عمرو بن أميَّة الضمري يُوفد إلى مكة لقتل أبي سفيان
اختار أبو سفيان رجلًا من أجرأ الناس وأقدرهم على الشر، ثم أعطاه نفقة وبعيرًا، وبعثه
لقتل النبي ﷺ، فخرج يحمل خنجرًا حتى جاءه فانحنى عليه يريد أن يفعل، فأخذته
الرهبة، وكان أسيد بن حضير مع النبي فشد على خناقه حتى ظهر الخنجر، إذ كان يخفيه في
ثيابه، وقد استجار بالنبي فعفا عنه وأسلم، ثم ذهب فلم يعرف اسمه ولم ير بعد ذلك.
أرسل النبي عمرو بن أمية الضمري لقتل أبي سفيان، وكان فاتكًا في جاهليته شجاعًا في
إسلامه، فأخذ خنجرًا، وخرج معه رجل آخر اختلف في اسمه، فقيل هو سلمة بن أسلم، وقيل جبار
بن صخر، فجعل عمرو يتنكر بمكة حتى لا يعرفه أحد لشهرته، فعرفه معاوية بن أبي سفيان
وأشاع خبره، فخف الناس يطاردونه، فاختبأ في غار وخرج فقتل رجلًا من الكفار، ورأى رجلين
منهم في طريقه إلى المدينة كانا يتجسسان على المسلمين، فقتل أحدهما برمية سهم، وأسر
الآخر.
أبا سفيان أيَّ دم تريد؟
هي العنقاء مطلبها بعيد
بل العنقاء أقرب من مرام
هو الأمل المحبَّب أو يزيد
أغرَّك خِنْجرٌ بيدي شقِيٍّ؟
وما يدريك أيكما السعيد؟
رأى رجلًا ترى الشم الرواسي
جلالته فترجف أو تميد
فلم تنفعه من فزع قواه
ولم ينهض به البأس الشديد
وشدَّ خناقه بيدي أسيد
فلولا الرفق لانقطع الوريد
تلقَّاه بمخلب مكفهر
يثور فتقشعر له الجلود
وأظهر ما يواري من سلاح
يدبُّ بمثله الشنف الحقود
وأيقن أن دين الله حقٌّ
فما يجدي الضلال وما يفيد
أصاب الخير من بركات ربٍّ
هداه رسوله الهادي الرشيد
وجاءك يا أبا سفيان عمرو
فأين تزيغ ويحك أو تحيد
هو البطل الذي عرفت قريش
فلا نكر بذاك ولا جحود
يخادعهم وما تخفى عليهم
مكيدة من يخادع أو يكيد
بدا لهم المغيَّب فاسترابوا
ولجَّ الذعر واضطرم الوعيد
وأبصره معاوية فجلَّى
سريرة نفسه النظر الحديد
وشدُّوا خلفه فإذا سُلَيْك
أعير جناحه البطل النجيد
وغيَّبه ببطن الأرض غار
فما يدرون أين مضى الطريد؟
أعين بصاحب لا عيب فيه
فنعم الصاحب الثبت الجليد
وجاء لحينه منهم غويٌّ
له في الشعر شيطان مريد
يدير الكفر في فمه نشيدًا
يردِّده فيعجبه النشيد
أصاخ له فأوقد منه نارًا
لها من كل جارحة وقود
تلهب واستطار فيا لنفس
طغت حينًا فأدركها الخمود
رماها في لهيب البأس ربٌّ
لها في ناره الكبرى خلود
•••
كلا الرجلين يا عمرٌو عدوٌّ
فدونك إنه صيد جديد
هما عينا الخيانة من قريش
وأنت يد النبيِّ بها يذود
رميت عن النبيِّ فمن صريع
أراق حياته السهم السديد
ومن فزع مضيت به أسيرًا
على جزع يذلُّ ويستقيد
جلبت على أبي سفيان شرًّا
فأصبح وهو محزون كميد
تجرَّع ثكل من فُقِدا ذعافًا
وأهلكه الأسى فهو الفقيد
ستدركه الحياة ولا حياة
لغير المؤمنين ولا وجود
رجال لا تُبيدهم المنايا
وكلٌّ من بني الدنيا يبيد
هو الإيمان لا دنيا حلوبٌ
يعاش بها ولا ملك عتيد