأعتقد …» رفعها من تجويفها وقال: «نعم، لقد استُخدمت خارج الشمعدان. ترى أن الشمع المذاب سال إلى نهاية الشمعة وتوجد بصمة واضحة لإصبع الإبهام — من الواضح أنه الإبهام الأيسر — تُركت لما كان الشمع لا يزال ساخنًا. ثم تلاحظ علامة السائل على منضدة الكئوس وهذا السائل ليس مياهًا، كما أن الكأس غير موجودة، ولكن ربما كانت علامةً قديمة على الرغم من أن مظهرها حديث.»
قلت: «نادرًا ما يترك كروفتون علامة قديمة على الطاولة، فهو كان يعمل في خدمات التنظيف المنتظمة. من الأفضل أن نرى إن كانت الكأس في المطبخ.»
ثورندايك موافقًا: «نعم، ولكني أتساءل ما الذي كان يفعله بتلك الشمعة. من الواضح أنه أخذها خارج الغرفة لأنه توجد بقعة على الأرض في غرفة المعيشة؛ وترى بقعة أو اثنتين على الأرض في هذه الغرفة.» مشى إلى الخزانة ذات الأدراج بالقرب من الباب وكان ينظر في الدرج المسحوب الذي رأيتُه ممتلئًا بالملابس عندما لاحظت ابتسامة خفية مرسومة على وجهه. قال بصوت منخفض: «تعالَ إلى هنا يا جاردين، وانظر إلى الشق في الباب.»
مشيتُ إلى هناك وصوبت نظري تجاه الشق وشقَّ نظري غرفة المعيشة إلى النافذة الأخيرة. فوق الستارة النصفية، استطعتُ أن أتعرف من دون خطأ على خوذة من الجزء العلوي فيها إذ يرتديها رجال الشرطة.
ثورندايك: «اسمع، إنه يعمل في الشرطة.»
لما كان يتحدث، سمعنا صوتَ كشط يتسلل من ناحية المطبخ، ويوحي الصوتُ بأن سكين جيب يحاول فتح سقاطة النافذة. بعد الصوت سمعنا النافذة تنفتح ثم دخول شخص خلسة. وفي النهاية، فُتح باب المطبخ بهدوء وعبر أحدٌ ما غرفة المعيشة على أطراف أصابعه وظهر رقيب شرطة ضخم الجثة عند باب غرفة النوم.
ثورندايك بابتسامة لطيفة: «مساء الخير أيها الرقيب.»
رد: «نعم، كل شيء على ما يرام، ولكن السؤال هو: من أنتما وما الذي تفعلانه في هذا المنزل؟»
شرح ثورندايك ما نفعله باختصارٍ ولما قدمنا بطاقتَي الهوية والإذن المكتوب من زوجة السيد كروفتون، تلاشت خشونة التعامل المهنية من الرقيب مثل السحر.
صاح على تابع غير مرئي وقال: «الأمور على ما يرام يا تومكينز. يفضَّل أن تُغلِقَ النافذة وتخرج من الباب الأمامي. إني أعتذر منكما أيها السيدان، ولكن مستأجر المنزل المجاور أتى إلينا وقدم بلاغًا. الرجل شاهدكما من النافذة ورآكما وأنتما تفتحان قفل الباب الأمامي من دون مفتاح. بدا الأمر غريبًا بعض الشيء، وهذا لا يخفى عليكما.»
أكَّد ثورندايك على كلامه بابتسامة وعبرنا من غرفة المعيشة إلى المطبخ. بدا أن وجود الرقيب يمنع الحديث ولكني لاحظتُ أن صديقي يُلقي نظرة متمعنة على مقلاة كانت موضوعة على موقد بريموس. أوحت الدهون الملتصقة بها بوجود اختلاف آخر؛ لأنني لا أكاد أتخيل أن كروفتون المدقق في أموره سيرحل ويترك المقلاة بتلك الحالة.
بعدما لاحظتُ وجود كأس غير مغسولة في مكان ظاهر، تبعتُ صديقي إلى غرفة المعيشة مرة أخرى حيث توقف وعينُه على لوحة المفاتيح.
