الحكاية رقم «١٣»
مُهذَّب ذكي العينَين، قصير القامة في مطلع الشباب، قيل لي: ابن عمك صبري.
أعرف أباه — عمي — معرفةً سطحية، فهو لا يبرح الريف إلا نادرًا، أما صبري فإنه يرى القاهرة لأول مرة، وأعرف أيضًا من أحاديث الليل أن عمي أرسلَه إلى القاهرة ليلتحق بإحدى مدارسها الثانوية، بعد أن ترامت أنباءُ نشاطه الثوري في موطنه إلى مراكز الأمن.
أسأله وأنا أرمقُه بشغف: أنتَ من شبان المظاهرات ويحيا سعد؟
فيبتسم ولا يجيب .. إنه يبدو أعمق من سِنِّه.
ويقول له أبي: هذا بيتك، وأنت الآن آمِن، ولكن كن على حذر.
وأقول لأبي: ولكنك يا بابا أضربتَ مع الموظفين؟
فينهرني: لا تتدخل فيما لا يعنيك.
ويمارس صبري حياة تلميذ مجتهد ذي طاقة كبيرة في العمل.
غير أن القلق يلوح في عينَيه الذكيَّتَين ذات مساء، فأسأله عما يُقلقه، فيسأل بحذر: ماذا دعاك إلى السؤال؟
– لستَ كعادتك.
فيدعوني إلى المشي في الحارة. نتسكع في الحارة وفي ميدان بيت القاضي حتى يهبط الليل، ويهمس في أذني: تستطيع ولا شك أن تحمل ورقة إلى هذا أو ذاك من الناس؟
– ولكن لماذا أفعل ذلك؟
– لا تفعله إذا كان يضايقك.
وأوافق ليعهد إليَّ بمهمة أيًّا تكن.
وأمضي لأوزِّع أوراقًا على أصحاب الحوانيت والمارة، يتناولونها بدهشة، يُلقون عليها نظرة سريعة، يبتسمون ثم يواصلون العمل أو المشي.
وأرجع إليه عند رأس الحارة فيسألني: مبسوط؟
أعرب له عن سروري الذي لا حدَّ له فيقول محذِّرًا: إياك أن تخبر عمي أو امرأة عمي.
ولا أعلم أنني كنت أوزِّع منشورات سياسية إلا بعد مرور فترة غير قصيرة.