الحكاية رقم «٢٦»
ست نجية امرأة وحيدة.
عهدي بها وحيدة دائمًا، في بيتها وحيدة، مقطوعة من شجرة، يَرِد اسمها بلا لقب، لا أب ولا أم ولا أخ ولا أخت، ولكنها معروفة بأنها امرأة غنية.
صورتها لا تُنسى، قصيرة جدًّا، مطبوعة بطابع كساح يتجلى في تقوُّس ساقَيها وبروز ذقنها، ولها أنف كبير مثل أذن حمار، دميمة ولكنها غير مُنفِّرة؛ لخِفَّة روحها وسخريتها اللاذعة من نفسها ومن الناس.
تجيء معها في زيارتها لنا بالمرح والضحك، فلا نهاية لنوادرها وقفشاتها، وأتصورها دائمًا أسعد الناس.
بيتها مزرعة قطط وكلاب، تُولَد وتُنشَّأ في عزها مُكرَّمة مُدلَّلة، لكلٍّ اسمُه وخدماته الغذائية والصحية والرياضية، هي مولعة بهنَّ، وهُنَّ مولعات بها، وفي رحابها المترعة بالرحمة والسخاء تنمحي الخصومة الغريزية بين الكلاب والقطط؛ فهُنَّ يعشن في إخاء ومودة.
تسألها أمي: لمْ نرَكِ من مدة يا ست نجية؟
فتقول: كانت نرجس متوعكة المزاج.
أو تقول: كانت بَرَكة تلِدُ.
ودائمًا تتحدث عن عفريت من الجن يؤاخيها، وتحكي عن علاقتهما الخاصة باعتزاز وتنوِّه بنوادره.
تقول بجدية: أمس شعرت بأنفاسه تتردَّد على وجهي قبيل الفجر .. أو تقول: وجدتُ بلَّاص العسل فارغًا، فقلت له بالهنا والشفا!
بالصدق والجدية تتكلم، لعلها لا تتخلى عن المزاح إلا حين الحديث عن أخيها الخفيِّ.
وتزعم أيضًا أن الكلاب والقطط تخاطبها بلغاتها الخاصة وأنها تفهمها، ولكي تثبت صحة كلامها تمضي في محاكاة اللهجات القطية والكلبية فنغرق في الضحك.
ولها خبرة راسخة في قراءة الفنجان، والورق، وتفسير الأحلام، وتُتَّهم أحيانًا بممارسة السحر والشبشبة حتى إن أم عبده لعنتها جهرًا في الحارة عقب اختفاء ابنتها إحسان، ولكن طيبتها خصلة يشهد لها بها أكثر الناس.
لا يكاد يطرق بابها أحد، لكثرة الكلاب يتجنَّب الناس زيارتها، حتى الخدم لا يطيقون خدمتها، فهي وحيدة في بيتها، ولكن تؤنس وحدتها الكلاب والقطط والعفريت المؤاخي!
تقول لها أمي وهي بصدد الحديث عن وحدتها: على الإنسان أن يعمل حسابه لساعة الأجل.
فتُجيبها جادةً وهي تبتسم: ستنبح الكلاب حول جثتي وتموء القطط، ويحضر أخي ليُغمِض عينيَّ، ثم يفعل الله ما يشاء!