قال الرقيب: «لو كان أتى إلى هنا، فمن الواضح تمامًا أنه ليس هنا الآن. أظن أنكما مشَّطتما المبنى بالكامل، أليس كذلك؟»
ثورندايك: «المبنى كلُّه ما عدا كوخ الاستحمام.» ولما كان يتحدث، أخذ المفتاح المكتوب عليه هذا الاسم من شماعته.
ابتسم الرقيب ابتسامة خفيفة. قال: «من غير المحتمل أنه اتخذ مسكنًا هناك، ولكن لا يوجد أفضل من أن يكون المرء دقيقًا في كل شيء، ولكنك تلاحظ أن مفتاح الباب الأمامي وتلك البوابة أُخذا من هنا؛ وبالتالي ربما رحل من هنا.»
ثورندايك: «هذا استنتاج منطقي، ولكن يمكن أن نُكمل عملية المسح للمنزل.»
بذلك اتخذ طريقه عبر الحديقة إلى البوابة، لم يستنكف أن يخرج أداة تسليك الغليون وأدخل سنَّه في ثقب المفتاح.
لما سمع الرقيب نقرة القفل وفُتح الباب، قال متعجبًا: «إنني متأكد! هذه أداة مسلية، ويبدو أنك تستخدمها بسهولة تامة أيضًا. هلا أريتني إياها؟»
ظل ينظر إليها باهتمام لمدة طويلة عندما ناولها له ثورندايك لدرجة أنني شككتُ أنه ينوي أخذها منه. لما انتهى من فحصه، كنا وصلنا إلى نهاية الضفة قبل الحاجز البحري وأدخل ثورندايك المفتاح في قفل كوخ الاستحمام. لما أرجع الرقيب أداة تسليك الغليون لثورندايك، أدخلها في جيبه ثم لف المفتاح ودفع الباب كي يفتحه؛ ثم أطلق الشرطي صرخة ذهول.
لما نظرنا بالداخل، لا شك في أن المشهد كان مروعًا. كان الكوخ مبنًى صغيرًا على مساحة ست أقدام وخاليًا من أي أثاث أو تجهيزات فيما عدا شماعة أو اثنتين في أعلى الحائط. كانت النافذة الوحيدة غير المزججة محكمة الإغلاق، وعلى الأرض العارية في الركن البعيد جلس رجل يتكئ بظهره في الركن ورأسه ساقط على صدره. لا شك أن الرجل هو آرثر كروفتون. أقول هذا يقينًا على الرغم من التغييرات المرعبة التي أحدثها الموتُ ومرور الأيام. لما تعرفتُ على الجثة، قلت: «أجزم أنه مات منذ أكثر من أسبوعين. لا بد أنه مات بعدما عاد من مارجيت مباشرةً. وربما هذه هي الكأس المفقودة.» اختتمتُ حديثي وأنا أشير إلى كأس على الأرض بالقرب من الجانب الأيمن للجثة.
ثورندايك وهو شارد الذهن: «لا شك في ذلك.» ظل ينظر بعين ناقدة في أرجاء الكوخ، ثم قال: «أتساءل لماذا لم يُطلق الرصاص على نفسه بدلًا من حبس نفسه؛ وما الذي آل إليه أمرُ المفتاح؟ لا بد أنه أخرجه من القفل ووضعه في جيبه.»
نظر إلى الرقيب متسائلًا، وما كان من الرقيب إلا أن يفهم الإشارة ومن ثَم تقدم وتعبيرات الاشمئزاز الممتزج بالرعب بادية عليه وبدأ في تفتيش ملابس الرجل الميت وهو يتوخى الحذر.
بعد مدة قال متعجبًا: «آه! ها هو المفتاح.» أخرج من جيب الصدرية مفتاحًا بميدالية صغيرة من العاج مرفقة فيه. «نعم، هذا هو. كما ترى، عليه ميدالية مكتوب عليها «كوخ الاستحمام».»
سلَّم المفتاح إلى ثورندايك ومن ثَم بدا اهتمامه في النظر إليه حتى إن الدهشة كانت بادية عليه، ثم أخرج قلم رصاص غير قابل للمحو من جيبه وكتب على الميدالية «عُثر عليه مع الجثة؟»
قال: «أول ما يجب فعله هو التأكد من أن المفتاح هو مفتاح القفل.»
الرقيب: «لا بد أنه هو إذا كان قد قفل على نفسه باستخدام هذا المفتاح.»
