وَفْد ثقيف
كان في رمضان سنة تسع بعد غزوة تبوك، وكان من خبرهم أنه لما عاد النبي ﷺ من
محاصرتهم تبعه عروة بن مسعود فأسلم، وسأله أن يرجع ليدعو قومه إلى الإسلام، فقال له:
«إنهم قاتلوك»، قال: أنا أحب إليهم من أبكارهم وأبصارهم، وذهب إليهم فقتلوه بعد أن
أسمعوه كثيرًا من الأذى، فسمعه أحدهم يتشهد وقت السحر عند الفجر على غرفة في داره فرماه
بسهم فمات، وهو يقول: كرامة أكرمني الله بها، وشهادة ساقها إليَّ، فليس فيَّ إلا ما في
الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله ﷺ، قبل أن يرتحل عنكم، فادفنوني معهم ففعلوا،
وقال الرسول الكريم في حقه: «إن مثله في قومه كمثل يس — يريد المذكور في سورة يس — إنه
قال لقومه اتبعوا المرسلين، فقتلوه».
أقامت ثقيف بعد مقتل عروة أشهرًا ثم استولى عليها الذعر، فأجمعوا أن يوفدوا رجالًا
منهم إلى النبي، فجاءوا وفيهم شرحبيل بن غيلان وعثمان بن أبي العاص، وهو أصغرهم سنًّا،
فأسلموا، وسألوه أن يؤمِّر عليهم رجلًا فكان عثمان، ورجعوا إلى قومهم، وهم يكتمون
إسلامهم كما أمرهم سيدهم كنانة بن عبد ياليل، وأخذوا يخوفونهم فأسلموا.
أقبلوا راشدين فالأمر جدُّ
أيُّ نهج للحق لم يبد بعد؟
أقبلوا راشدين ما لثقيف
وسواها مما قضى الله بدُّ
يا ابن غيلان مرحبًا جئت في الركـ
ـب وحادي الهدي يسوق ويحدو
أين من قومك الألى ركبوا الغيَّ
فلم يثنهم عن الإثم رشد؟
قتلوا عروة الشهيد على أن
آثر الله فهو للشرك ضد
جاء إثر النبي يشهد أن الله
حق عالي الجلالة فرد
وأتى قومه يظن بهم خيـ
ـرًا فمالوا عن السبيل وصدُّوا
هكذا أخبر النبي ولكن
ليس للأمر حين يُقدر ردُّ
قال دعهم لمالك الملك واعلم
أنهم قاتلوك فالقوم لُدُّ
غرَّه رأيه فلم يك حبٌّ
غير حب الأذى ولم يكُ ودُّ
بورك الوفد إذ أتى الكوكب الدُّ
رِّيُّ في نوره يروح ويغدو
يتلقَّى السنا تبين به السبل
وِضاء بعد الخفاء وتبدو
ورد الدين صافيًا ما يضاهيه
لمن يبتغي السلامة وِرْدُ
وقضى أمره فغادر منه
حيلة أُحْكِمَتْ ورأي أَسدُّ
راح يخفي إيمانه ويهدُّ القـ
ـوم رعبًا وكل واهٍ يُهدُّ
ليس للشرك قوة تَعصم النفـ
ـس ولا فيه منعة تستمد
قال يا قوم إنه يتلظى
في إباء ما ينقضي منه وقد
سامنا خطة تشقُّ علينا
وهو عالٍ في قومه مستبدُّ
نهدم اللات صاغرين ونُلغي
ما درجنا عليه فالعيش رغد
هاجهم جهلهم فقالوا رويدًا
ما لنا بالذي تقولون عهد
قيل فالحرب لا هوادة فيها
فاجمعوا أمركم إذن واستعدوا
هفا الذعر بالنفوس فلانوا
بعد حين وللجهالة حدُّ
أقبلوا يرغبون في ملة الله
فلم يغنهم إباء وزهد
عجبوا للألى رموهم بمكر
هو أقوى من مكرهم وأشد
سألوهم أن يسلموا فأذاعوا
ما أسرُّوا وطاح بالهزل جِدُّ
رضي الله عنهم ورعاهم
هم جميعًا لملة الحق جند