جاء وفيهم عامر بن الطفيل، وأربد بن قيس «أخو لبيد الشاعر»، وجبار بن سلمى، وكان عامر
قال لأربد: إذا قدمنا على الرجل «النبي ﷺ» فإني شاغل عنك وجهه، فإذا فعلت ذلك
فَاعْلُهُ بالسيف، فلما قدموا جعل عامر يكلم الرسول الكريم وينتظر أن يمضي أربد أمره
وقد يبست يده على السيف فلم يستطع سله، وقال عامر للنبي: ما لي إن أسلمت، قال: «لك ما
للمسلمين وعليك ما عليهم»، قال: أتجعل لي الأمر بعدك؟ قال: «ليس ذلك لك ولا لقومك إنما
الأمر لله يجعله حيث يشاء»، فقال عامر: أما والله لأملأنها عليك خيلًا ورجالًا، قال:
«يمنعك الله (عز وجل)»، ومكث أيامًا يقول: «اللهم اكفني عامر بن الطفيل بما شئت، وابعث
به داء يقتله»، فاستجاب الله له، وأسلم جبار بن أبي سلمى (رضي الله عنه) فيمن
أسلم:
بني عامر ردوا عن الشر «عامرًا»
ولن يجد الباغي عن البغي ناصرا
أصاب هوى من نفس «أربد» فابتغى
من الأمر ما يُعيي الكميَّ المقامرا
وجاء بمكر لا محالة خائب
وأخيب أهل السوء من كان ماكرا
أناشدكم هل صاحَب الوفدُ منهما
«بني عامر» إلا أثيمًا وفاجرا؟
هما أزمعا أن يأخذا الليث خادرًا
على غرة والجهل يعمي البصائرا
دنا الأحمق المخبول منه وهذه
يد السوء منه تحمل السيف باترا
يشير إليه ابن الطفيل أن اقتحم
وماذا يردُّ السيف لو كان قادرا؟
أبى الله إلا أن يُعز «رسوله»
ويرجع من يبغي به السوء صاغرا
أطاع هواه جاهلًا وخلا به
يخادعه كيما يرى الدم مائرا
أتسأله يا ابن الطفيل خلافة
وتطمع أن تدعى الشريك المشاطرا؟
لك الويل ما هذا الذي أنت قائل؟
أكنت امرءًا من نفسه راح ساخرا؟
«جُبَار» استقم واشهد فربُّك واحد
وخذ حظك الأوفى من الخير شاكرا
وبشر رعاك الله صحبك أنهم
أصابوه غنمًا من هدى الله وافرا
ودع «عامرًا» يهوي به الداء خاسئًا
و«أربد» يلقى الحتف خزيان خاسرا
رماه الذي يرمي القوى فيهدها
فهدَّ قواه إنه كان كافرا
بصاعقة مما رمى الله إذ رمى
«ثمودًا» و«عادًا» والقرون الغوابرا
رماه بها ناريَّةً لو تنزلت
على جبل لاندكَّ في الأرض غائرا
أبى «عامر» من شيمة جاهلية
لقاء الردى عند التي جاء زائرا
يقول أطاعونًا وموتًا بمنزل
يضيق بأمثالي؟ إذن لست «عامرا»
جوادي جوادي ليس (لي) غير متنه
ألاقي عليه عاديَ الموت كابرا
وجاءوا به يزجيه «عزريل» فاستوى
على سرجه وانساب حرَّان ثائرا
يجول عليه يحمل الرمح ما يرى
سوى حتفه المقدور قرنًا مغاورا
فما هو إلا أن هوى غير معقب
سوى الخزي من ذكر لمن كان ذاكرا
مضى الأمر لم يسمع عكاظ نداءه
ولم تشهد الأقوام تلك المفاخرا
إذا المرء لم يؤمن ولم يخشَ ربه
فليس إلى شيء سوى الخسر صائرا
ألحَّتْ عليه دعوة من محمد
رمته بداء يترك الطب حائرا
رسول الهدى والخير من يرْعَ حقَّه
فليس يرى شيئًا على الدهر ضائرا
لقد كان فيما قال أربد زاجر
عن الشر لو يخشى امرؤ السوء زاجرا
رأى آية تغتال همة نفسه
وتذهل منه اللب لو كان ناظرا
كلاءة رب كلُّ أصيد غالب
يبيد ويبقى غالب البأس قاهرا