ثورندايك موافقًا: «لا شك في ذلك، ولكن هذا هو مربط الفرس. يبدو أنه مختلف عن المفتاح الآخر.»
أخرج المفتاح الذي أحضرناه من المنزل وأعطاه لي كي أحمله. ثم جرَّب المفتاح الذي كنا قد أخرجناه من جيب الرجل الميت، لكن المفتاح لم يكن مناسبًا، بل ولم يدخل حتى في ثقب القفل.
تلاشى عدمُ الاكتراث المتشكك فجأة من وجه الرقيب. أخذ المفتاح من ثورندايك وجربه ولكن لم تتغير النتيجة؛ ومن ثم وقف وأخذ يحملق في زميلي بعينين متسعتين.
قال متعجبًا: «حسنًا! سنواجه مشكلة! المفتاح ليس مفتاح القفل!»
ثورندايك: «ربما يوجد مفتاح آخر في ملابس الميت. هذا غير محتمل ولكن من الأفضل أن نتأكد.»
لم يُبدِ الرقيب ترددًا هذه المرة. بحث في جيوب الميت جيدًا وأخرج حفنة من المفاتيح، ولكنها كلها مفاتيح صغيرة للغاية، ولا يوجد مفتاح منها يشبه مفتاح باب الكوخ بأي شكلٍ من الأشكال. ولاحظت أنها لا تتضمَّن مفاتيح باب المنزل ذي الطابق الواحد أو بوابة الحديقة. انتصب الشرطي واقفًا مرة أخرى وحدق في ثورندايك.
قال: «بدأت الشكوك تساورني بشأن هذه المسألة.»
ثورندايك موافقًا: «كلامك صحيح. تأكدنا من أن الباب كان مقفلًا ولما لم يكن مقفلًا من الداخل، فلا بد أنه أُغلق من الخارج. ثم هذا المفتاح — المفتاح الخطأ — ربما وضعه شخص آخر في جيب الميت. وهناك بعض الوقائع التي تُثير الشكوك. اختفت الكأس من المنضدة التي بجانب الفراش وتوجد كأس هنا. ترى بقعة أو بقعتَيْن من شحم الشمع على الأرض هنا وتبدو وكأن الشمعة وُضعت في تلك الزاوية بالقرب من الباب. لا توجد شمعةٌ هنا الآن، ولكن توجد واحدة في غرفة النوم وهذه الشمعة حملها أحدٌ ما من دون الشمعدان، وهذه الشمعة — بالمناسبة — تحمل بصمة إبهام واضحة. أول شيء نفعله هو أخذ بصمات المتوفَّى. هلَّا أحضرت لي حقيبتي من غرفة النوم يا جاردين؟»
عدتُ مهرولًا إلى المنزل (ولم أتخفَّ من الرجل في المنزل المجاور) وأخذتُ الحقيبة وحملتها إلى الكوخ. عندما وصلت، وجدت ثورندايك يُمسك الكأس بدقة في اليد اليسرى التي يرتدي فيها القفاز وكان يتفحصها في الضوء باستخدام عدسته. سلَّمني العدسة وراقبني.
«إذا نظرتَ إلى هذه يا جاردين، فسترى شيئًا مثيرًا للاهتمام. توجد بصمتان لإبهامين مختلفين، كلاهما الإبهام الأيسر؛ وبالتالي فهما لشخصَين مختلفين. ستتذكر أن الكأس كانت موضوعةً على الجانب الأيمن من الجثة وبأن المنضدة التي تحمل أثر الكأس توجد على الجانب الأيسر من الفراش.»
لما فحصتُ بصمتَي الإبهام، وضع الكأس بحرص على الأرض وفتح «حقيبة الأدوات البحثية» التي يمكن اعتبارُها مختبرًا متنقلًا. أخرج من الحقيبة صندوقًا نحاسيًّا صغيرًا يحتوي على أنبوب حبر ومسطرة صغيرة وبعض البطاقات الصغيرة وباستخدام غطاء الصندوق وكأنه لوحة تحبير، بدأ في أخذ بصمات أصابع الميت بطريقة منهجية وكتب الخصائص على كل بطاقة.
قلت: «لا أفهم ما الذي تريده من بصمات أصابع كروفتون. بصمات الرجل الآخر أهم.»
