كانت في شوال من السنة الثالثة — وأحد جبل من جبال المدينة.
أدأبك أن تريد المستحيلا؟
تأمل أيها المولى قليلا
لبثت تعالج الداء الدخيلا
وتضمر في جوانحك الغليلا
وما يجديك لاعجه فتيلا
أما تنفكُّ تذكر يوم بدر؟
وما عاينت من قتل وأسر؟
وراءك إنها الأقدار تجري
بنصر للنبيِّ وراء نصر
وكان الله بالحسنى كفيلا
أبا سفيان دع صفوان يبكي
وعكرمة يطيل من التشكي
وقل للقوم في بر ونسك
نهيت النفس عن كفر وشرك
وآثرت المحجة والسبيلا
أراك أطعتهم وأبيت إلا
سبيل السوء تسلكه مدلا
تريد محمدًا وأراه بسلا
رويدك يا أبا سفيان هلا
أردت لقومك الحسن الجميلا؟
قريش لم تزل صرعى هواها
وعير الشؤم لم تحلل عراها
أجل عينيك وانظر ما عساها
تسوق من الجنود إلى وغاها؟
فقد حملت لكم أسفًا طويلا
دعا صفوان شاعره فلبَّى
وكان يسومه شططًا فيأبى
أحل له الهجاء وكان خبَّا
أحب من الخيانة ما أحبا
يريد العيش محتقرًا ذليلا
يذم محمدًا ويقول نكرا
ولولا لؤمه لم يألُ شكرا
تغمَّد حقه وجزاه شرَّا
وأمسى عهده كذبًا وغدرا
وإن له لمنقلبًا وبيلا
ألم يمنن عليه إذ الأسارى
تكاد نفوسها تهوى حذارا؟
تطوف به مولهة حيارى
تود لو أنها ملكت فرارا
وهل يُعطَى عدو الله سولا؟
جبير أكان عمك حين أودى
كعم محمد شرفًا ومجدا؟
أحمزة أم طعيمة كان أهدى؟
رويدك يا جبير أَتيت إدَّا
وإن قضاء ربك لن يحولا
أراد فما لوحشيٍّ محيد
ولا لك مصرف عما يريد
أليس لحمزة البأس الشديد
فما يُغني فتاك وما يفيد؟
تبارك ربنا ربًّا جليلا
تولوا بالكتائب والسرايا
وساروا بالحرائر والبغايا
منايا قومهم جابت منايا
فسيري في سبيلك يا مطايا
ولا تدعي الرسيم ولا الذميلا
ويا خيل اركضي بالقوم ركضا
وجوبي للوغى أرضًا فأرضا
لعل الناقم الموتور يرضى
نشدتك فانفضي البيداء نفضا
ووالي في جوانبها الصهيلا
ويا هند اندبي القتلى ونوحي
وزيدي ما بقومك من جروح
وراءك كل منصلت طموح
تُهيِّجُ بأسه ريح الفتوح
وراءك فتية تأبى النكولا
وراءك نسوة للحرب تُزجَى
ترجُّ دفوفها الأبطال رجَّا
وتلك خمور عسكرك المرجَّى
وكان الغي بالجهلاء أحجى
كذلك يطمس الجهل العقولا
رأيت الرأي شؤمًا أيَّ شؤم
وما تدري يمينكِ أين ترمي
لعمرك إنه لرسيس همِّ
تغلغل منك بين دمٍ ولحم
فيا ابنة عتبَة اجتنبي الفضولا
أعن جسد الرضية بنت وهب
يُشَقُّ القبر يا امرأة بن حرب
ويُقطَع بالمُدى في غير ذنب
ليفدى كل مأسور بإرب
فيا عجبًا لقول منك قيلا
هي الهيجاء ليس لها مردُّ
فمن يك هازلًا فالأمر جدُّ
لبأس الله يا هندٌ أشدُّ
له جند وللكفار جند
وإن لجنده البطش المهولا
سيوف محمد أمضى السيوف
وأجلب للمعاطب والحتوف
إذا هوت الصفوف على الصفوف
وأعرض كلُّ جبار مخوف
مضت ملء الوغى عرضًا وطولا
أرى السعدين قد دلفا وهذا
عليٌّ بالحسام العضب لاذا
وحمزة جَدَّ معتزمًا فماذا؟
ومن للقوم إن أمسوا جذاذا؟
وطار حماتهم فمضوا فلولا
وفي الأبطال فتيان رقاق
بأنفسهم إلى الهيجا اشتياق
لهم في الناهضين لها انطلاق
دعا داعي الجهاد فما أطاقوا
بدار السلم مثوًى أو مقيلا
أعادهم النبي إلى العرين
شبولًا سوف تصلب بعد لين
يضنُّ بها إلى أجل وحين
رعاك الله من سمح ضنين
يسوس الأمر يكره أن يعولا
وقيل لرافع نعم الغلام
