وفد بنِي عبد القيس منْ بلاد هجَر بالبحرين
جاءوا إلى النبي ﷺ قبل فتح مكة، وفيهم الجارود، وكان نصرانيًّا، وقال له: إن
كنت نبيًّا فأخبرنا بما أضمرنا، فأخبرهم فأسلموا، كان رئيسهم عبد الله بن عوف الأشج،
وكان أصغرهم سنًّا، وفيه دمامة، ولحظ هذا المعنى في نفس النبي، فقال: يا رسول الله، إنه
لا يستقى في مسوك — جلود — الرجال، وإنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه.
قال لهم (صلوات الله وسلامه عليه): «مرحبًا بالقوم الذين جاءوا غير خزايا ولا ندامى»،
ثم أمرهم بإقامة الدين، ونهاهم عن الخمر، فألحوا ليأذن لهم فأبى، وذكر لهم صفة بلادهم
فتعجبوا، وكان فيهم شيخ مجنون فمسح على ظهره ودعا له فبرئ، وكسي شبابًا وجمالًا.
مرحبًا بالوفد وافى من هجر
يبتغي الدين ويأبى من كفر
لا خزايا لا ندامى إنهم
زمرة ما مثلها بين الزمر
ظفروا إذ قبَّلوا خير يد
وخيار الناس أولى بالظفر
نزل الحق على شاعرهم
ساطعه الحجة وضَّاح الأثر
صدق الجارود إن الله قد
أرسل القوم إلى هادي البشر
جاء في إنجيل عيسى ذكره
فأتى ينظر مصداق الخبر
لم يزل يسأله حتى بدا
من يقين الأمر ما كان استتر
زادهم من علمه ما زادهم
ولديه من مزيد مُدَّخر
كشف الله له عمَّا انطوى
في زوايا الغيب عنه فظهر
هذه الأرض وهذا نخلها
تتراءى فيه أنواع الثمر
آثروا الإسلام دينًا وانقضى
ما أضلَّ القوم من دين نُكر
أُمِروا بالخير طُرًّا ما لهم
منه بدٌّ ونُهوا عن كل شر
لهجوا بالخمر ثم ازدجروا
وعن الخمر غنى للمزدجر
وفد عبد القيس لا تعدِلْ بكم
ظلمة الرأي عن النهج الأغر
ليس في الخمر شفاء لامرئ
من سقام أو وقاء من ضرر
إحذروها إنها المكر الذي
مكر الشيطان في ماضي العصر
هي للأقوام شرٌّ وأذى
وهي للبغضاء نار تستعر
ليس من برَّ فأرضى ربه
مثل من أرضى هواه وفجر
حسبكم ما كان منها وكفى
ما رأيتم أو سمعتم من عبر
في رسول الله إذ نبأكم
ببلايا الخمر آيات كُبَر
انتهُوا عن كل ما عنه نهى
وافعلوا من كل أمر ما أمر
•••
اسألوا هذا الفتى عن شيخكم
واسألوني عن أعاجيب القدر
صورة زالت وأخرى برزت
من تصاوير المليك المقتدر
اسألوا الحاضر عمَّنْ غاب أو
فاسألوا الغائب عمن قد حضر
ذهب المجنون مهدود القوى
وأتى العاقل مشدود المرر
قدرة الله تجلَّتْ في يدٍ
لعظيم الجاه ميمون الأثر