المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار
كانت المؤاخاة بعد بناء مسجد المدينة — وقيل وهو يُبنى — وكان المراد منها إزالة الوحشة وشد الأزر في سبيل الدعوة الإسلامية، وكانت توجِب أن يرث كل أخ أخاه دون ذوي الأرحام، فلما عز الإسلام وقويت شوكته أبطل هذا الحكم بقوله (تعالى): وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وكان نزول هذه الآية الشريفة في وقعة بدر، ولم يكن قد عمل بهذا الحكم قبل ذلك؛ وكانت المؤاخاة بعد الهجرة بخمسة أشهر، وقيل غير هذا.
عن زيد بن أبي أوفى قال: دخلت على رسول الله ﷺ في مسجد المدينة، فجعل يقول: «أين فلان، أين فلان؟». فلم يزل يتفقدهم ويبعث إليهم حتى اجتمعوا عنده فقال: «إني محدثكم بحديث فاحفظوه وعوه وحدِّثوا به من بعدكم، إن الله (تعالى) اصطفى من خلقه خلقًا»، ثم قرأ: اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ، قال: «وإني أصطفي منكم من أحب أن أصطفيه وأوآخي بينكم كما آخى الله (تعالى) بين ملائكته؛ قم يا أبا بكر»، فقام فجثا بين يديه الشريفتين؛ فقال: «إن لك عندي يدًا الله يجزيك بها، ولو كنتُ متخذًا خليلًا لاتخذتك، فأنت مني بمنزلة قميصي من جسدي» وحرك قميصه بيده، ثم قال: «ادن يا عمر»؛ فدنا فقال: «قد كنت شديد البأس علينا يا أبا حفص فدعوت الله أن يعز بك الدين أو بأبي جهل، ففعل الله ذلك بك، وكنت أحبهما إلى الله، فأنت معي في الجنة ثالث ثلاثة من هذه الأمة»، وآخى بين المهاجرين والأنصار فجعلهم أخوين أخوين.
وكانوا خمسين من هؤلاء ومثلهم من هؤلاء، وقيل: كانوا تسعين؛ وكانت المؤاخاة في دار أنس بن مالك، وهي دار أبي طلحة زوج أم أنس، واسمه زيد بن سهل.