القسم الثاني
تولى محمد علي باشا على القطر وهو خاوٍ على عرشه قاعًا صفصفًا، إذ كان العدل فيه اسمًا بلا مسمى لكثرة ما حدث من الحروب الداخلية التي مرَّ ذكرها، فهدأت الأحوال بالأتراك الذين أرسلهم هذا الهمام إلى المديريات فجاء الفيوم بعضهم، إلا أنهم كانوا يحكمون ويقضون في الدعاوى بدون كتابة ولا قيد.
وقد وجدنا في الخطط الجديدة التوفيقية للمرحوم علي باشا مبارك أن خورشيد باشا السناري كان مأمورًا على الفيوم سنة ١٢٣٦، ووجدنا أيضًا أن عبد الله أغا المطرطارسي من أهل مطرطارس كان ناظر قسم الفيوم في مدة العزيز المرحوم محمد علي، ثم صار مأمورًا على جميع بلاد الفيوم، وقال إنه كان من الجبارين.
وممن حكم الفيوم في مدة محمد علي باشا المرحوم جعفر بك والد المرحومين مصطفى بك جعفر ومحمد بك جعفر، وممن حكمها أيضًا في ذلك الزمن المرحوم علي أفندي رمزي شقيق المرحوم محمد أفندي رمزي جد مؤلف هذا التاريخ، وممن حكمها أيضًا المرحوم عمر بك والمرحوم «علي الدش».
وأتى على الفيوم حين من الدهر لم يكن الحاكم فيها واحدًا، بل كانت نظارات أقسام. وممن كانوا نظارًا في أقسام الفيوم زمن المغفور له محمد علي باشا من أهل الفيوم؛ كل من الحاج نصر عتمان من بني عتمان، ودرويش عليوة من سنهور، وإبراهيم عمارة من سيلة، وشعبان خميس من هوارة عجلان، وحسن مؤمن من طبهار، وعفيفي الدهشان من أهريت.
وكان من هؤلاء البعض زمن الأقاليم الوسطى، والأقاليم الوسطى كانت تَحكم على ثلاث مديريات: المنيا وبني سويف والفيوم، وكان مركزها بندر الفشن التابع الآن لمديرية المنيا، وكان للأقاليم مفتش ووكيل، وفي كل مديرية من هذه المديريات نظار أقسام تابعون لتفتيش الأقاليم في الخطابات والخزينة والأحكام.
وممن عُيِّنوا مفتشين للأقاليم الوسطى حسن بك الشهير بأبي نشانين، وأحمد باشا طاهر، وخليل باشا رائف الشهير بإمبراطور. وممن عُيِّنوا وكلاء لتفتيش الأقاليم علي أفندي رمزي السابق ذكره. وبقيت الفيوم تابعة للأقاليم الوسطى إلى سنة ١٢٦٦ﻫ/١٨٥٠م، حيث انفصلت الفيوم وبني سويف من تبعية تلك الأقاليم، وعُيِّن لهما مدير خاص بهما.
فرز بني سويف والفيوم من الأقاليم الوسطى
في سنة ١٢٦٦ﻫ/١٨٥٠م فُصلت الفيوم وبني سويف عن الأقاليم الوسطى وصارتا مديرية واحدة، وتعين لها أحمد بك شكري مديرًا، وفي سنة ١٢٦٧ﻫ/١٨٥١م تعين بدله حسين باشا أمير الأمراء، وفي سنة ١٢٦٨ﻫ/١٨٥٢م تعين بعده محمد بك الخوربطلي، ثم بعده محمد بك معجون، وفي سنة ١٢٦٩ﻫ/١٨٥٢م تعين لها جعفر مظهر باشا الفيومي، وكان رجلًا عاقلًا عادلًا عفوفًا.
وفي سنة ١٢٧٠ﻫ/١٨٥٤م تعين لها يعقوب بك مملوك سعيد باشا، وفي سنة ١٢٧٣ﻫ/١٨٥٧م تعين حسين باشا أبو أصبع، وفي نفس السنة المذكورة تعين رستم بك، وفيها أيضًا تعين عارف بك إلى سنة ١٢٧٤ﻫ/١٨٥٨م، التي فُصلت فيها مديرية الفيوم عن بني سويف، وصارت كل مديرية قائمة بنفسها.
