استشهد من المسلمين في هذه الوقعة المباركة أربعة عشر مجاهدًا؛ ستة من المهاجرين،
وثمانية من الأنصار، فالأولون هم: عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، مهجع مولى عمر بن
الخطاب، عمير بن أبي وقاص، عاقل بن بكير الليثي، صفوان بن بيضاء الفهري، ذو الشمالين
عمير، وقيل الحارث، وقيل عمرو بن عبد عمرو بن نضلة الخزاعي، وأما الأنصار فهم: عوف بن
عفراء، وأخوه شقيقه معوذ بن عفراء، وحارثة بن سراقة، ويزيد بن الحارث بن قيس بن مالك،
ورافع بن المعلى، وعمير بن الحمام بن الجموح، سعد بن خيثمة، مبشر بن عبد المنذر، رضي
الله عنهم أجمعين.
طُف بالمصارع واستمع نجواها
والْثم بأفياء الجنان ثراها
ضاع الشذى القدسيُّ في جنباتها
فانشقْ وصف للمؤمنين شذاها
حِلَلٌ يروع جلالها ومنازلٌ
من نور رب العالمين سناها
ضمت حُماة الحقِّ ما عرف امرؤٌ
عِزًّا لهم من دونه أو جاها
الطالعين به على أعدائه
موتًا إذا نشروا الجنود طواها
الخائضين من الخطوب غمارها
المصطلين من الحروب لظاها
الباذلين لدى الفداء نفوسهم
يبغون عند إلههم محياها
ما آثروا في الأرض إلا دينه
دينًا ولا عبدوا سواه إلها
سلكوا السبيل مسددين تضيئه
آيُ المفصل يتبعون هداها
قومٌ هم اتخذوا الشهادة بغيةً
لا يبتغون لدى الجهاد سواها
هُمْ في حمى الإيمان أول صخرة
فسل الصخور أما عرفن قواها؟
حملت جبال الحقِّ في دنيا الهدى
بيضًا شواهق ما تنال ذراها
تؤتي الممالك والشعوب حياتها
وتقيم من أمجادها وعلاها
ذهبت تُرفرف في مسابح عزها
ومضت يفوت مدى النسور مداها
تجري الرياح الهوج طوع قضائها
وتخافها فتحيد عن مجراها
طاف الغمام مهللًا بظلالها
فسقته من بركاتها وسقاها
شهداء بدرٍ أنتم المثل الذي
بلغ المدى بعد المدى فتناهى
علَّمتم الناس الكفاح فأقبلوا
ملء الحوادث يدفعون أذاها
أما الفداء فقد قضيتم حقه
وجعلتموه شريعة نرضاها
من رام تفسير الحياة لقومه
فدم الشهيد يُبين عن معناها
لولا الدماءُ تراق لم نرَ أمةً
بلغت من المجد العريض مناها
أدنى الرجال من المهالك من إذا
عرضت منايا الخالدين أباها
وَأَجَلُّ من رفع الممالك مظهرًا
بانٍ من المهجِ السماح بناها
كم أمةٍ لم تُوق عادية الردى
لولا الذي اقتحم الردى فوقاها
تسمو الشعوب بكل حر ماجدٍ
وجبت عليه حقوقها فقضاها
ما أكرم الأبطال يوم تفيَّأوا
ظلل المنايا يبتغون جناها
راحوا من الدم في مطارف أشرقت
حمر الجراح بها فكن حِلاها
لو أنهم نُشروا راين كلومهم
تدمى كأنك في القتال تراها
ليسوا وإن وَردوا المنية للألى
غمر البلي وُرَّادَهُمْ أشباها
هم عند ربك يُرزقون فحيِّهم
وصف الحياة لأنفسٍ تهواها
الله باركها ببدر وَقعة
كل الفتوح الغرِّ من جدواها
منعت ذمار الحقِّ حين أثارها
وَحمت لواء الله حين دعاها
بخل الزمان فكنتُ من شعرائها
لو شاء ربي كنت من قتلاها
كم دولة للشرك زلزل عرشها
بدماء بدر واستبيح حماها
في دولةٍ للمسلمين تشوقهم
أيامها وتهزهم ذكراها
يا ويح للأمم الضعاف أتنقضي
دنيا الشعوب وما انقضت بلواها
أممٌ هوالك ما لمست جراحها
إلا بكت وبكيت من جراها
لم أدرِ إذ ذهب الزمان بريحها
ماذا من القدر المتاح دهاها؟
إن الذي خلق السهام لمثلها
جمع المصائب كلها فرماها