ثورندايك: «بلا شك، ولكن ينبغي أن نُثبتَ أنها بصمات رجل آخر، أي أنها ليست بصمات كروفتون. بالإضافة إلى أن الشمعة عليها بصمة. هذه النقطة يجب البتُّ فيها؛ وبما أننا انتهينا من عملنا هنا، فمن الأفضل أن نعود ونأخذ البصمة على الفور.»
أغلق حقيبته ولما أخذ الكأس في يده التي بها القفاز، سلك طريقه عائدًا إلى المنزل وتبعنا الرقيب عندما أقفل الباب. تقدمنا إلى غرفة النوم مباشرة حيث أخذ ثورندايك الشمعة من الشمعدان وكان حريصًا في مقارنة البصمة التي عليها ببصمتَي الإبهام على البطاقة باستخدام العدسة ثم فعل الشيء نفسَه مع الكأس.
قال: «الأمر واضح وضوح الشمس. هذه بصمة الإبهام الأيسر. إنها لا تُشبه بصمة كروفتون على الإطلاق ويبدو أنها متطابقة مع بصمة إبهام الرجل الغريب على الكأس. ومن هذا، يتبين أن الغريب أخذ الشمعة من هذه الغرفة إلى الكوخ ثم أعادها مرة أخرى، ولكن ربما انطفأت قبل مغادرة المنزل وأشعلها مرة أخرى في الكوخ.»
فحصتُ أنا والرقيب البطاقات والشمعة والكأس ثم سأل الرقيب: «أظن أنه لا فكرة لديك عن صاحب بصمة الإبهام، أليس كذلك؟ على سبيل المثال، ألا تعرف من الذي قد يكون لديه الدافع للتخلص من السيد كروفتون؟»
ثورندايك: «هذا السؤال ينبغي طرحُه على هيئة المحلفين الكبرى.»
الرقيب: «أتفق معك في هذا، ولكن لن تُثارَ الكثير من الأسئلة بشأن الحكم الذي ستصدره؛ فالقضية واضح أنها قضية قتل مع سبق الإصرار.»
لم يردَّ ثورندايك على ذلك ولكنه أعطى بعض التوجيهات بشأن طريقة الحفظ الآمنة للشمعة والكأس؛ ومن ثَم أصبحت عطلة التنزه المقترحة مستحيلة الآن، أخذنا إذن المغادرة من الرقيب — الذي أخذ بطاقاتنا من قبل — وطوينا الطريق إلى المحطة.
قلتُ: «أعتقد أننا سنضطر إلى إبلاغ زوجة السيد كروفتون.»
رد: «لا شأن لنا بهذا. يمكن أن نترك رسالة مع المحامي أو أمبروز. إذا كنتَ تعرف عنوان المحامي، فيمكن أن تُرسل له تلغرافًا تطلب منه تحديد موعد الليلة الساعة الثامنة. لا تذكر أيَّ تفاصيل. لا تقل سوى «عُثر على كروفتون» ولكن اكتب على التلغراف أنه «عاجل» وبالتالي سيحرص على الموعد.»
عند الوصول إلى المحطة، أرسلت تلغرافًا وظهرت إشارة القطار المتجه إلى لندن بعد فترة وجيزة. تبيَّن أنه قطار بطيء مما أعطانا وقتًا كافيًا لمناقشة القضية ووقتًا كافيًا لي كي أفكر فيها. في الحقيقة، فكرتُ كثيرًا؛ ومن ثَم طرأ سؤال آخر في عقلي لا يبعث على الارتياح وهو السؤال الذي أثاره الرقيبُ وتهرَّب ثورندايك من الإجابة عليه. هل يوجد أحدٌ قد يكون لديه الدافع للتخلص من السيد كروفتون؟ تتضح غرابة السؤال عندما يتذكر المرء الميراثَ الكبير الذي حظيَ به والبنود التي نصت عليها وصية السيدة شولر؛ إذ نصت الوصية على أنه في حال موت كروفتون قبل زوجته، فسينتقل الميراث إليها. أمبروز هو أخو الزوجة، وكان أمبروز في المنزل الريفي بمفرده مع كروفتون ولم يُعرف أن أحدًا آخر كان هناك على الإطلاق. تأملت في هذه الوقائع وبالي غير مرتاح؛ ومن ثَم أحببت أن أضع القضية بين يدي ثورندايك، ولكن تحفظه وتهربه من الإجابة على سؤال الرقيب وقراره بالتواصل مع المحامي بدلًا من العائلة، كل ذلك أظهر ما كان يجول في عقله وأنه لم يرغب في مناقشة المسألة.