وفي خلال هذه المدة كانت مديرية الفيوم قسمًا من القسمين المكونين للمديريتين، وكان الحاكم بها يسمى تارة ناظر قسم وتارة ملاحظًا أو مأمور إدارة.
وممن مكث كثيرًا من هؤلاء يوسف أفندي الملاحظ، فإنه بقي ملاحظًا تارة وناظر قسم تارة منذ كانت الفيوم تابعة للأقاليم الوسطى إلى أن فُصلت وجُعلت مع بني سويف، وكانت مدة حكمه أكثر من ١٦ سنة تقريبًا. وفي سنة ١٢٧٣ﻫ تعين مصطفى بك رياض مأمورًا لإدارة الفيوم — وهو صاحب الدولة مصطفى رياض باشا الآن — ثم تعين بعده عبد الرحمن بك إلى أن انفصلت الفيوم من بني سويف في سنة ٨٤ﻫ كما ذُكر.
انفصال الفيوم عن بني سويف
انفصلت الفيوم عن بني سويف وصارت مديرية قائمة بنفسها في سنة ١٢٧٤ﻫ/١٨٥٨م، وتعين لها مصطفى بك راتب مديرًا، وبقي إلى أن توفي سنة ١٢٧٨ﻫ/١٨٦٢م، ثم تعين بعده عباس بك رحمي، وفي سنة ١٢٨٠ﻫ/١٨٦٣م تعين محمد بك مهدي قبطان، وبقي إلى أن أُضيفت الفيوم على بني سويف في السنة المذكورة.
تبعية الفيوم لبني سويف مرة ثانية
في سنة ١٢٨٠ﻫ/١٨٦٣م أُضيفت الفيوم على بني سويف وعُيِّن لهما مدير عمومي، فكان في السنة المذكورة حسن باشا شركس، ثم عُيِّن بعده إبراهيم باشا أدهم الفريق، ثم عُيِّن بعده حسن بك الشريعي، وبقي هذا إلى أن انفصلت الفيوم عن بني سويف أخيرًا في سنة ١٢٨٦ﻫ/١٨٦٩م.
وفي خلال هذه المدة كان مركز المديريتين بندر بني سويف، وكان في الفيوم حاكم باسم مأمور إدارة، ففي سنة ٨٠ﻫ المذكورة سابقًا عُيِّن علي أفندي هادي، وفي سنة ١٢٨٣ﻫ/١٨٦٦م عُيِّن بدلًا عنه أحمد أفندي يوسف، وفي سنة ١٢٨٥ﻫ/١٨٦٨م عُيِّن بدلًا عنه إبراهيم بك الشريعي، وبقي إلى أن انفصلت الفيوم عن بني سويف كما ذُكر.
انفصال الفيوم عن بني سويف آخر مرة
في سنة ١٢٨٦ﻫ/١٨٦٩م انفصلت الفيوم عن بني سويف انفصالها الأخير، وعُيِّن علاء الدين بك مديرًا لها.
وفي السنة المذكورة عُيِّن مراد باشا رفعت مديرًا بدلًا عنه، وبقي هذا إلى سنة ١٨٨٢ ميلادية ١٢٩٩ هجرية حيث قامت الثورة العرابية، فلمناسبة كونه من الحزب الخديوي عُزل وعُيِّن بدلًا عنه يعقوب بك صبري، ولما خمدت الثورة وهدأت الفتنة عاد مراد باشا مديرًا وعُزل يعقوب بك صبري، وبقي مراد باشا إلى آخر سنة ١٨٨٧م/١٣٠٤ﻫ حيث نقل إلى مديرية المنوفية في أوائل سنة ١٨٨٨ ميلادية.
ومراد باشا المذكور رجل شركسي الأصل، بسيط الأخلاق، سهل المعاشرة، أقام بالفيوم في كل مدته الطويلة التي تبلغ ١٨ سنة والناس يميلون إليه، وقد كان من دأبه السعي في الصلح بين المتخاصمين ولو كان الذي بينهما دم قتيل.
