سَرِيَّة عَمْرو بن العَاصِ (رضِي اللهُ عنْهُ) إلَى بِلادِ بَلِيٍّ
وعُذْرَة
تقع هذه البلاد وراء وادي القرى، بينها وبين المدينة عشرة أيام، وبَلِي قبيلة كبيرة
تنسب إلى بلي بن عمرو بن إكاف بن قضاعة، وتنسب عذرة إلى عذرة بن سعد بن قضاعة، وتسمى
هذه السرية ذات السلاسل؛ لأن المشركين ارتبط بعضهم إلى بعض مخافة أن يفروا، والمراد
أنهم تجمعوا وانضم بعضهم إلى بعض، وقيل لأن بهذه البلاد ماء يسمى: السلسل.
كانت في جمادى الآخرة سنة ثمان، وسببها أن جمعًا من قضاعة أرادوا الإغارة على
المدينة، فبعثها النبي ﷺ تحت إمرة عمرو بن العاص، وعددها ثلاث مئة رجل من سراة
المهاجرين والأنصار، فلما اقترب من القوم بعث رافع بن مكيث الجهني إلى النبي يستمده،
فبعث إليه أبا عبيدة بن الجراح في مئتين من أكابر المهاجرين والأنصار، فيهم أبو بكر
وعمر، وأوصاه بطاعة عمرو، فأراد أن يؤم الناس في الصلاة، فأبى عمرو وقال: أنا الأمير،
فأطاع أبو عبيدة، وما زال عمرو يصلي بالناس، وحمل المسلمون على العدو، فهربوا بعد أن
اقتتلوا ساعة، فقتلوا وغنموا، وأمر عمرو أن لا يوقدوا نارًا، فأنكر عمر ذلك، فقال أبو
بكر: دعه، فما بعثه النبي إلا لعلمه بالحرب، وأرادوا أن يتبعوا العدو وهو مدبر فمنعهم،
فلما عاد سأله النبي فقال: كرهت أن يوقدوا نارًا فيرى العدو قلتهم، وأن يتبعوهم فيكون
لهم مدد.
إلى ذات السلاسل من بليِّ
وعذرة فامض بورك من مضيِّ
تدفقْ بالألى جاشت قواهم
إليك تدفُّقَ السيل الأتي
إلى قوم من الأعداء تُطوَى
جوانحهم على الداء الدويِّ
تألَّب جمعه من كل أوب
يحاول بالسيوف حمى النبيِّ
أهزلٌ من قضاعة أم خيال
غويٌّ جال في جوٍّ غويِّ؟
تولَّى الكفر أمر القوم فيه
فسوف يرون عاقبة الوليِّ
جمعت لحربهم يا عمرو بأسًا
يزلزل كل جبار عتيِّ
رأيت جموعم شتى فهذا
رسولك جاء بالمدد القويِّ
عليه أبو عبيدة في سلاح
يمجُّ عصارة الموت الوحِيِّ
نهاه محمد عن كل أمر
تضيق به وما هو بالعصيِّ
ينازعك الإمامة ثم يرضى
وتلك سماحة الخلق الرضيِّ
رميت الكافرين بكل ماضٍ
من الأبطال يعصف بالرميِّ
فزالوا عن حظائرهم سراعًا
ولم تُغنِ الرباق عن الشويِّ
تواصوا بالثبات فزلزلتهم
صواعق ما تكفُّ عن الهُويِّ
هو البأس استطار فلا ثبات
لغير السيف والبطل الكميِّ
قضيت السؤل من قتل وغنم
ونلت ذؤابة الشرف العلي
وكنت القائد الفطن الملَقَّى
فنون المكر والكيد الخفيِّ
منعت النار خيفة أن تعرِّي
جنودك شيمة الحذِر الذكيِّ
تدافع دون عدتهم عدوًّا
تخادعه عن الأمر الجليِّ
ولم تتبع قضاعة إذ تولَّت
وإذ ذهل الصفيُّ عن الصفيِّ
تقاتلها بسيف من دهاء
يمزقها بحدٍّ لوذعيِّ
رمى الفاروق من عجب بقول
يثير حمية الرجل الأبيِّ
فقال له أبو بكر رويدًا
ولا تعدل عن السنن السويِّ
رسول الله أكثر منك علمًا
بصاحبه ولست له بسيِّ
وما للحرب إلى كل طَبٍّ
يصرِّفها برأي عبقري
•••
أمير الجند يا لك من سريٍّ
أصاب أمارة الجند السريِّ
مشى الصِّدِّيق والفاروق فيه
على أدب من الخلق السنيِّ
وهل يُقضَى على اسم الله أمر
فينكره التقيُّ على التقيِّ؟
إذا استوت المراتب وهي شتَّى
فما فضل اللبيب على الغبيِّ؟
أجَلْ يا عمرو ما بك من خفاء
إذا فزع الرجال إلى الكفيِّ
شأوت السابقين إلى محلٍّ
يجاوز غاية الأمد القصيِّ
وذلك فضل ربك زيد فيه
على يده لذي الجدِّ الحظيِّ