إذا انطلقت لغايتها السهام
تقدم أيها الرامي الهمام
إذا الهيجاء شب لها ضرام
فأمطرها سهامك والنصولا
ونادي سمرة أيردُّ مثلي
ويقبل صاحبي وأنا المجلِّي
أصارعه فإن أغلب فسؤلي
وكيف أذاد عن حق وعدل؟
وأمنع أن أصول وأن أجولا؟
وصارعه فكان أشد أسرا
وأكثر في المجال الضنك صبرا
وقيل له صدقت فأنت أحرى
بأن ترِدَ الوغى فتنال نصرا
ألا أقبل فقد نلت القبولا
أعبد الله ما لك من خلاق
فعد بالناكثين ذوي النفاق
كفاك من المخافة ما تلاقي
وما لك من قضاء الله واق
وإن أمسيت للشعرى نزيلا
أبيت على ابن عمرو ما أرادا
وشر القوم من يأبى الرشادا
نهاك فلم تزد إلا عنادا
ألم يسمع فريقك حين نادى
أطيعوا الله واتبعوا الرسولا؟
يقول نشدتكم لا تخذلوه
وموثق قومكم لا تنقضوه
رسول الله إلا تنصروه
فإن الحق ينصره ذووه
ألا بعدًا لمن يبغي الغلولا
تجلَّى نور ربك ذي الجلال
وهز الشِّعب صوت من بلال
بلال الخير أذَّنَ في الرجال
فهبوا للصلاة من الرحال
وقاموا خلف سيدهم مثولا
علا صوت الأذين فأيُّ معنى
لمن هو مؤمن أسمى وأسنى؟
إلهُ الناس فرد لا يثنَّى
تأمل خلقه إنسًا وجنَّا
فلن تجد الشريك ولا المثيلا
أجل؛ الله أكبر لا مِراءَ
فهل سمع الألى كفروا النداء؟
أظن قلوبهم طارت هباء
فلا أرضًا تطيق ولا سماء
جلالُ الحق أورثهم ذهولا
سرى الصوت المردد في الصباح
فضج الكون حيَّ على الفلاح
تلقَّى صيحة الحق الصراح
فقام يصيح من كل النواحي
يسبِّح ربه غب ارتياح
ويحمده بألسنة فِصاح
تعطفت الجبال على البطاح
وكبَّرت المدائن والضواحي
وأوَّبت البحار مع الرياح
وصفق كل طير بالجناح
كتاب الحق ما للحق ماح
يُرتَّل في الغدوِّ وفي الرواح
فقل للناس من ثمِل وصاح
شريعة ربكم ما من براح
فمن منكم يريد بها بديلا؟
ألا طالت صلاتك إذ تقام
وطاب القوم إذ أنت الإمام
أقمها يا محمد فهي لام
تساقط حولها الجُنَن العظام
بها يتخطف الجيش اللهام
وليس كمثلها جيش يرام
قضاها الله فهي له ذمام
وذاك نظامها نعم النظام
يوطِّدُ من بَنَى وهي الدعام
ويصعد بالذرى وهي السنام
نهضت لها وما هبَّ النيام
وبادرها الميامين الكرام
مقام ما يطاوله مقام
ودين من شعائره السلام
يصون لواءه جيلًا فجيلا
هُدَى الأجيال يخطب في الهداة
ويأمر بالجهاد وبالصلاة
وبالأخلاق غُرًّا طيبات
مُلقَّى الوحي والإلهام هات
وصف للناس آداب الحياة
وكيف تكون دنيا الصالحات
وخذهم بالنصائح والعظات
مضيئات المعالم مشرقات
شعوب الأرض من ماضٍ وآت
عيالُك فاهدهم سبُل النجاة
إذا ضلَّت دهاقين الثقات
وأمسى الناس أسرى التُّرَّهات
وخف ذوو الحلوم الراسيات
فأصبحت الممالك راجفات
أقمت الأرض تكره أن تميلا
ألا برز الزبير فأي وصف
حواريُّ الرسول يفي ويكفي؟
برزت لخالد حتفًا لحتف
تصد قواه عن كرٍّ وزحف
وتدفعه إذا ابتعث الرعيلا
ألم تره وعكرمة استعدًّا؟
فأمَّا جدَّت الهيجاء جدَّا
بنى لهما رسول الله سدَّا
ومثلك يُعجز الأبطال هدَّا
ويترك كل ممتنع مهيلا
لمن يرث الممالك لا سواه
أعد القائد الأعلى قواه
وبثَّ الجيش أحسن ما تراه
تعالى الله ليس لنا إله
سواه فوالِهِ ودَع الجهولا
رماةَ النبل ما أمر النبيُّ
فذلك لا يكن منكم عصيُّ
إذا ما زالت الشم الجثيُّ
وكان لها انطلاق أو مضيُّ