في تمام الساعة الثامنة وبعد تناول العشاء في المطبخ، ذهبنا إلى منزل المحامي وأُدخلنا إلى غرفة المكتب حيث وجدنا السيد جوبسون جالسًا على طاولة كتابة. نظر إلى ثورندايك وتفاجأ بعض الشيء، وبعد التعارف، قال بنبرة بها شيء من الغلظة: «هل يمكنني القول بأن الدكتور ثورندايك له شأن بعملنا السري؟»
رددت: «بالتأكيد، ولهذا السبب هو هنا.»
أومأ جوبسون وسأل قائلًا: «وكيف حال كروفتون؟ وأين وجدتماه؟»
رددت: «يؤسفني أن أخبرك بأنه توفي. إنها مسألة مروعة. وجدنا جثته محبوسة في كوخ الاستحمام. كان يجلس في الزاوية وكأس على الأرض بجانبه.»
المحامي متعجبًا: «يا للهول! يا للهول! ما كان ينبغي أن يذهب إلى هناك بمفرده مطلقًا. لقد قلتُ ذلك وقتها. وأكثر ما يؤسف في هذا الأمر هو حساب التأمين، على الرغم من أنه ليس مبلغًا كبيرًا، لكن بند الانتحار، كما تعرف …»
ثورندايك: «أشك في أن التأمين سيتأثر بالحادث. المرجح أن هيئة المحلفين ستحكم بأن الحادث عملية قتل مع سبق الإصرار.»
صُعق جوبسون. وفي لحظة استشاط غضبًا وحملق في ثورندايك ووجهه يفضح تعبيراتِ الذهول الناجمة عن الرعب.
كرر وهو لا يكاد يصدق: «قتل! ولكنك تقول بأنه كان محبوسًا في الكوخ. وبالتأكيد هذا دليل واضح على انتحاره.»
«هو لم يحبس نفسه بالتأكيد. لم يكن هناك مفتاح بالداخل.»
«آه!» تنفس المحامي الصعداء. «ولكن ربما … هل فتشت في جيوبه؟»
«نعم، ووجدنا مفتاحًا به ميدالية مكتوب عليها «كوخ الاستحمام» ولكنه كان المفتاح الخطأ؛ فالمفتاح لم يدخل في القفل. ولا شك على الإطلاق بأن الباب أُغلق من الخارج.»
جوبسون متعجبًا وبصوت خافت: «يا إلهي! الأمر يُثير الريبة، ولكن على الرغم من ذلك، أنا لا أصدق، الأمر كله لا يصدَّق.»
ثورندايك: «ربما، ولكن الأمور كلها واضحة ولا لبس فيها. توجد أدلة على دخول غريب إلى المنزل الريفي في الليل وأن القتل ارتُكب في غرفة النوم. ومن غرفة النوم، حمل الغريب الجثة إلى الكوخ وأيضًا أخذ كأسًا وشمعة من فوق المنضدة التي بجانب الفراش. وعلى ضوء الشمعة — التي أوقفها على أرضية الكوخ في الزاوية — وضع الجثة ووضع في جيب الرجل مفتاحًا من اللوحة الموجودة في غرفة المعيشة. ثم أقفل الكوخ وعاد إلى المنزل ووضع المفتاح على شماعته والشمعة في الشمعدان. ثم أقفل المنزل وبوابة الحديقة وأخذ المفاتيح معه.»
استمع المحامي إلى هذه القصة في ذهول أسكته عن الكلام. وفي النهاية سأل: «منذ متى تفترض حدوث هذا الأمر؟»
رد: «من الواضح أنه كان في الخامس عشر من هذا الشهر.»
جوبسون معترضًا: «ولكنه أرسل خطابًا إلى المنزل في السادس عشر.»
ثورندايك: «كتب الخطاب في اليوم السادس. شخص ما كتب الرقم واحدًا أمام الرقم ستة وأرسل الخطاب من مارجيت في السادس عشر. سأُثبت هذا عمليًّا في الاستجواب.»