وفي سنة ١٨٨٨ ميلادية ١٣٠٥ هجرية عُيِّن محمد بك رفعت بدلًا عنه، وفي نفس السنة المذكورة عُيِّن لطيف بك سليم بدلًا عنه، وفي ٢ نوفمبر سنة ١٨٨٩م/٩ ربيع أول سنة ١٣٠٧ﻫ عُيِّن محمود بك صبري مديرًا للفيوم، وبقي إلى ١٥ نوفمبر سنة ١٨٩٤م/١٦ جمادى الأولى سنة ١٣١٢ﻫ، ثم نُقل مديرًا للمنوفية، وسنأتي على ترجمة هذا الفاضل في القسم الخامس من هذا التاريخ، وقد وضعنا صورته في أول الصور التي سندوِّنها في آخر الكتاب.
وفي ١٥ نوفمبر سنة ١٨٩٤م/١٦ جمادى الأولى سنة ١٣١٢ﻫ المذكورة عُيِّن عدلي بك يكن مديرًا للفيوم وهو مديرها الحالي، وسنأتي على ترجمته وصورته أيضًا.
صفة الحكومة في كل هذه الأزمان
في مدة المغفور له محمد علي باشا كان المدير هو الحاكم والفاصل في كل الدعاوى بدون قيدها في دفاتر، ثم رتِّبت أقلام القضايا فصار ناظر القلم يُجري تحقيق القضايا تحت ملاحظة المدير، وبعد تمام تحقيقها يحيلها على مجالس كانت متبعة في جميع أحكامها القانون العثماني، ثم أُلْغيت هذه المجالس واسمها الآن المجالس الملغاة، ونُظِّمت المحاكم الأهلية الموجودة الآن في أغسطس سنة ١٨٨٩م/١٣٠٧ﻫ، فوُجدت بالفيوم محكمة جزئية يجوز لها الحكم في المواد المدنية التي لا تتجاوز قيمتها المئة جنيه، وتحكم في المخالفات والجنح، أما الجنايات فلها قاضٍ يحققها ثم يحيلها على محكمة بني سويف الابتدائية الكلية.
أما الإدارة الآن ورئيسها المدير، فلم يبق لها من الفصل في دعاوى الخصومات شيء بل صارت مختصة بالنظر في التحصيلات والأمن العام بفروعه وأملاك الحكومة.
ولقد مضت فترة من زمن حكم جناب الخديو الأسبق كان النفوذ فيها لمفتشي الدائرة السَّنِية، فكان بيدهم الحل والعقد في الرَّفْت والتعيين وغير ذلك، وكان أقوى النفوذ في يد رشوان باشا مفتش الدائرة السنية بالفيوم، فقد كان جبارًا مستحلًّا لأموال الناس.
أما العرب فكان لهم حاكم مخصوص يقال له السَّنْجق أو الكاشف، وتحت يده أربعمئة عسكري، وكان يقال لهذه العساكر بين العامة «الربعمية» نظرًا لعددهم، وفي الحكومة «الباشي بوزق»، كل ذلك في مدة محمد علي باشا، فكانت هذه الفئة تحكم بين العرب في خصوماتهم التي تقع بينهم أو بين بعضهم وبعض الفلاحين.
الأطيان وضرائبها
كانت الضرائب على الأطيان الخراجية لآخر مدة محمد علي باشا لا تزيد عن ٥٠ قرشًا، وما زالت تزيد حتى بلغت ١٣٦ فما دون ذلك، وهي الضرائب المربوطة إلى الآن.
أما العشوري فكان يعطي أولًا رزقة بلا مال، وما زال كذلك في مدة محمد علي باشا وعباس باشا الأول حتى ولي سعيد باشا، فرُبطت عليه ضرائب أدناها ٨ قروش وأعلاها ٢٠ قرشًا، وما زالت تزداد حتى بلغ أعلاها الآن ٧٧ قرشًا.
وكان تحصيل هذه الأموال في مدة محمد علي باشا من نفس المحاصيل، فكان للحكومة أشوان بمديريتنا يورد فيها الأهالي جميع الأصناف الزراعية بدلًا عن الضرائب، والحكومة تبيعها بمعرفتها، وفضلًا عن أصناف الحبوب فقد كانوا يوردون السمن والصوف والكتان. وبعد مدة ألزمت الحكومة الأهالي بتوريد الأموال نقودًا، وما زالت تحصَّل بغير ترتيب، وفي عهد وزارة صاحب الدولة مصطفى رياض باشا رتِّبت على أقساط بحسب أزمان المحاصيل.
