الحكاية رقم «٣١»
من قصص الحب المؤثرة في حارتنا قصة سيدة كريم.
ينشأ حب عفيف مستور في خفاء بينها وبين إدريس القاضي ابن الجيران، رغم التكتُّم والحياء تفضحهما النظرات وأحوال العاشقين، ينشب خصام بين الشيخ كريم مدرِّس اللغة العربية وعم حسنين القاضي بيَّاع الحلوى: أدِّب ابنك، ابني مؤدب، كلمة من هنا وكلمة من هنا، فيوشك الكلام أن يتحوَّل إلى فعل، لولا تدخُّل أهل الخير، ولكن يستيقظ الرقباء وتحدُّ الأعين فيعاني العاشقان في صمت وقهر، وعندما ينتهي إدريس من المرحلة الثانوية يقنع أباه بأن يخطب له سيدة، فيمضي الرجل على مضض إلى الشيخ كريم، طالبًا يد ابنته، ولكن الشيخ يقول له بجفاء: ابنك تلميذ وبنتي لا يمكن أن تنتظره.
ثم يقول الشيخ لبعض خلصائه: كيف يطمع في مصاهرتي ذلك البيَّاع الحقير؟!
ويتقدم ابن الحلال المناسب لطلب يد سيدة.
ولكن سيدة ترفضه! ليس الرفض بالأمر الهيِّن ولا المألوف، إنه في الواقع ثورة غير متوقعة أذهلت الشيخ والجيران، وزلزلت الأسرة بالغضب والعنف والتأديب، ولكن سيدة تصِرُّ على الرفض، وتصارح أباها بأنها تمارس حقَّها الديني!
وكالعادة المرذولة في حارتنا تغمغم الألسنة بالشائعات والشكوك وتختلق الأوهام، ويتناهى ذلك إلى الشيخ كريم، فيركبه حزن ثقيل حتى ينوء به كاهله فيختطفه الموت وهو يُلقي درسه في الفصل.
وتتحمل سيدة مسئولية موت أبيها أمام الأسرة والناس، تصبح ملعونة، شؤمًا، متهمة، مُتجنَّبة كالمرض المعدي.
وتتزحزح الأعوام فلا يتقدم لها خاطب.
وينجح إدريس في دراسته العالية فيتقدم إلى عم حبيبته طالبًا يدها!
ولكن لا يلقى إلا الرفض والتجهم، حتى الأم لا توافق!
وتمُرُّ الأعوام، ثقيلة عند المعاناة، خفيفة لدى العدِّ والإحصاء، سيدة شبه سجينة لا يطلبها أحد، وإدريس موظَّف يثير التساؤلات بإعراضه عن الزواج، ولا يشك أحد من المقربين إليها أو المقربين إليه في صمود الحب، وإصراره وتحديه المتواصل لكافة العراقيل.
ويُندَب إدريس للعمل في بعض البلاد العربية، وتنقطع أخباره أعوامًا، على حين تجاوز سيدة ربيع الشباب، ويغيض رونق صباها، وتتلبسها صورة تعاسة مجسَّدة.
ويرجع إدريس من غربته رجلًا في منتصف الحلقة الخامسة. لم يعُد أحد يذكر قصته، ولم تعُد القصة تثير أيَّ اهتمام عند مَن يتذكرونها.
وتُعرف حقيقة غير مألوفة في حارتنا وهي أن إدريس ما يزال أعزب، لم يدخل دنيا ولم يمارس أبوة.
ويمضي إدريس إلى أم سيدة يطلب يد ابنتها!
ويدهش كلُّ مَن يعلم بالخبر، معلِّقًا عليه بأن سيدة لم تعُد عروسًا تسُرُّ الحبيب.
ويتم الزواج متوجًا حياة منصهرة بالعذاب والإصرار والوفاء.