انتابتني بعضُ الحيرة. أسلوب ثورندايك الخشن والعابس — المختلف تمامًا عن دماثته المعتادة — والهياج غير الضروري من جانب المحامي ربما ينمَّان عن شيء غير ما يبدو عليه في الظاهر. شاهدتُ جوبسون وهو يُشعل السيجارة — بعود ثقاب صغير من نوع راينت آند ماي الذي رماه على الأرض — وانتظرتُ سؤالَه التالي مترقبًا. وفي النهاية سأل وهو يتلعثم: «هل يوجد أيُّ طرف خيط يدل على هذا الغريب المحتمل؟»
«هل تقصد مَن ستوجَّه إليه تهمة القتل؟ أوه، نعم. الشرطة لديها وسائل التعرف عليه من دون أدنى شك.»
جوبسون: «هذا إن وجدوه.»
«هذا طبيعي، ولكن عند كشف جميع الأدلة اللافتة للنظر وقت الاستجواب، فربما يُعرف هذا الشخص ويظهر في المشهد.»
استمر جوبسون في تدخين السيجارة والهياج بادٍ عليه دون أن يرفع عينيه عن الأرض، وكأنه غارق في التفكير. سأل بعد برهة وهو على حالته: «لنفترض أنهم توصلوا إلى هذا الشخص، ماذا سيحدث بعد ذلك؟ ما الدليل على أنه قاتل كروفتون؟»
ثورندايك: «هل تقصد الأدلة المباشرة؟ لا أستطيع الجزمَ لأنني لم أفحص الجثة، ولكن الأدلة الظرفية التي ذكرتها ستكون كافية للإدانة ما لم تكن هناك بعضُ التفسيرات المقنعة التي تدحض الإدانة بالقتل. ويمكنني القولُ بأنه إذا كان لدى المشتبه به تفسيرٌ منطقي يقدِّمه، فالأفضل أن يعرضه قبل اتهامه؛ فالحديث طواعية له ثقل أكثر من حديث المسجون ردًّا على اتهام موجه له.»
عمَّت فترةُ صمتٍ انتابتني فيها الحيرةُ مع الانتقال بعيني من مظهر ثورندايك الصارم إلى وجه المحامي الشاحب. نهض المحامي فجأة وبعد التجول لبعض الوقت في الغرفة، توقَّف بجانب المدفأة وهو لا يزال يتحاشى النظر إلى عين ثورندايك، ثم قال بنبرة تعتريها الفظاظةُ بعض الشيء على الرغم من الصوت المنخفض الأجش: «سأُخبرك كيف قُتل. ذهبت إلى سيسولتر في ليلة الخامس عشر كما قلتَ بحثًا عن كروفتون في المنزل الريفي. أردتُ أن أخبره عن موت السيدة شولر وعن البنود التي وردت في وصيتها.»
ثورندايك: «هل أفترضُ أن لديك بعضَ المعلومات المتعلقة بهذا الشأن؟»
«نعم، ابن عمي كان محاميها وأخبرني عن الوصية.»
«وماذا عن حالتها الصحية؟»
«نعم، عندما وصلتُ إلى المنزل الريفي، وجدت الظلام يخيم على المكان. كانت البوابة والباب الأمامي مفتوحين؛ ومن ثَمَّ دخلتُ وبدأت أنادي على كروفتون. لمَّا لم يرد أحد، أشعلتُ عود ثقاب وأضأت المصباح. ثم ذهبتُ إلى غرفة النوم وأشعلت عود الثقاب هناك؛ وعلى ضوء الثقاب، استطعت أن أرى كروفتون وهو ممدَّد على الفراش في سكون تام. تحدثتُ إليه ولكنه لم يُجِب ولم يتحرك. ثم أشعلت الشمعة على المنضدة؛ ومن ثَم بتُّ أرى ما خمنتُه بالفعل وهو أنه كان ميتًا، بل ميتًا منذ وقتٍ، ربما منذ أكثر من أسبوع.
رؤيةُ رجل ميت في هذا المنزل المنعزل أصابتني بصدمة روَّعتني، وأول ما خطر ببالي هو الإسراع بالخروج والإبلاغ عن الأمر، ولكن لما ذهبتُ إلى غرفة المعيشة، تصادف أن رأيتُ خطابًا على طاولة الكتابة ولاحظتُ أنه مكتوب بخط يده وموجه إلى زوجته. لسوء الحظ تملكني الفضول ومن ثَمَّ أخرجته من المغلف غير الملصق وقرأتُه. كان مؤرخًا بيوم السادس ومذكورًا فيه أنه ينوي الذهاب إلى مارجيت لبعض الوقت ثم سيعود إلى المنزل الريفي.