وفي سنة ١٢٣٧ﻫ/١٨٢٢م عُملت مساحة عمومية عن أطيان الفيوم، وما زالت معتبرة حتى سنة ١٢٧٠ﻫ/١٨٥٤م، وفي هذه السنة عُملت مساحة عمومية فزاد عدد الأطيان نصف ضعف عن المساحة السابقة، ومساحة سنة ٧٠ المذكورة هي المعتبرة إلى الآن.
حادثة العرب
تولى المغفور له سعيد باشا سنة ١٢٧٠ﻫ/١٨٥٤م والشقاوة سائدة من العربان على الأهالي، فلما كانت سنة ١٢٧١ﻫ أمر بأخذ السلاح من العربان لتبطل شقاوتهم وأن تؤخذ منهم الجهادية، فعصى عرب مديرية المنيا أوامر الحكومة وتوقفوا عن دفع الأموال، وزادت شقاوتهم حتى قاوموا رجال الحكومة وثاروا، وكان زعيم ثورتهم هناك عمار المصري عمدة عربان الفوائد، واستمر عصيانهم إلى أن أمرت الحكومة بالقبض على رؤسائهم، فقُبض على السعدي والد لملوم بك السعدي وعبد النبي كيشار وهما أخوان، وشُنِقا في مدينة الفيوم، وضُرب كثير من أعوانهما بالمدفع في ناحية كارخانة النيلة المعروفة الآن بالكلخانة، وبعد ذلك تجمع عربان الفيوم بقصد المهاجرة إلى الغرب تحت إمرة صميدة الجبالي، فخطب هذا فيهم بما مفاده: «إننا لم نزل نتعشم بأن نرجع إلى مصر، ولا غنى لنا عنها، فالحذر من السلب والنهب، والحذر من عمل ما يخل بالراحة بأي وجه من الوجوه، فإننا سنبارح مصر خوفًا من حكومتها لا كرهًا فيها، فلا تأتوا ما يجعلها في المستقبل حاقدة علينا»، ثم اجتمعت القبائل على ساحل بركة قارون، ومنها هاجروا إلى الغرب عن طريق الواحات، وبعد مدة عادوا إذ أمنتهم الحكومة فيما بعد وصفحت عنهم.
السكة الحديدية بالفيوم
في سنة ١٢٨٧ﻫ/١٨٧٠م أنشئ فرع سكة الحديد الموصل من الواسطة إلى مدينة الفيوم، ومن المدينة إلى أبي كساه، وأُنشئت بعد محطة الواسطة محطة الفيوم ثم أبشواي ثم أبو كساه، وفي هذه السنين الأخيرة أُنشئت بين الواسطة والعدوة محطة سيلة، وبين المدينة وأبشواي محطة سينرو، ثم مُدَّ فرع للسكة الحديدية من الفيوم إلى سنورس، وأنشئ فيه محطتان بِيَهْمو وسنورس، ومصلحة سكة الحديد شارعة في مد فرع آخر من المدينة إلى الغرق.
قناطر اللاهون
قنطرة اللاهون القديمة عرضها سبع وعشرون ذراعًا، منها اثنتا عشرة ذراعًا بُنيت في زمن المرحوم العزيز محمد علي وهي الجهة الشرقية، وأما الغربية فقديمة من بناء الظاهر بيبرس كما دلت عليه نقوش التواريخ التي وُجدت عليها حين البناء، وهي ثلاث عيون، سَعَة كل عين ثلاث أذرع ونصف، وارتفاعها سبع أذرع، والعين البحرية فرشها منخفض عن العينين الأخريين بقدر ذراع ونصف بذراع المهندس؛ لحبس ما يلزم لبلاد الفيوم من المياه وقت انتهاء نقصان النيل، فإن الماء يجري منها حينئذ، ويجف من العينين الأخريين، وبناء تلك القناطر من الحجر الدستور والزوايا الحديد والرصاص، وقد أُجري الكشف عنها سنة ١٢٥٩ هجرية، فوُجد فرشها مختلًّا من تأثير المياه، ودخل الماء تحت البناء القديم جميعه بحيث صار معلقًا، وخُشي على القنطرة من السقوط فيحصل الضرر لبلاد الفيوم، فصدر الأمر بعمل قنطرة أخرى احتياطًا فبُنيت في شرقيِّها، وجُعل فرشُها متصلًا بفرش القنطرة القديمة الأمامي، وجُعلت ثلاث عيون كالأولى، وصار فرش الجميع واحدًا، وقد بنى أحمد باشا طاهر فوق قنطرة اللاهون من جهة الغرب قصرًا كان ينزل به، وكان العزيز محمد علي يستريح فيه عند توجهه إلى الفيوم. ا.ﻫ.
