غَزوَة تبوك
كانت في شهر رجب من السنة التاسعة، بلغ النبي ﷺ أن الروم جمعوا جموعًا كثيرة
بالشام، وأن طلائعهم بلغت البلقاء فاستنفر المسلمين للقائهم، وأوصى بالتعاون على تيسير
أسباب هذه الغزوة البعيدة الشقة وسد حاجاتها، فجهز عثمان بن عفان عشرة آلاف رجل، أنفق
عليهم عشرة آلاف من الدنانير، غير الإبل والخيل والزاد، وجاء إلى النبي بألف دينار صبها
في حجره، وجاء أبو بكر بجميع ماله، وهو أربعة آلاف درهم، فقال النبي: «هل أبقيت لأهلك
شيئًا؟»، قال: أبقيت لهم الله ورسوله، وجاء عمر بنصف ماله، وعبد الرحمن بن عوف بمئة
أوقية، والعباس وطلحة بمال كثير، وعاصم بن عدي بسبعين وسقًا من التمر، وعلمت النساء
فقدمت إلى النبي ما استطاعت تقديمه من الحلي في إيمان قوي، وحماسة بالغة.
وتخلف المنافقون ومعهم عبد الله بن أبي بن سلول، فلم يخرجوا مع الجيش، وكان عدده
ثلاثين ألف رجل — وقيل أكثر — وعقد النبي الألوية والرايات، فدفع لواءه الأعظم إلى أبي
بكر، ورايته العظمى إلى الزبير، وجعل راية الأوس لأسيد بن حضير، وراية الخزرج للحباب
بن
المنذر، وبلغ الجيش تبوك فعسكر فيها انتظارًا للقاء العدو، فلم تبدُ له بادية، وبعد بضع
عشرة ليلة استشار النبي عمر بن الخطاب، هل يمضي بالجيش لمهاجمة جموع الروم أم يدعهم إلى
ميقاتهم؟ فأشار عمر بهذا، وكانت غزوة تبوك آخر غزواته (صلوات الله عليه).
لمن تجمع الروم أبطالها؟
وتحمل للحرب أثقالها؟
أللجاعلين نفوس العباد
ودائع يقضون آجالها؟
إذا استعجلوها ببيض الظبى
فلن يملك القوم إمهالها
جنود تُقدِّم أرواحها
وتبذل في الله أموالها
لئن جاوزت غاية العاملين
لقد بارك الله أعمالها
ومن مثل عثمان يرعى النفوس
إذا آدها الأمر أو عالها؟
كثير النوال رحيب المجال
إذا رام منزلة نالها
أبا بكر اخترت أبقى الثراء
وجنَّبت نفسك بلبالها
تمنيتها نعمة سمحة
فألبسك الله سربالها
وإن لصحبك في الباذلين
مناقب ندمن إجلالها
•••
ألحَّ النساء على حليهن
وأقبلن في ضجة يا لها
نبي الهدى أتلم الحقوق
فنأبى ونؤثر إهمالها؟
وتذهب منا ذوات الحجال
تجرجر في الحلي أذيالها؟
لقد طاف طائفها بالفتاة
فأرَّقها ما عنا آلها
فما أمسك البخل دملوجها
ولا ملك الحرص خلخالها
•••
مشى الجحفل الضخم في جحفل
يحبُّ الحروب وأهوالها
وخاف من الحر أهل النفاق
فقالوا البيوت وأظلالها
وأهلكهم شيخ أشياخهم
بشنعاء يأثم من قالها
•••
بني الأصفر استبِقوا للوغى
وخلوا النفوس وآمالها
وقفتم من الرعب ما تُقدمون
وما هاجت الحرب أغوالها
فكيف بكم بين أنيابها
إذا جمع الله آكالها؟
رأى عمرٌ رأيه في الرحيل
فلا تكثر الروم أوجالها
لهم دون مهلكهم مدة
من الدهر يقضون أحوالها
تبوك اشهدي نزوات الذئاب
وحيِّ الأسود وأشبالها
أما ينبغي لك أن تعرفي
شيوخ الحروب وأطفالها؟
•••
هي الملة الحق لن تستكين
ولن يدع السيف أقتالها
رأت ملة الكفر تغزو النفوس
فجاءت تمزق أوصالها
لها من ذويها حماة شداد
يبيدون من رام إذلالها
فلن يعرف الناس أمثالهم
ولن يشهد الدهر أمثالها
ولن تستبين سبيل الهدى
إذا اتَّبع الناس ضلَّالها
فمن كان يحزنه أن تبيد
قوى الشرك فليبكِ أطلالها
لأهل المفصَّل من آيه
موارد يُسقون سلسالها
تردُّ القلوب إلى ربها
وتفتح للنور أقفالها