أغواني عقلي بعد الاطلاع على الرسالة؛ ومن ثَم دفعني إلى كتابة الرقم واحد أمام الرقم ستة ومن ثَمَّ تحويل التاريخ من السادس إلى السادس عشر وإرسال الخطاب من مارجيت، فكرتُ في أني سأكسب ثلاثين ألف جنيه. لمعتِ الفكرة في بالي في لمحة، ولكني لم أقرِّر القيام بذلك على الفور. قفلتُ الشيش وبسطت الستائر وقفلت المنزل وأنا أفكر في الأمر. بدا أنه لا توجد خطورة فعلية، إلا لو أتى شخص ما إلى المنزل ولاحظ أن حالة الجثة لا تتوافق مع التاريخ الذي تغيَّر على الخطاب. عدتُ ونظرت إلى الرجل الميت. كانت هناك شمعةٌ مشتعلة بجانبه وكأسٌ تحتوي على بقايا جافة لسائل بنِّيٍّ. اتضح أنه سمَّم نفسه. ثم خطر ببالي أنه إذا وُضعت الجثة والكأس في مكان آخر لا يُحتمل وجودهما فيه لبعض الوقت، فربما لا يلاحَظ الفارق بين حالة الجثة وتاريخ الخطاب.
ظللتُ أفكر بعض الوقت ولا أتذكر مكانًا مناسبًا، ولكن في النهاية تذكرت كوخ الاستحمام. فلا أحد سيبحث عنه فيه. إذا أتى أحد ما إلى المنزل وبحث عن الرجل ولم يجده، فربما لا يفهم سوى أنه لم يَعُد من مارجيت. أخذت الشمعة والمفتاح من لوحة المفاتيح ونزلتُ إلى الكوخ، ولكني وجدت مفتاحًا في الباب بالفعل وعليه أعدتُ المفتاح الآخر ووضعته في جيب كروفتون، ولم أفكر مطلقًا في أنه قد لا يكون نسخة من المفتاح. بالطبع كان ينبغي أن أجربه في الباب.
بعد ذلك، أنت تعرف الباقي. أنزلت الجثة في حوالي الساعة الثانية صباحًا وحبستُها في الكوخ وأخذت المفتاح وعلقته في اللوحة ورفعت الملاءة عن الفراش لأنه كان عليها بعض الآثار وأعدت ترتيب الفراش ببطانية كانت بالخارج. في الصباح، أخذت القطار إلى مارجيت وأرسلت الخطاب بعد تغيير التاريخ ورميتُ مفتاح البوابة ومفتاح الباب الأمامي في البحر.
هذا ما حدث في الحقيقة. ربما لا تصدقني، ولكن أعتقد أنك حسبما رأيت ستُدرك أنه لا مصلحة لديَّ في قتل كروفتون قبل الخامس عشر، وقد اتضح أن كروفتون مات قبل ذلك التاريخ.»
ثورندايك: «ما كنتُ لأقول، إن هذا جليٌّ، ولكن نظرًا إلى أن تاريخ موته نقطة حيوية في دفاعك؛ فالمحكمة تقتضي إخطار هيئة المحلفين بأهمية هذه المسألة.»
•••
قضيتُ هذه الليلة مع ثورندايك وفي طريق عودتنا إلى المنزل، قلت: «أنا لا أفهم هذه القضية. بدا أنك شككتَ في الأمر منذ البداية، ولا أفهم كيف عرفت أنه جوبسون؛ فهذا لغز بالنسبة إليَّ.»
