خلا جماعة من المنافقين بأنفسهم، وعدَّتهم اثنا عشر رجلًا، لما آذن النبي بالرجوع
من
تبوك، فقالوا: إذا عدل محمد عن بطن الوادي إلى العقبة وأبى إلا أن يسلكها وحده تبعناه
فزحمناه فيها، ودفعنا به عن راحلته — يريدون إيذاءه — فنبأه الله بذلك، فلما بلغ العقبة
أشار على المسلمين بسلوك بطن الوادي، وسلكها هو بعد أن جعل زمام ناقته في يد عمار بن
ياسر، وأمر حذيفة بن اليمان أن يسير خلفها، فتسلل المنافقون خلفه ملثمين تحت جنح الظلام
لإمضاء ما أجمعوا عليه.
يقول دعاة الشرِّ ليت محمدًا
إذا نحن عدنا يسلك الجانب الوعرا
إذن لدفعنا إلى الجانب الذي
تنكَّب نؤذيه ونرهقه عسرا
ونبَّأه مولاه فازداد قوة
على قوة واختار ما يقمع الشرا
فلما دنا من يثرب قال قائل
أطيعوا رسول الله وامتثلوا الأمرا
على السهل فامضوا واتركوا الحزن إنه
سيسلكه فردًا يريد بكم يسرا
وقال تقدَّم ناقتي يا ابن ياسر
وسر خلفها يا ابن اليمان فما أحرى
وسار فجاء القومُ يعدون خلفه
وقد نشر الإظلام من حولهم سترا
ونكَّر كلٌّ وجهه بلثامه
وما نكَّروا إلا الخيانة والغدرا
رمَوْا ناقة الهادي بأشخاص جنَّة
تخوض إليها الليل فانتفضت ذعرا
وأمسى رسول الله يهوي متاعه
على الأرض إلا ما تماسك فاستذرى
وقال انطلق يا ابن اليمان فردهم
ويا صاحبي لا تبتئس والزم الصبرا
فكرَّ عليهم كرَّة الليث ضاربًا
وجوه مطاياهم ولم يألهم زأرا
إليكم إليكم شيعة الكفر إنكم
لأعداء رب الناس أعظم به كفرا
تولَّوا سراعًا لم يصيبوا شفاءهم
ولم يطفئوا من حقدهم ذلك الجمرا
وجاء أُسَيدٌ لا يرى غير قتلهم
فقال رسول الله لا تبغها نكرا
أأقتل قومًا ظاهروني وحاربوا
معي؟ حسبهم أن يحملوا الإثم والوزرا
وجاءوا على خوف يقولون ما بنا
سوى الظن فاغفر إنها الفتنة الكبرى
وضجُّوا بأيمان هي النار أوقدت
بألسنة ظلت أكاذيبها تترى
كفاهم عقاب الله والدعوة التي
يظَلُّ لظاها ينفذ الظهر والصدرا