سرية عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل
وهي حصن وقرى من طرف الشام، بينها وبين دمشق خمس ليالٍ، وبينها وبين المدينة خمس عشرة
ليلة، كانت هذه السرية في شعبان من السنة السادسة، سيرها النبي ﷺ بعد أن عمَّم
أميرها عبد الرحمن بن عوف (رضي الله عنه) بيده الشريفة، ثم أمر بلالًا أن يدفع إليه
اللواء، وقال له ولمن معه: «اغزوا جميعًا في سبيل الله، فقاتلوا من كفر بالله، ولا
تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدًا، فهذا عهد الله وسنة نبيه فيكم»، فمكث عبد الرحمن
ثلاثة أيام يدعو القوم إلى الإسلام فيأبون إلا السيف، ثم أسلم رئيسهم الصبغ بن عمرو
الكلبي، وكان مسيحيًّا، وأسلم معه كثيرون، وتزوج ابنته وقدم بها المدينة، فولدت له بعد
عشرين سنة وبضع من الهجرة أبا سلمة، الحافظ الثقة والعالم الكبير.
يا ابن عوف سر حثيثًا باللواء
واقدم الجيش بعزم ومضاء
سر حثيثًا يا ابن عوف إنها
دومة الجندل والقوم البطاء
سُبقوا للحق ما يـأخذهم
ذلك النور ولا هذا الرُّواء
ويحهم ماذا عليهم لو رضوا
شرعة الله ودين الحنفاء؟
اتَّق الله ولا تبغ الأذى
واتَّبع ما قال خير الرحماء
إن للحرب لديه أدبًا
يزَعُ السيف ويحمي الضعفاء
من يدَعْه لا ينل مجدًا وإن
فتح الأرضَ وأقطار السماء
•••
أعرض القوم وقالوا ديننا
يا ابن عوف ديننا لا ما تشاء
ليس غير السيف يقضي بيننا
وهو أولى يا ابن عوف بالقضاء
ورأى سيدهم ما هاله
من أمور لا يراها الجهلاء
إنه الأصبغ لا يخدعه
باطل الوهم ومكروه الهراء
قال أسلمت فيا قوم اشهدوا
واهتدوا فالله حقٌّ لا مراء
شرع الدين الذي وصَّى به
عمدة الرسل وشيخ الأنبياء
هو دين الله حقًّا ما به
إن رضينا أو أبينا من خفاء
•••
أسلمتْ من قومه طائفة
وأبتْ طائفة كل الإباء
ما على ذي همَّة من حرج
إن تراخى الجدُّ أو زاغ الرجاء
كل أمر فله ميقاته
طابت الأنفس أم طال العناء
•••
يا ابنة الأصبغ هذا ما قضى
ربُّكِ الأعلى ففوزي بالرفاء
ملَّة فضلى وبعل صالح
حبذا القَسْم وما أسنى العطاء
إنه أمر النبيِّ المجتبَى
معدن التقوى ومولى الأتقياء
يا ابن عوف لو رأى الغيبَ امرؤ
لرأت عيناك ما تحت الغطاء
لك من زوجك كنز جلل
من كنوز الله أغنى الأغنياء
يُستمَدُّ العلم منه والهدى
ويقام الدين قدسي البناء
نعمة الله ما أعظمها
فله الحمد جميعًا والثناء