الحكاية رقم «٣٠»
يشب بطريق الحموي فيجد نفسه متزوِّجًا.
كان أبوه مقاول بنَّاء أميًّا، فأراد أن يفرح بآخِر العنقود في حياته، فاختار له بنتًا وزوَّجه منها وهو تلميذ في الرابعة عشرة من عمره.
يسعد التلميذ باللعبة الجديدة، فيجعل منها حكاية يُشعل بها قلوب أقرانه المتلهِّفة وأخيلتهم المحمومة.
وينجح «بطريق» في حياته المدرسية، ويتفوق فيكمل تعليمه العالي، ثم يُبعث إلى إنجلترا عامَين. وعقب عودته يتعذَّر عليه التوافُق مع ماضيه، زوجته خاصةً، يتنافران في كل شيء، يضيق بجهلها وخرافاتها، يتهاوى في الغربة والفشل، ويقول لخاصته: لا يمكن أن تمضي الحياة هكذا!
ويتخذ قرارًا حاسمًا وقاسيًا، من خلال معاناة طويلة، فيُطلِّقها.
ويلهج كلُّ لسان في الحارة بلَعْنِه ومروقه، ولكنه يلقى المدَّ المُعادي ببرود، بل ويتحدَّاه أكثر فيرجع ذات يوم بزوجة جديدة أجنبية، يزعم أنها فرنسية، ويصر أهل حارتنا على أنها رومية من بين السوريين!
ويذهبان ويجيئان معًا وهي تشع سفورًا ونورًا، ترمقهما الأعين بازدراء واستنكار، ويترحَّم المترحمون على المعلم الحموي.
وتتطاير تساؤلات محرجة عن سلوك الزوجة الجديدة واختلاطها بالرجال، وما يُقال عن إدمانها الخمر، وعن صحة عقيدتها الدينية، هل يُعتبر إسلامها حقيقيًّا؟ هل تنشِّئ أبناءها نشأة إسلامية سَوِيَّة؟
يُعاني بطريق الحموي ذلك كلَّه، ويتصدى له بما يستطيع من قوة واستهانة.
ولكن ثمة متاعب جديدة من داخل بيته تهب عليه بلا رحمة، ها هي زوجته تضيق بالحارة وأهلها، وعاداته الأصيلة تتعرَّض لمؤاخذتها وسخريتها، وهو كلما تهاون في حقٍّ طُولِب بالمزيد من الاستسلام، حتى يُسلِّم في النهاية بأنه غارق في التعاسة حتى أذنَيه.
ويُقال له: طلِّقها وأمرك لله!
ولكنه يجيب بإصرار: محال أن أُسلِّم بالهزيمة!
أما هي فتقترح الطلاق من ناحيتها، ولكنه يرفضه بإباء.
وإذا بها تهجره ذات يوم، فتغادر الحارة والوطن.
وتمضي الأعوام وبطريق الحموي أعزب لا يفكر في الزواج.
يقترح عليه إخوته أن يردَّ زوجته الأولى، فيقول ساخطًا: هذا سخف!
– هل تعتزم استرداد الثانية؟
– إنه الجنون نفسه.
ثم يقول برزانة وتأمُّل: لا بد من الزواج، وعاجلًا أيضًا، لم تَضِع التجربة هباءً، فإني على الأقل الآن أعرف ما أريد!