في المدِينَة — النبيُّ يُعرض عن المنافِقين وَيَأْمُر بمُقاطعتهمْ
لما رجع النبي إلى المدينة استقبله المنافقون الذين لم يخرجوا معه إلى تبوك بغير عذر، فأعرض عنهم وقال لأصحابه: «لا تكلموا أحدًا منهم ولا تجالسوهم حتى آذن لكم»، فجعل الرجل يعرض عن أبيه وأخيه، فاشتد الأمر عليهم، وأخذهم من الهم والغم ما أخذهم.
خفُّوا يلاقون النبي بيثرب
من بعدما كرهوا الخروج فأحجموا
فنأى وأعرض لا يريد لقاءهم
وتكشفوا فمُبَغَّض ومذمم
وتقطعت أسبابهم فكأنهم
سرح يبدد أو بناء يهدم
سود الوجوه ترى العيون قتامها
فتظل تطْعن باللحاظ وترجم
يتلفتون إذا مشوا وإخالهم
لو يقدرون من الحياء تلثموا
يتقلَّب الآباء في حسراتهم
وكأنما الأبناء ليسوا منهم
هجر وإعراض وطول قطيعة
فالعيش سمٌّ ناقع أو علقم
هم أجرموا فهو الجزاء وهكذا
يجفَى ويجتنَب المسيء المجرم
ويح الثلاثة إنهم مما لقوا
لأشد خطبًا في الرجال وأعظم
ودوا لو أن الأرض زالت فانطوت
ثم انطووا فكأنهم لم يأثموا
ضاقت جوانبها فلا متأخر
فيها لأنفسهم ولا متقدم
•••
كل له في العالمين جزاؤه
ومن الجماعة حاكم لا يظلم
يقضون إن عقلوا قضاء صالحًا
هو للنفوس مهذب ومقوم
فإذا همو جهلوا فليس لدائهم
طب وليس لمثلهم أن يحكموا
سبحان ربك ذي الجلالة إنه
لم يوجب الشورى لمن لا يفهم
الرأي رأي ذوي المعارف والنهى
ومن الرجال بهائم لا تعلم