غَزوَة دُومَة الجَندَل
هي أقرب بلاد الشام إلى المدينة، وكانت هذه الغزوة في أواخر السنة الرابعة، على
رواية، وفي ربيع الأول من السنة الخامسة على رواية أخرى، وسببها أن النبي ﷺ
أُخبر أن بهذه البلدة قومًا يظلمون من مرَّ بها، ويعتدون عليه، وأنهم يريدون الاقتراب
من المدينة، فخرج إليها في ألف من المسلمين، فلما اقترب الجيش منها خاف القوم فتفرقوا،
وأصاب المسلمون من ماشيتهم ورعاتهم ما أصابوا.
وفي الرجوع من هذه الغزوة وادع النبي عيينة بن حصن الفزاري، وأباح له أن يرعى بمحل
بينه وبين المدينة ستة وثلاثون ميلًا، فلما سمنت مواشيه، وعاد إلى أرضه وقد زال عنها
الجدب، أغار على لقاح النبي، وكان يقال له (الأحمق المطاع)، ومن سوء خلقه أنه دخل على
النبي بغير استئذان، وفيه يقول (صلوات الله وسلامه عليه): «شر الناس من تركه الناس
اتقاء فحشه»، أسلم بعد فتح مكة، وشهد حنينًا والطائف، ثم ارتد في خلافة الصديق، ولحق
بطليحة بن خويلد الذي ادعى النبوة فآمن به، فلما هرب طليحة أسره خالد بن الوليد وبعثه
إلى الصديق في وثاق، فمَنَّ عليه وأسلم.
سيري الهوينى دُومة الجندل
أمعنت في الظلم ولم تُجملي
أكُلُّ من مرَّ خفيف الخطى
ترمينه بالفادح المثقل؟
المسلمون استصرخوا ربهم
فاستعصمي منه ولن تفعلي
مضى رسول الله في جحفل
ما مثله في البأس من جحفل
يمشي إذا اسودَّت وجوه الوغى
في ساطع من وحيه المنزل
لولا الذي استعظمتِ من أمره
لم يُهزم القوم ولم تُخذلي
أهلوك طاروا خوف تَقتاله
فأيُّهُمُ بالرعب لم يُقتل؟
كل له من نفسه ضارب
إن يُدبرِ الخوف به يُقبلِ
تلك لعمري من أعاجيبهم
ويبتلي ربُّك من يبتلي
•••
شرَّدَهم مذكور من دارهم
لا كنت من دار ومن منزل
هلَّا رعوا إذ أدبروا جُفَّلًا
ما ريع من أنعامك الجفَّل؟
ماذا يريد الجيش من عورة
حلَّت من الذلة في موئل؟
لولا المروءات وسلطانها
لانقضَّ أعلاها على الأسفل
شريعة الإسلام في أهله
أهل الحجا والشرف الأطول
وسنة المختار من ربه
والمصطفى من خلقه المرسل
جاء بملء الأرض من نوره
والناس من حيرى ومن ضُلَّل
لا عذر للمصروف عن رشده
لم يبق من داجٍ ولا مجهَل
معالم الإيمان وضاحة
والحلق ملء العين للمجتلي
•••
إيهٍ قنيص الله في حبله
ظفرت بالأمن فلا تَوجل
جئت معافى في يدي صائد
لم يخدع الصيد ولم يختل
أقبل فهذا خير من أبصرت
عيناك في الجيش وفي المحفل
هذا الذي أعرض عن حقه
قومك من باغٍ ومن مُبطل
لو أنهم جاءوه فاستغفروا
رأوا سجايا المنعم المفضل
أسلمتَ تأبى دينهم أولًا
فمرحبًا بالمسلم الأول
•••
عيينةُ المغبون في نفسه
ماذا جنى من دائه المعضل؟
حمَّله ما لو تلقَّت ذرى
مُستَشرف العرنين لم يَحمل
ألوى به الجدب فأفضى إلى
أكناف وادٍ معشب مبقل
مِن أنعُم الغيث الكثير الجدا
ومكرمات العارض المسبل
حتى إذا أعجبه شأنه
وغرَّه من ماله ما يلي
أتى بها شنعاء مكروهة
من سيئات الأحمق الأثول
بئس المغير انقضَّ في غرَّة
على لقاح الغابة الهمَّل
ما وقعة اللص بمأمونة
ولا أذاة الضَّرِع الذُّمَّل
آذى رسول الله في ماله
وآثر الغدر ولم يحفل
لو ارتضى دين الهدى صانه
وزانه بالخلق الأمثل
•••
يا أم سعد لست من همه
سعد عن الأهلين في معزل
إنْ أهلُه إلا الألى استوطنوا
دار الوغى في دُومة الجندل
لا تذرفي الدمع على راحل
في الله لولا الله لم يرحل
واستقبلي الموتَ على هوله
إني أراه سائغ المنهل
ظمئت من سعد إلى نظرة
تطفئُ حرَّ اللاعج المشعَل
روَّاك رب الناس من سرحة
ألقى عليها ظلَّه من علِ
تؤتي الجنى كالأرْيِ طيبًا إذا
كان الجنى كالصاب والحنظل
صلاة أصفى الناس مما سقى
أفنانها ذو النائل السلسل
لو وُزِنتْ كل صلاة بها
من أنبياء الله لم تعدل
يا أمَّ سعد إنها نعمة
جاءتك لم تُطلب ولم تُسأل
هذا جوار الله فاستبشري
وهذه جنَّاته فادخلي