لما أصاب بني النضير ما أصابهم شق ذلك على اليهود، فسار من سادتهم إلى مكة حيي بن
أخطب، وسلام بن مشكم، وكنانة بن أبي الحقيق، وهوذة بن قيس، وأبو عامر الفاسق، وجعلوا
يحرضون المشركين على قتال النبي ﷺ، ويعاهدونهم على أن يكونوا معهم، فرحب بهم أبو
سفيان وقال لهم: لا نأمنكم إلا إن سجدتم لآلهتنا، فسجدوا، وخرج من بطون قريش خمسون
رجلًا فألصقوا أكبادهم بالكعبة، وتعلقوا بأستارها يتحالفون على النصرة وحرب النبي، ثم
جاءوا إلى غطفان، وجعلوا لهم تمر خيبر سنة إن هم نصروهم فرضوا.
وتأهبت الجموع للحرب، وكانت القيادة العليا لأبي سفيان، وقدم المدينة ركب من خزاعة،
فأخبر النبي بما أجمعوا عليه، فجمع الصحابة وشاورهم في الأمر، وهل يخرجون من المدينة
للقاء العدو أم يبقون فيها للدفاع عنها؟ فقال سلمان الفارسي (رضي الله عنه): يا رسول
الله، إنا كنا بأرض فارس إذا تخوفنا الخيل خندقنا علينا، فركب النبي في رجال من
المهاجرين والأنصار، وجعل يرتاد أفضل المواقع لحفر الخندق، ثم أقبلوا يعملون فيه والنبي
بينهم، وقد انتهت هذه الغزوة بقهر المشركين، وكسر شوكتهم، وكانت في شهر شوال من السنة
الخامسة، وهو قول الجمهور.
إذهب حيي مذممًا مشئوما
أحشدت إلا جمعك المهزوما؟
إن تغضبوا لبني النضير فإنه
خطب يراه بنو أبيك عظيما
القوة انصدعت فكيف بكم إذا
ترك الهداة بناءكم مهدوما؟
سرتم تحكُّون الجراح ولا أرى
مثل الجراح إذا امتلأن سموما
رحِّبْ أبا سفيان إن لمثلهم
من مثلك الترحيبَ والتسليما
جمع الهوى بعد التفرق بينكم
بئس الهوى يصلي النفوس جحيما
تُذكي سيوفُ الله من أضغانكم
نارًا تصيب من القلوب هشيما
ضمُّوا القبائل واجمعوا أحزابكم
سترون بأس محمد مضموما
•••
قال ابن حرب لليهود مقالة
لم تلقَ إلا فاسقًا وأثيما
إن كان حقًّا ما زعمتم فاعبدوا
ما نحن نعبد وانبذوا التحريما
خرُّوا لآلهة ابن حرب سجَّدًا
لا ينكرون صنيعه المذموما
كفر على كفر رموا بركامه
والكفر أقبح ما يرى مركوما
سئلوا عن العلم القديم فزوروا
وأذى المزوِّر أن يكون عليما
قالوا شهدنا دينكم خير لكم
من دين صاحبكم وأصدق سيما
•••
خفَّ الرجال إلى البنيَّة إنهم
كانوا أخف من اليهود حلوما
عقدوا لهم حلفًا على أستارها
والله يعقد أمره المحتوما
هل ألصقوا الأكباد من سفه بها
أم ألصقوا إحنًا بها وكلوما؟
•••
غطفان هبي للكريهة واغنمي
من تمر خيبر حظك المقسوما
كذب اليهود وخاب ظنك إنهم
لم يبلغوا أن يُرزقوا المحروما
لن يُطعموك سوى سيوف محمد
وستعلمين ذعافها المطعوما
ما أكذب الأحزاب يوم تعاهدوا
أن لا يبالوا الصادق المعصوما
جعلوا أبا سفيان صاحب أمرهم
كن يا ابن حرب قائدًا وزعيما
كن كيف شئت فلن ترى لك ناصرًا
ما دمت لله العليِّ خصيما
•••
جمعوا الجنود وجاء ركب خزاعة
يبدي الخفيَّ ويظهر المكتوما
حمل الحديث إلى الرسول فزاده
بأسًا وزاد المسلمين عزيما
نزلوا على الشورى بأمر نبيهم
يبغي لأمته السبيل قويما
قال انظروا أنقيم أم نمضي معًا
نلقى العدو إذا أراد هجوما؟
فأجابه سلمان نحفر خندقًا
كصنيع فارس في الحروب قديما
حملوا المساحي والمكاتل ما بهم
