سَرايا محمَّد بن مسلمة (رَضِي اللهُ عنْه)
السَّرِيَّةُ الأُولَى
كانت إلى القرطاء، وهم بطن من بني بكر بن كلاب، خرج إليهم محمد بن مسلمة في المحرم من السنة السادسة ومعه ثلاثون راكبًا فيهم عابد بن بشير، فأغار عليهم، وأخذ منهم نعمًا وشاء وسبيًا، ولم يتعرض للنساء، ثم عادت السرية ومعها ثمامة بن أثال الحنفي — نسبة إلى حنيفة — سيد أهل اليمامة أسيرًا، فربط بسارية من سواري المسجد وأمر النبي أهله بإطعامه، وجعل له لبن ناقة يأتيه صباحًا، وما زال يتعهده ببره وفضله، ويقول: «ما عندك يا ثمامة»، فيقول: إن تقتل تقتل ذا كرم، أو ذا دم، وإن تعف تعف عن شاكر، فإنه جاءه قبل ذلك رسولًا من مسيلمة ليغتاله، فعصمه الله منه، وقد أمر بإطلاقه، فاغتسل وذهب إلى مكة معتمرًا، فأخذته قريش، وقالت: لقد صبأت عن ديننا، فقال: إنما أسلمت وتبعت خير دين، ولن تصل إليكم بعد اليوم حبة من اليمامة حتى يأذن رسول الله، فهموا بقتله ثم رأوا أن يخلوا سبيله، فحبس عنهم ما كان يأتيهم من اليمامة حتى أضرَّ بهم الجوع، وأكلوا الطهز، وهو الدم يخلط بأوبار الإبل فيشوى، فكتبوا إلى النبي يناشدونه الرحم، فبعث إليه يأمره أن يخلي بينهم وبين ما يريدون ففعل، وفي ذلك نزل قوله تعالى: وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ.
•••
السَّرِيَّةُ الثَّانِيَةُ
وتسمى سرية ذي القصة — موضع قريب من المدينة — كانت إلى بني ثعلبة وبني عوال لما بلغهم محمد بن مسلمة وأصحابه كمنوالهم، ثم انقضوا عليهم وهم نيام فأعملوا فيهم الرماح، وجرحوا محمدًا ثم جردوه من ثيابه، وهم يظنون أنه قد مات، ومر به بعض المسلمين فاسترجع، فلما سمعه تحرك فحمله إلى المدينة، وبعث النبي ﷺ أبا عبيدة بن الجراح فلم يجد أحدًا من القتلى، ووجد نعمًا وشاء فرجع بها.
•••
•••
•••
السَّرِيَّةُ الثَّالِثَةُ لِقَتْلِ كَعبِ بنِ الْأَشْرَفِ
كانت في ربيع الأول من السنة الثالثة، وكان كعب من أشد الناس عداوة للرسول الكريم وللمسلمين، وكان يهجوه ويحرض المشركين على قتاله، عاهده على ألا يعين عليه أحدًا فنقض العهد، وخرج بعد وقعة بدر إلى قريش يبكي قتلاهم ويستفزهم للحرب، ومن سيئاته أنه صنع طعامًا، ودعا إليه النبي على نية الفتك به، فنبأه الله فلم يأكل منه، وكان (لعنه الله) كثير المال، يعطي الأحبار ويصلهم، فلما قدموا عليه بعد هجرة النبي سألهم: ما يظنون به؟ قالوا: هو الذي كنَّا ننتظره، فغضب ولم يعطهم، ثم رجعوا إليه وخدعوه بما يرضيه من القول، فرضي عنهم ووصلهم.
قال النبي: «من ينتدب لقتل كعب بن الأشرف؟» فقال محمد بن مسلمة: أنا يا رسول الله، فقال له: إن كنت فاعلًا فشاور سعد بن معاذ، فأشار عليه سعد أن يذهب إليه يشكو حاجته، ويطلب أن يسلفه طعامًا، فمكث ثلاثة أيام لا يأكل ولا يشرب، وأتى أبا نائلة، وعباد بن بشر، والحارث بن أوس، وأبا عبس بن جبر أن يصحبوه، ثم جاءوا إلى النبي ﷺ يستأذنونه في أن يقولوا لكعب ما يرضيه، فأذن لهم، وذهبوا إليه فقتلوه وحملوا رأسه إلى النبي، وجاءه اليهود مذعورين يقولون: قتل سيدنا، وعقدوا صلحًا.
•••