مَقْتَلُ حَمْزَةَ (رضي الله عنه)
أبلى حمزة (رضي الله عنه) في وقعة أحد بلاء حسنًا، وكان يقاتل بين يدي النبي ﷺ
بسيفين، ويقول: أنا أسد الله، وقد أصيب ببضع وثمانين جراحة ما بين ضربة بسيف، أو طعنة
برمح، أو رمية بسهم.
قتله وحشي الحبشي مولى جبير بن مطعم بن عدي، قال وحشي: إني لأنظر إلى حمزة يهد الناس
بسيفه حتى عثر فانكشفت الدرع عن بطنه، فهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه فوقعت
في ثنيته (موضع تحت السرة وفوق العانة).
خرج النبي ﷺ يلتمس حمزة، فوجده ببطن الوادي وقد بقر بطنه ومثِّل به، فلم يكن
أوجع لقلبه الشريف مما رأى وقال: «لن أصاب بمثلك، وما وقفت موقفًا أغيظ لي من هذا، رحمة
الله عليك كنت فعولًا للخيرات وصولًا للرحم»، ثم صلى عليه وعلى إخوانه من الشهداء، وأمر
بدفنهم، وقيل إنه أمر بدفنهم بدمائهم وثيابهم، فلم يغسَّلوا ولم يصلَّ عليهم.
جعلت هند زوج أبي سفيان ومن معها من نساء المشركين يمثِّلن بقتلى المسلمين، يجدعن
آذانهم وأنوفهم، ويتخذن منها القلائد، وقد بقرت هند بطن حمزة وأخرجت كبده فلاكتها، ولم
تستطع أن تسيغها فألقتها من فيها، وكانت قد نذرت أن تأكلها إذا قُتل، وقيل إن وحشيًّا
هو الذي بقر بطنه وجاءها بكبده فأعطته ثيابها وحليها، ووعدته أن تدفع له عشرة دنانير
إذا رجعت إلى مكة، وجاء بها إلى مصرع حمزة فجدعت أنفه وقطعت أذنيه، ثم جعلت من ذلك
كالسوار في يديها، وقلائد في عنقها.
صاحبُ السيفين ماذا صنعا؟
ودَّع الصفين والدنيا معا
غاب عن أصحابه ما علموا
أي دار حل لما ودعا
غاب عن أعينهم في غمرة
سد غول الهول منها المطلعا
طلبوه وتنادى جمعهم
نكبة حلت وخطب وقعا
يا رسول الله هذا حمزة
أترى عيناك منه المصرعا؟
إنه عمك إلا أذنًا
قطعت منه وأنفًا جدعا
إنه عمك فانظر بطنه
كيف شقوه وعاثوا في المعى؟
كبد الفارس ماذا فعلت
أين طاحت؟ من قضى أن تُنزعا؟
نذر هند هي لولا أنها
لم تسغها أكلتها أجمعا
طفقت تمضغ من أفلاذها
علقمًا مرًّا وسمًّا منقعا
كلما همت بها تدفعها
ملء شدقيها أبت أن تُدفعا
نذرتْ يوم أبيها نذرها
علَّها تشفي الفؤاد الموجعا
جاء وحشيٌّ فضجت فرحًا
ويك إن الأرض ضجت فزعا
تبذلين الحَلْي والمال على
أن جناه جاهليًّا مفظعا
يا له يا هند جرحًا داميًا
ضاق عنه الصبر مما اتسعا
أفما أبصرت رُكني أحد
حين سال الجرح كيف انصدعا؟
وأبو سفيان ماذا هاجه؟
أفما يزمع أن يرتدعا؟
غره في يومه ما غره
إن عند الغد سرًّا مودعا
يطعن الليث ويفري شدقه
حين ألقى جنبه فاضطجعا
لو رآه يتحدَّى نفسه
لرآها كيف تهوي قطعا
يذكر العزَّى ويدعو هبلًا
ويحه من ذاكر ماذا دعا؟
أسد الله رماه ثعلب
يا له من حادث ما أبدعا
أخذته عثرة مزئودة
ضجت الدنيا لها تدعو لعا
زالت الدرع فغشَّى بطنه
دافق من دمه فادَّرعا
حربة ظمأى أصابت مشرعًا
كان من خير وبِرٍّ مترعا
جزع الهادي لها نازلة
جلَّلَتْ عليا قريش جزعا
تلك رؤياه وهذا سيفه
لا رعى الرحمن إلا من رعى
ثلمة هدَّتْ من الكفر حمى
زعم الكفار أن لن يُفرعا
بورك المضجع والقوم الألى
وسَّدوا فيه الشهيد الأروعا
مثَّل القوم به من بغيهم
ما نهاهم دينهم أو منعا
ليس للأخلاق إلا دينُها
يؤثر المثلى ويهدي من وعى
وعد الإسلام خيرًا مَن عفى
إن حسن العفو مما شرعا
سائل اللائي تقلَّدن الحلى
من جلود من رآها خشعا
أهي كاللؤلؤ أم أبهى سنًّا
من غواليه وأسمى موضعا؟
بوركَتْ إني أراها زُلَفًا
رفع الله بها من رفعا
لن يفوت الكفرَ منها ذابح
لا يُبالي أي جلد مزعا
يا لريب الدهر ما أفدحه
حادثًا نكرًا ورزءًا مفجعا
رجع الذكرى به مؤتنفًا
ولقد أشفقت أن لا يرجعا
شُغِلَ الأهل عن الأهل فيا
عجبًا للدهر ماذا صنعا؟
أفما أبصر إلا لاهيًا
أو معنًّى بالأماني مولعا؟
اذكروا يا قوم من أمجادكم
ما نسيتم رب ذكر نفعا