أن يحملوها أنفسًا وجسوما
هي عندهم لله أو هم عندها
خدامه سبحانه مخدوما
دلفت قروم محمد في شأنها
تلقى بيثرب من ذويه قروما
يسعى ويعمل بين عيني ربه
طلق الجلالة بالهدى موسوما
دأب الإمام فما ترى من رائث
إن الإمام يصرف المأموما
حمل التراب فظل يثقل ظهره
ويقلقل الأحشاء والحيزوما
وإذا رأيت خليفتيه رأيته
لله في ثوبيهما ملموما
ومضت بعمَّارٍ وزيد همة
لم تبقِ من هم الجهاد مروما
•••
سلمان أحسنت الصنيع ونلته
نسبًا مضى فقضى لك التقديما
لما تنافس فيك أعلام الهدى
حكم النبي فأنصف المظلوما
•••
سلمان منَّا آل بيت محمد
ولقد نسبت فما نسبت زنيما
الدين يجمع ليس منا من يرى
في أهله عربًا ويعرف روما
والأكرم الأتقى تبارك ربنا
إنا نطيع كتابه المرقوما
الله مولاكم وأنتم شعبه
لا تذكروا شعبًا ولا إقليما
•••
سلمان دعها كدية توهي القوى
وترد كل محدد مثلوما
إضرب رسول الله كم من صخرة
لم تألها صدعًا ولا تحطيما
من ليس يبلغ من جبابرة القوى
ما أنت بالغه فليس ملوما
بشِّرْ جنودك بالفتوح ثلاثة
تدع العزيز من العروش مضيما
وصف المدائن والقصور لمعشر
مثلتها صورًا لهم ورسوما
أبصرتها في نور ربك ما رأت
عيناك آفاقًا لها وتخوما
ما زلت تحدث كل أمر معجز
لولا النبوة لم يكن مفهوما
جهل العجائب معشر لم يعرفوا
منهن إلا السحر والتنويما
لله أسرار تريك جلاله
إن شاء فضَّ كتابها المختوما
والعلم إن ضل السبيل ولم يلد
ما يرشد الجهلاء كان عقيما
بلوى ذوي الأسقام أكثرها أذى
بلوى أخي عقل تراه سقيما
•••
بلغ الطوى بالقوم غاية جهده
وكأنما طعموا الصفايا الكوما
جيش يصوم على الدئوب ولم يكن
لولا أمانة ربه ليصوما
من كل مبتهج يضجُّ مكبرًا
في الحرب يدعو الواحد القيُّوما
•••
كانت فتاتك يا ابن سعد إذ أتت
غوثًا وخيرًا للغزاة عميما
جاءت ببعض التمر تطعم والدًا
برًّا وخالًا في الرجال كريما
ألقى عليه الله من بركاته
فكفى برحمته وكان رحيما
أخذ النبي قليله فدعا الطوى
داعي الرحيل وما يزال مقيما
جمع الجنود وقال هذا رزقكم
فكلوا هنيئًا واشكروه نعيما
فرحوا بنعمة ربهم وتبدلوا
حالًا تزيد الكافرين وجوما
•••
هذا الذي صنع الشويهة قادم
أحبب بذلك مشهدًا وقدوما
حيَّا النبي وقال جئتك داعيًا
ولقد أراني في الرجال عديما
ما لي رعاك الله غير شويهة
لو زادها ربي بذلت جسيما
أعددتها لك يا محمد مطعمًا
يشفيك من سغب أراه أليما
يكفيك من ألم الطوى وعذابه
حجر يظل على الحشا محزوما
•••
سار الرسول بجنده ومشى الذي
صنع الشويهة حائرًا مهموما
يا رب صاع واحد وشويهة
دبِّر وادوِ فقد دعوت حكيما
وضع الطعام فظل يشرق وجهه
بشرًا وكان من الحياء كظيما
وضع النبي يديه فيه فزاده
رب يزيد رسوله تكريما
تلك الموائد لو يقال لها انظمي
شمل الشعوب رأيته منظوما
كرم صميم راح يورث جابرًا
شرفًا يفوت الوارثين صميما
•••
والأشهلية إذ يجيء رسولها
يمشي بجفنتها أغر وسيما
الله علَّمها مناقب دينه
فشفى الخبال وأحسن التعليما
لولا مراشده تُقوِّم خلقه
لم يعرفوا الإصلاح والتقويما
نهض الحماة به ولو لم يهتدوا
لم يبرحوا في القاعدين جثوما