صَدَى الوقعَة في مَكَّةَ
لما ترامت أنباء الوقعة إلى مكة فرح المسلمون كثيرًا، وحزن المشركون حزنًا شديدًا،
فأقيمت المآتم وجز النساء شعورهن، وكان ممن عاد إليها من بدر أبو سفيان بن الحارث بن
هشام — وقد تقدم ذكره في الملحمة الحائية، فلما أنبأ عمه أبا لهب بما رأى وقال: لقينا
رجالًا بيضًا على خيل بلق، قال أبو رافع مولى رسول الله ﷺ: تلك والله الملائكة،
فضربه أبو لهب في وجهه ضربة شديدة، ثم احتمله وضرب به الأرض وبرك عليه، فأخذت السيدة
(لبابة) عمودًا فضربت به رأسه فشجته شجة منكرة، وقالت: استضعفته أن غاب سيده! فولى
ذليلًا، ولم يعش بعد هذه الضربة سوى سبع ليالٍ ثم مات.
وضح اليقينُ لمن يرى أو يسمع
ولقلَّما تجدي الظنون وتنفع
النصر حقٌّ والمنبئ صادقٌ
والويل للمغرور ماذا يصنع؟
إخشع أبا لهب فإن تك ذا عمًى
فجبال مكة والأباطح خُشَّع
مولى رسول الله يُضرب ما جنى
ذنبًا ولم يَكُ كاذبًا يتشيَّع
هي يا أبا لهب كتائب ربه
نزلت تذلُّ الكافرين وتقمع
أخذتْ لبابة للضعيف بحقه
ومضى الجزاء فأنت عانٍ موجع
وشفته منك بضربة ما أقلعت
حتى رمتك بعلة ما تقلع
قالت بغيتَ عليه واستضعفته
أن غاب سيِّدُه وعزَّ المفزع؟
ما بالعمود ولا برأسك ريبة
إن الغويَّ بمثل ذلك يردع
حييت أمَّ الفضل تلك فضيلة
فيها لك الشرف الأعز الأمنع
الله أهلكه بداءٍ ما له
شافٍ ولا فيه لآسٍ مطمع
تمضي البشائر جوَّلًا وتجول في
دمه السموم فجلده يتمزع
أمسى المكاثر بالرجال مبغضًا
يجفى على قرب المزار ويقطع
أكلته صاعقة العمود وإنما
أكلته سبع بعد ذلك جوع
هم غادوره ثلاثة في داره
لا الدار تلفظه ولا هو ينزع
رجموه لو كره السفاهة فارعوى
ما ساء مهلكه وهال المصرع
ما أكثر الباكين ملء جفونهم
للجمع بالبيض البواتر يصدع
جز النساء شعورهن وغودرت
للحزن منهن الدموع الهمع
رجعن مكروه العويل على أسى
والبيت يشدو والحطيم يرجع
والمسلمون بنعمة من ربهم
فيها لكل موحد مستمتع
الله أكبر لا مرد لحكمه
هو ربنا وإليه منَّا المرجع