الحكاية رقم «٢٤»
القطة الأم مستلقية على جنبها مترعة الحلمات، والصغار تتلاطم مغمضات الأعين في حضنها، أنا وحيد في الحجرة، أتابع المنظر باهتمام، فجأةً تتردَّد أنفاس على كثب مني فألتفتُّ فأرى سنية، هي بكرية جارنا ساعي البريد، دقيقة القسمات خفيفة الروح، مليئة بالحيوية والمرح، تكبرني ببضعة أعوام، تنظر إلى القطة بشغف وتهمس: ما أجملها!
أوافق بإيماءة من رأسي فتقول: أحب القطط، وأنت؟
أجيب وشعوري بتوحُّدنا يغمرني: وأنا …
وتقترب لترى بوضوح أكثر، فأحس مسَّ صدرها لكتفي، تواصل الحديث فلا أتابعها، إني أضطرم فيلتهم اللهيب حيائي، أستدير فأضمها إلى صدري، وتبدأ علاقة وطيدة، مفعمة من ناحيتي بالسرور والندم.
أزداد بها معرفةً، جميلة جسورة بقدر ما هي حريصة، رغم سكراتها المنغومة، فبيننا حدود لا يمكن تخطيها، ألبِّي إشاراتها، أهرع إلى ظلها، أما هي فلا تعرف النجوى ولا الحلم ولا البراءة، تجذبني إلى حديقة الورد، ثم تضرم فيها نيران الجحيم، لا نعرف السكينة ولا الأمان، نقطف الثمار في رعدة من الرقباء، نجري في حومة الحب خطَّافين نشَّالين مجانين، نراوح بين الصراع المكتوب والنعاس المفتوح العينَين، وتنقلب الحياة أغنية مجنونة تتفجر بالعذوبة والعذاب.
وتتزوج سنية عقب عامَين من حبنا.
ونلتقي بعد أعوام وأعوام من زواجها.
أجدها مفرطة في البدانة، غافية النظرة، رزينة، جليلة، راسخة الاستقرار والوقار، نتصافح ونتبادل حديثًا روتينيًّا عن الأحوال والناس، لا بسمة ذات معنى، ولا إشارة إلى عهد انقضى. سيدة مصونة ورمز حي للأمومة، ومثال للتديُّن والورع.
وأتخطى الحاضر راجعًا إلى عهد صباها النضير، وهي فراشة متعدِّدة الألوان، تفاحة طازجة، وردة فواحة، ينبوع متدفق.
تلك الأيام السعيدة.