ردَّ قائلًا: «لم يكن ليغيبَ عنك هذا لو كنتَ محاميًا. الاشتباه في جوبسون تضمنه حديثُك معي في أول حوار. وأنت بنفسك علقت على خصوصية الوصية التي صاغها من أجل كروفتون. عزم كروفتون على ترك جميع ممتلكاته لزوجته، ولكن بدلًا من قول ذلك، نصت الوصية على كل عنصر من ممتلكاته على حدة وسمَّى الوارث لباقي التركة وهو جوبسون نفسه. بدا أن الأمر مجرد صياغة قانونية، ولكن عند الإعلان عن تركة السيدة شولر، اتخذت الصفقة منحنى آخر مختلفًا؛ لأن هذه التركة لم ينَص عليها في الوصية؛ ومن ثَمَّ لم تنتقل إلى زوجة السيد كروفتون. ستدخل ضمن التركة الباقية ومن ثم ستئول إلى الوارث لباقي التركة.»
قلت متعجبًا: «يا له من تفكير شيطاني!»
«بالتأكيد، إلى أن ألغى كروفتون وصيته أو صاغ وصية جديدة. هذا أثار الشبهات. أشار إلى أن جوبسون لديه معلومات خاصة بشأن وصية السيدة شولر وصاغ وصية كروفتون بما يتفق معها؛ ولما ماتت بمرض خبيث، فلا بد أن طبيبها قد عرف لبعض الوقت أنها كانت تحتضر ويبدو أن جوبسون كان لديه معلومات عن هذا الأمر أيضًا. أصبح موقف الأمور التي ذكرتها كالتالي:
اختفى كروفتون ولم يكتب وصية جديدة وربما انتحر.
ماتت السيدة شولر في الثالث عشر وتركت ثلاثين ألف جنيه من أجل كروفتون إذا عاش بعدها؛ وإذا لم يَعِش، فستنتقل إلى زوجته. كان السؤال المهم وقتئذٍ هو: هل كروفتون حي أم ميت؟ وإذا كان ميتًا، فهل مات قبل الثالث عشر أم بعده. لو مات قبل الثالث عشر، فستئول التركة إلى زوجته، ولكن لو مات بعد ذلك التاريخ فستئول التركة إلى جوبسون.
ثم أريتني ذلك الخطاب الذي دُوِّن في التاريخ المناسب تمامًا، الذي وافق اليوم السادس عشر من الشهر. ولما رأيت أن ذلك التاريخ سيؤهل جوبسون للحصول على ثلاثين ألف جنيه، بالطبع دققت في فحص الخطاب. كُتب الخطاب بحبر عادي ذي لون أسود مائل إلى الزرقة، ولكن هذا الحبر يستغرق أسبوعين حتى يتحول إلى اللون الأسود بالكامل، حتى لو تُرك في مظروف مفتوح. أما في المظروف المغلق، فإنه يستغرق مدة أطول بكثير. عند فحص ذلك التاريخ باستخدام العدسة، وجدت أن زرقة الرقم واحد أشد من الرقم ستة بشكل ملحوظ؛ ومن ثَم لا بد أنه أضيف بعد مدة، ولكن ما الدافع وراء إضافته؟ ومن أضافه؟
السبب الوحيد هو أن كروفتون ميت وأنه مات قبل الثالث عشر. الشخص الوحيد الذي لديه الدافع لإجراء هذا التعديل هو جوبسون؛ وعليه عندما انطلقنا إلى سيسولتر، شعرت قبلها أن كروفتون كان ميتًا وأن الخطاب أرسله جوبسون من مارجيت. كذلك لم يكن لديَّ شكٌّ في أن جثة كروفتون مخفية في مكان ما في المنزل الريفي. وكل ما فعلته كان من أجل التأكد من تلك الاستنتاجات.»
«إذن، هل تظن أن جوبسون أخبرنا الحقيقة؟»
«نعم، ولكني أشكُّ أنه ذهب إلى هناك عاقدًا العزم على التخلص من كروفتون قبل أن يكتب وصيته الجديدة. لا بد أن العثور على جثة كروفتون أصابه بإحباط مرعب، ولكن يجب أن أعترف بأنه أظهر دهاءً كبيرًا في التعامل مع الموقف، ولم يخنْه الحظُّ إلا بأقل قدر. أظن أن دفاعه بشأن تهمة القتل سيُقبَل، ولكن بالطبع سيتضمن الإقرار بتهمة التزوير في مسألة الميراث.»
تبيَّن أن تنبؤ ثورندايك صحيح. تبرَّأ جوبسون من تهمة قتل آرثر كروفتون، ولكنه الآن محبوس على خلفية التزوير في الخطاب وبقية مخططه العبقري أكثر من اللازم.