عجُوز عُيَيْنَة بن حِصْن
أبى عيينة بن حصن أن يرد عجوزًا كانت عنده من سبي هوازن، وقال: هذه أم الحي، فلعلهم
يفدونها بمال كثير، وكانت هذه العجوز أم زهير بن صرد، فجاء زهير وعرض عليه أن يأخذها
بمئة من الإبل، فأبى طمعًا في الزيادة، فتركه وذهب، ثم غاب عنه، ومر عليه معرضًا، فقال
له عيينة: خذها بالمئة، فقال: لا أدفع إلا خمسين، فأبى، ثم غاب عنه ومر معرضًا، فقال:
خذها بالخمسين، فقال زهير: لا أدفع إلا خمسة وعشرين، فأبى، وما زال ذلك دأبهما حتى قال
زهير: لا أخذها إلا بست نياق، والله ما ثديها بناهد، ولا بطنها بوالد، ولا فوها ببارد،
ولا صاحبها عند فوتها بواجد، ولا درها بناكد؛ أي غزير، فرضي عيينة وقال: خذها، لا بارك
الله لك فيها.
عُيينة أمسكت العجوز تريدها
عتادًا يفيد اليسر من كان معسرَا
ضننت بأم الحيِّ تغلي فداءها
فيا لك رأيًا غيره كان أجدرا
تسوم زهيرًا أن يزيدك ضلة
على مئة لو كان غِرًّا لأكثرا
رماك به مكرًا خفيًّا فلم يزل
يضيق عليك الأمر حتى تعذَّرا
لقد كان فيما قال أول مرة
غنًى لك لو كنت امرأ متبصرا
يظلُّ يريك الزهد في شيخة له
يراها من الدنيا أجلَّ وأكبرا
فتدعوه أقبل لستُ فيها براغب
إذا بلغ الأمر الفداء الميَسَّرا
فداها بستٍّ لو أبيت لسقتَها
إليه بلا شيء وحسبك ما ترى
أليستْ كما قال ابنها ما لمثلها
على الضنِّ إلا أن تموت فتقبرا؟
أما والذي لو شاء لم تعصِ أمره
لقد جئت أمرًا يا عيينة منكرا
فنفسك فاحملها على البر إنه
لأربح مما تحمل الأرض متجرا
وما طمَعُ الإنسان فيما يفوته
إذا ما دعا الداعي فولى وأدبرا؟