كانت لقتل أبي رافع بن عبد الله، أو سلام بن أبي الحقيق اليهودي، وهو من الذين حزبوا
الأحزاب يوم الخندق وأعان المشركين بالمال الكثير، بعثه النبي ﷺ إليه في شهر
رمضان سنة ست، وقيل في ذي الحجة سنة خمس بعد وقعة الأحزاب، ومعه عبد الله بن أنيس، وأبو
قتادة واسمه الحارث بن ربعي، والأسود بن خزاعي، ومسعود بن سنان الأسلمي من الخزرج،
فذهبوا إلى خيبر، فلما أمسوا جاءوه في حصن له، فقال ابن عتيك لأصحابه: دعوني أحتال
للدخول عليه، ثم تقنع بثوبه، فظنه البواب من أهل الحصن الذين خرجوا لطلب حمار فقد منه
فأدخله، ثم أخذ المفاتيح التي علقها البواب وراء الباب بعد إغلاقه، فلما ذهب عن أبي
رافع أهل سمره صعد إليه ابن عتيك يفتح الأبواب ويغلقها وراءه، ثم انتهى إليه فإذ هو وسط
عياله في بيت مظلم، وقال لامرأته: إني جئته بهدية، ثم ضربه فلم يقتله، وصاح أبو رافع،
فخرج ابن عتيك ثم عاد، وقد غير صوته يسأله عن سبب صياحه، ثم قتله، وخرج فسقط وانكسرت
ساقه فاختبأ، وخرج اليهود باحثين، ثم عادوا وهو كامن، وبقي إلى أن يسمع الناعي، فلما
نعي انطلق إلى أصحابه، ثم عادوا، ومسح النبي على رجله، فكأنها لم تصب.
أبا رافع لا يرفع الله طاغيًا
ولا يدع الخصم المشاغب ناجيا
جمعت من الأحزاب ما شئت تبتغي
لنفسك من تلك العقابيل شافيا
ورحت تصبُّ المال في غير هينة
تريد بدين المسلمين الدواهيا
هو ابن عتيك إن جهلت وصحبه
فلست بلاقٍ من حمامك واقيا
يدبُّ وقد جنَّ الظلام مقنعًا
يريدك مغتالًا ويلقاك غازيا
كأن حمار الحصن أوتي رشده
فأجمع ألا يصحب الدهر غاويا
أعان عليك السيف يكره أن يرى
دمًا فاجرًا في مسبح الكفر جاريا
يقول له البواب ما لك جالسًا؟
وقد دخل الرهط الذي كنت رائيا؟
إلى الحصن فادخل لست تارك بابه
لأجلك مفتوحًا ودعني وما بيا
فقام ولو يدري خبيئة نفسه
أعضَّ وريديه الحسام اليمانيا
ولاحت لعينيه الأقاليد فانتحى
يضمُّ عليها مخلب الليث ضاريا
فلمَّا غفا السمار أقبل صاعدًا
إلى الأخرق المغرور يعلو المراقيا
سقاه بحدِّ الهندوانيِّ حتفه
فبوركت من سيف وبورك ساقيا
•••
هوت رجله من زلة قذفتْ به
إلى الأرض في ظلماء تُخفي الدراريا
فما برحتْ حتى أصيب صميمها
بصدع فأمسى واهن العظم واهيا
وبات يُواري نفسه في مكانه
ويزورُّ في برديه يخشى الأعاديا
تنادوا فقالوا فاتك من عدوِّنا
رمى السند الأعلى فلا كان راميا
متى جاء؟ كيف انسلَّ في غسق الدجى؟
وماذا جرى؟ من كان للحصن حاميا؟
من الجنِّ هذا أم من الإنس يا له
مصابًا ينسِّينا الخطوب الخواليا؟
وراحوا سراعًا مهطعين يهيجهم
طِلاب الذي ما زال في الحصن ثاويا
فما تركوا في أرض خيبرَ بقعة
ولا غادروا مما هنالك واديا
وعادوا يعضُّون البنان ولو رأوا
مكان الردى المجتاح ألفوه جاثيا
فما زال حتى أذَّن الديك وانبرى
من القوم داع يرفع الصوت ناعيا
هنالك وافى صحبه فتحدبوا
عليه وكان الظن أن لا تلاقيا
فتى يركب الأهوال لا يتَّقي الردى
ولا يتوقى الحتف يلقاه عاديا
قصاراه أن يرعى أمانة ربه
ويلقى رسول الله جذلان راضيا
شفى رجله مما بها فكأنها
بخيبر لم تكسر ولم يك شاكيا
أبا رافع ماذا لقيت بحفرة
طوت منك جبارًا قضى العمر عاتيا؟
عكفت على البغي المذمَّم والأذى
فذُبْ أسفًا واعكف على النار صاليا