الحكاية رقم «١٧»
استيقظت ذات صباح فأجد في بيتنا امرأة وفتاة.
وتقول أمي: تعالَ سلِّم على عمتك وبنت عمتك سعاد.
أسلِّم بحياء مَن يراهما لأول مرة، المرأة تشبه أبي حقًّا، الفتاة غاية في الجمال.
وتسألني عمتي: في أيِّ سنة دراسية يا حبيبي؟
– الثانية الابتدائية.
وأُفتَن بالفتاة فتملؤني بسحر لطيف وأحلام عذبة.
وأعرف أن عمتي جاءت مع ابنتها من المنيا لتجهزها، وأن زفافها وشيك، وتشغل أيامهما المعدودة بالقاهرة بالتردُّد مع أبي على محال الأثاث والنجارين والمنجِّدين.
وفي أوقات الراحة تتبدَّى سعاد في ثوب أنيق وزينة جذابة، تتألَّق بألوان العرائس وتعبق بشذاهن.
وأختلسُ منها النظرات بقلب حنان وشوق غامض.
وتقول لي وهي تنظر إلى الحارة من خصاص النافذة: حارتكم مسلية جدًّا.
– تعالي أفرِّجك على أزِقَّتها والقبو والتكية.
تتجاهل دعوتي، تتسلل نظراتي إلى عنقها وأسفل ساقيها، أتوق إلى تلاقٍ غامض، وإشباع مُبهَم ومغامرة مجهولة، أريد أن ألمس خدَّها المتورِّد، لا أريد أن أصدِّق أنها سترحل بعد أيام، وأن قلبي لن يجد مَن يؤنسه.
وأستجمع شجاعتي وأقول: أتعرفين؟
وينقطع الصوت والتفكير، فتتساءل هي بنبرة محرِّضة على مواصلة الحديث: أتعرفين؟
ألوذ بالصمت فتسألني: لماذا تنظر إليَّ هكذا؟
– أنا؟!
– نعم، رأيتُك، لا تنكر.
وتضحك ضحكة قصيرة ثم تقول: أنت ولد شقي.
وينقبض قلبي من الشعور بالذنب.
•••
وأرى أمي وعمتي ذات يوم وهما يتناوبان النظر في صورة فوتوغرافية لسعاد، وتقول عمتي: أصرَّ العريس على رؤية الصورة.
– وأبوها وافق؟
– يعني.
ويترامى إلينا صوت أبي من حجرته: تصرُّف غير لائق!
فتقول أمي: الزمان غير الزمان!
وتقول عمتي: ما هي إلا صورة، والعريس لُقطة وابن ناس.
فيقول أبي بنبرة لا تخلو من احتجاج: على خيرة الله.
أتابعُ الحديث بحزن خفي، تطالعني من ثناياه نذر الفراق الأبدي، ووجه الكآبة في الأفق.
وتمُرُّ أيام الزيارة بسرعة فائقة وأنا عاجز عن إيقافها.
وتجيء لحظة الوداع.
وأرنو إلى خد سعاد المورَّد كرغيف خارج لتوِّه من الفرن.
وتذهب الأسرة كما ذهب آل بشير من قبلُ.
وتضحك أمي من لوعتي دون أن تفطن إلى عمق أشجاني.