الحكاية رقم «٣٣»
مرَّتْ فترة بحارتنا يمكن أن تُسمَّى بعصر زينب.
الأب بيَّاع فاكهة، والأم بياعة بيض، وزينب آخِر عنقود مثقل بالذكور، وهي جميلة، فَلْتة رائعة من الجمال، وفي جمالها تتلخَّص حكايتها.
في طفولتها كانت لعبة تتخاطفها الأيدي، في صباها تألَّقَت تباشير الفتنة، في الشباب استوَتْ آية من البهاء والأبَّهة.
ويقول زيدان الأب لزوجه: البنت يجب أن تُحجَب في البيت.
فتوافق الأم كارهة؛ إذ إنها تفضِّل بطبيعة الحال لو كان في الإمكان أن تسعى زينب لرزقها.
ويتكالب الخُطَّاب عليها، فترتبك الأسرة حيال الطُلَّاب، وتقول الأم: من العدل أن يكون حظها في قوة جمالها!
لذلك ترفض يد ابن أختها سوَّاق الكارو، فتتمزَّق أواصر الأخوَّة، وتنشب معركة بين الأختَين تتفرج عليها الحارة، ما بين شامِت ومتعجِّب ولاعِن.
ويتقدم لها في وقت واحد تقريبًا حسن «صبي طرابيشي» وخليل «صبي جزَّار» فيُجَرَّان إلى معركة عنيفة يخرجان منها بعاهتَين مستديمتَين.
وإذا بفراج الدري المدرِّس يطلب يدها، أفندي محترم وموظَّف حكومة، ويُعتبَر بالقياس إلى بيئة زينب حلمًا من الأحلام، وتقول الأم: هذا مَن نرحِّب به.
ولكن علي بيَّاع القُلل يعترض سبيل المدرِّس ذات يوم ويهمس في أذنه: إن تكن تحب الحياة حقًّا فابعد عن زينب!
ويستعين المدرِّس بقريب قوي من أهل التحرُّش والتحدي، فيعتدي الرجل على بيَّاع القلل، ولكن بيَّاع القُلَلِ يضطغِنُها في نفسه ويتربَّص لفراج أفندي ثم يفقأ عينه!
عند ذاك يجفل المحترمون من أبناء حارتنا إيثارًا للسلامة ولا يبقى إلا الحرافيش.
وتهتف الأم المغيظة: يا ميلة البخت!
وتحتدم المنافسات، وتتعدَّد الاعتداءات، وتتساقط التهديدات، ويلتزم آل زيدان الحياد التامَّ خوفًا من العدوان، ورغم بلواهم وكربهم تلفحهم أنفاس الحاسدين وألسنتهم، حتى يقول زيدان لبعض أصدقائه: لقد حلَّت بنا نقمة اسمها الجمال!
وتتكرَّر الخناقات وتكثر الإصابات، وتمضي زينب وأسرتها لعنة مُجسَّدة تستقطب الكراهية والحقد والحسد ورغبة خفية في الانتقام.
عم زيدان لا يجد فرصة ليتنفس في هدوء، ويخاف أن يغدر غادِر بزينب نفسها.
ويطلع صباح فلا نقف لآل زيدان على أثر، ويتفشَّى الوجوم والكدر، وأُمْنى بخيبة لا يدري بها أحد، وبحزن أتساءل: ألا يتيسر للجمال أن يهنأ بالبقاء في حارتنا؟