الحكاية رقم «١٦»
سلُّومة أول شهيد من أبناء حارتنا، حقيقةً إن علوة صبي الفرَّان أول مَن قُتل في حارتنا ولكنه في الأصل من أبناء كفر الزغاري، وعم طلبة — أبو سلُّومة — بيَّاع يسرح بعربة غزل البنات، وكان سلُّومة يعاونه، وينام على مقدم العربة إذا أنهكه التعب.
وتخترق مظاهرة ميدان بيت القاضي فينضم إليها سلومة بتلقائية دون أن ينتبه إليه أبوه. وتنقض على المظاهرة قوة إنجليزية في خان جعفر، وتطلق عليها النار، يُصاب سلُّومة برصاصة في رأسه ويسقط قتيلًا.
وينتشر الخبر في الحارة، فيجتاحها حزن، ويهزها الفخار والإكبار، ويُقبل الناس على عم طلبة يعزونه وينثرون بين يدَيه لآلئ الكلمات، ورغم حزن الرجل وتهالُكه؛ فإنه يُمارس إحساسًا جديدًا لم يعرفه من قبلُ، يرى نفسه لأول مرة محوطة بأهل الحارة من كافة الطبقات، يفوز بإكبار مَن لم يبالوا من قبلُ بردِّ تحياته، وتنهال عليه نفحات الموسرين من التجَّار والمعلمين.
وتكون جنازة سلومة أعظم جنازة تشهدها حارتنا، تصغر إلى جانبها أيُّ جنازة سابقة من جنازات الفتوات والأعيان ورجال الدين، سعى وراء النعش المكلَّل بالعلَم جميع الذكور، وحيَّاه النساء من النوافذ والأسطح، وانضم إلى المُشيعين مئات من الحواري المجاورة، فبلغت الحسين في ضخامةِ مظاهرةٍ وجلالها.
وتصير الجنازة حديث الناس، ويُمسي سلُّومة اسمًا ورمزًا، ويحظى الأب الكادح المصاب بمكانة مرموقة، وينوِّه المعلقون بعجائب الحياة المغيِّرة للقيم في لحظة من اللحظات الساحرة.