فكونوا في أماكنكم حلولا
رماة النبل ردُّوا الخيل عنَّا
وإن نهلت سيوف القوم منَّا
فلا تتزحزحوا فإذا أذنَّا
فذلك إن للهيجاء فنَّا
تلقنه الجهابذة الفحولا
تلقَّ أبا دجانة باليمين
حسامك من يد الهادي الأمين
وخذه بحقه في غير لين
لتنصر في الكريهة خير دين
يرفُّ على الدنى ظلًّا ظليلا
نصيبك نلته من فضل ربِّ
قضاه لصادق النجدات ضرب
تخطى القوم من آل وصحب
فكان عليك عضبًا فوق عضب
تبخترْ وامضِ مسنونًا صقيلا
أبا سفيان لا يقتلك همَّا
ولا يذهب بحلمك أن تذمَّا
أحين بعثتها شرًّا وشؤما
أردت هوادة وطلبت سلما؟
مكانك لا تكن مَذِلًا ملولا
من الداعي يصيح على البعير
أما لي في الفوارس من نظير
أروني همة البطل المغير
إليَّ فما بمثلي من نكير
أنا الأسد الذي يحمي الشبولا
تحداه الزبير وفي يديه
قضاء خف عاجله إليه
رمى ظهر البعير بمنكبيه
وجرَّعه منيته عليه
فأسلم نفسه وهوى قتيلا
ألا بُعدًا لطلحة حين يهذي
فيأخذه عليٌّ شر أخذ
أصيب بقسوريِّ البأس فذِّ
يُعدُّ لكل طاغي النفس مؤذ
يعالج داءه حتى يزولا
أمن فقد إلى فقد جديد؟
لقد أضحى اللواء بلا عميد
بصارم حمزةَ البطل النجيد
هوى عثمان إثر أخ فقيد
وأم الكفر ما برحت ثكولا
أبى شر الثلاثة أن يريعا
فخَرَّ على يَدَيْ سعد صريعا
ثلاثة إخوة هلكوا جميعا
وراح مسافع لهم تبيعا
رمت يد عاصم سمًّا نقيعا
تورَّد جوفه فجرى نجيعا
وجاء أخوه يلتمس القريعا
فأورد نفسه وردًا فظيعا
وإن لربك الفضل الجزيلا
رميتهما فظلَّا يزحفان
يجران الجراح وينزفان
وخلفهما من الدم آيتان
هما للكفر عنوان الهوان
ترى الرأسين مما يحملان
على الحجر المذمم يوضعان
أمن ثديي سلافة يرضعان؟
تقول وقلبها حرَّان عان
عليَّ الجود بالمئة الهجان
لمن يأتي بهامة من رماني
فواظمأي إلى بنت الدنان
تدار بها عليَّ فودِّعاني
وموتا إن للقتلى ذحولا
دعاةَ اللات والعزَّى أنيبوا
فليس لصائح منكم مجيب
وليس لكم من الحسنى نصيب
لربِّ الناس داع لا يخيب
ودين الحق يعرفه اللبيب
وما يخفى الصواب ولا يغيب
رويدًا إن موعدكم قريب
وكيف بمن يصاب ولا يصيب؟
سليبُ النفس يتبعه سليب
أما يفنى الطعين ولا الضريب
لواء ليس يحمله عسيب
عليه من مناياكم رقيب
كفاكم يا له حملًا ثقيلا!
رمى بالنبل كل فتى عليم
فردَّ الخيل دامية الشكيم
بنضح مثل شؤبوب الحميم
يصب على فراعنة الجحيم
وصاحت هند في الجمع الأثيم
تحرِّض كل شيطان رجيم
ألا بطل يذبُّ عن الحريم
ويضرب بالمهند في الصميم؟
فهاجت كلَّ ذات حشى كليم
تبثُّ الشجو في الهذر الذميم
وتذكر طارقًا دأب المليم
يسيء ويدعى لأب كريم
وأين مكانهن من النعيم
ومن جرثومة الحسب القديم؟
زعمن الشرك كالدين القويم
لهنَّ الويل من خطب عميم
رمى الأبناء وانتظم البعولا
من البطل المعصَّب يختليها
رقابًا ما يمل الضرب فيها؟
بأبيض تتقيه ويعتريها
وتكره أن تراه ويشتهيها
لها من حده والٍ يليها
وينتزع الحكومة من ذويها
بررت أبا دجانة إذ تريها
وحِيَّ الموت تطعمه كريها
صددت عن السفيهة تزدريها
وتكرم سيفك العف النزيها
تولول للمنية تتقيها
فإيها يا ابنة الهيجاء إيها
نجوت ولو رآك له شبيها
مضى العضب المشطب ينتضيها
حياةَ مناجز ما يبتغيها
إذا شهد الكريهة يصطليها
فأرسلها دمًا وهوى تليلا