قضية الدهشان
في يوم الثلاثاء ٧ رمضان سنة ١٣٠٥ قُتل المرحوم مصطفى بك واصف مدير هرر سابقًا بمنزل خليل الدهشان عمدة أهريت بناحية أهريت، وادعى خليل المذكور أنه قُتل من طلق ناري أتى من خارج المنزل، فاشتبهت الحكومة في هذه الدعوى، وعيَّنت الداخلية «قومسيونًا» لجنة لتحقيق وضبط الواقعة، وكان مركبًا من حضرة أحمد بك حشمت رئيس محكمة المنصورة حينذاك بصفة رئيس، وحضرة محمود بك صبري نائب مفتش عموم البوليس، وأحمد خيري بك قاضي بمحكمة مصر الأهلية حينذاك، بصفة أعضاء، فحققوا الدعوى، ورفعوا إلى الداخلية تقريرًا مؤداه حصر الشبهة في خليل وخير الله الدهشان.
فصدر أمر عالٍ في ٢٠ سبتمبر سنة ١٨٨٨ / ١٤ محرم سنة ١٣٠٦، بتشكيل محكمة مخصوصة بمدينة الفيوم مؤلفة من عبد الحميد باشا صادق بصفة رئيس، ومن أحمد بليغ بك وإبراهيم نجيب بك وسليمان رءوف بك بصفة أعضاء، للحكم في هذه المادة.
وقد تشكلت بالفعل، وبعد سماع المرافعة من النيابة العمومية ومن وكلاء المتهمين، وسماع شهادة الشهود، حكمت نهائيًّا على كل من خليل وخير الله الدهشان بالإعدام شنقًا، وشُنِقا بالفعل وقُضِي الأمر.
وقد لغط الناس كثيرًا بأن هذا الحكم غير عادل قولًا بأن القاتل لا بد أن يكون واحدًا من الاثنين، فكيف يُقتل الاثنان؟ ونسب الناس الحكومة إلى غير العدل؛ نظرًا لكون الأمر العالي الصادر بهذا الخصوص قد حتَّم أن يكون الحكم نهائيًّا لا استئناف له، وربما كان رأي الحكومة في ذلك إرهاب العُمد من الطغيان، وعملًا بقولهم: «إعدام البعض في حياة الكل جائز»، ومع هذا فقد قال الله تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ.
تشريف ولاة مصر للفيوم
لقد شرف مديرية الفيوم من ولاة مصر المرحوم محمد علي باشا مرتين، والمغفور له سعيد باشا مرتين: مرة وهو ولي عهد الحكومة المصرية، ومرة وهو والي مصر، فخرج من مصر في المرة الأخيرة مع معسكره إلى أن وصل أرض سيلة من مديرية الفيوم، وعسكر هناك، فخف لمقابلته الحكام، ثم رجع من تلك النقطة. وزار الفيوم المغفور له محمد توفيق باشا ثلاث مرار، وأُقيمت له من الزينات الفاخرة ما يبهر الأبصار، وقد أنعم في المرة الأولى على كثير من ذوات الفيوم بالنياشين. وزارها سمو العزيز عباس باشا حلمي الثاني — أيد الله حكمه — في ٢٦ يناير سنة ١٨٩٤ ميلادية، فهُرع الناس من ذوات وأعيان وحكام لاستقبال سموه، وأقيمت له الزينات الفاخرة فلا زالت سحائب أفضاله تتوالى على القطر عمومًا والفيوم خصوصًا ما تعاقب الجديدان وأشرق النيِّران.