الحكاية رقم «٢٧»
تقول ضيفة لأمي: نَظْلة، الله يسامحها!
فتسأل أمي عن الأخبار فتقول الضيفة: ما زالت بالجدع حتى أوقعَتْه فتزوَّجها، رعاها وجعلها من أسعد نسوان الحارة، وها هي الفاجرة تهجره عندما أعجزه المرض!
وتسأل أمي عن حاله فتواصل المرأة: طريح الفراش، وحيد، يبصق دمًا ويسعل حتى تنخلع ضلوعه، يتمنى الموت، ولما أزوره يقول لي: «انظري يا امرأة خالي ما فعلَتْه نَظْلة» فأشجعه وأواسيه وقلبي يتقطع!
وأتخيل أنا المريض والدم والمرأة الفاجرة.
ويمضي زمن ثم تزور الضيفة أمي وتقول: شوفي العجائب، لم يكَدْ يمُرُّ شهر على وفاة المرحوم حسن حتى أوقعَتِ الفاجرة شقيقَه خليل فتزوجها!
فتهتف أمي: نَظْلة؟!
– ومَن غيرها يفعل ذلك؟ إلهي ينتقم منك يا نَظْلة يا بنت أمُّونة!
وأتخيل أنا الميت والعاشق والفاجرة.
ويمضي زمن، ها أنا أذاكر دروسي في حجرتي، فيترامى إليَّ صوت أمي وهي ترحِّب بضيفة قائلة: أهلًا بك يا ست نَظْلة.
وأتساءل باهتمام تُرى أهي الفاجرة؟
وأتسلَّل إلى الصالة محتميًا بظلمتها وأرسل الطرف إلى حجرة الاستقبال، فأرى امرأة — بين الأربعين والخمسين — بضة الجسم حسنة التكوين أنيقة الملبس، أعترف بأنها امرأة مثيرة، وأنها تستحق أن تُعشَق، وأعرف عنها معلومات جديدة، منها أن زوجها الثاني — خليل — تُوفِّي أيضًا بعد أن أنجبَتْ منه ولدًا، وأنها تركَتْ شقتها قبيل القبو لتقيم في شقة صغيرة في بيت قريب هنا، وأدرك أيضًا أن أمي لا ترحِّب في أعماقها بزيارتها لنا، وأقول: إنها شريرة!
ولكن أمي تقول بحذر: الله وحده هو المطَّلِع على الأفئدة!
– تعطفين عليها رغم أنك لا ترحبين بها.
– سمعتُ الكثير ولكني أرى امرأة ضعيفة، وأمًّا لولد لا رجُلَ لها ولا مال!
وأراقبها من النافذة كلما سنحت فرصة، وتُخيِّم عليَّ ذكريات المرحوم حسن وخليل ولكني لا أبالي. وأشعر بأنني مقبِل على مغامرة أخطَر من جميع ما مرَّ بي من مغامرات، ولكن القصة لم تبدأ.
ذات صباح، تهز حارتنا صرخة مدوية.
ينتشر خبر بأن جارة ألقَتْ على وجه نَظْلة ماء نار، مُتَّهِمةً إياها بمحاولة خطف زوجها.
تفقد نظلة سحرها إلى الأبد.
تُضطَّر إلى العمل في حمَّام الحارة.
يشتد بي الحزن فترة من الزمن، وأردِّد ما سبق أن قالته أمي: الله وحده هو المطلع على الأفئدة!