الحكاية رقم «٣٤»
هنية بنت علوانة الدلَّالة من بطلات الحب في حارتنا.
أتساءل كثيرًا عن سر حبها لحمام صبيِّ الخياط البلدي، إنه فتى سيِّئ الصورة والسمعة، شرس الطباع، تعكس عيناه نظرة تحَدٍّ وعدوان، يرتدي جلبابه على اللحم ويمضي حافي القدمَين، ثم إن هنية بنت متعلمة، مكثَتْ في الكُتَّاب ثلاث سنوات، تفكُّ الخط وتجمع الأرقام وتحفظ جزء عمَّ، وأمها ميسورة الحال، ووقت الغداء تفوح رائحة القَلْي من مطبخهم.
وهنية ترفض يد حامد المراكيبي بيَّاع المراكيب عندما يتقدَّم لخطبتها، وتبكي الأم بحرارة وهي تحكي مأساتها لأمي: تصوَّري، حامد المراكيبي الرجل الكامل صاحب القرش.
فتتساءل أمي: كيف وبنتك عاقلة وحافظة كلام ربنا؟
– قالوا لي إنه معمول لها عمل، فذهبت إلى الشيخ لبيب، وزرت الأضرحة ونذرتُ النذور.
ولكن هنية تصر على رفض يد حامد، وتغضب أمها وتلطمها على وجهها وتصيح بها: تُفضِّلين عليه المجرم؟ بُعدِك، ولكن مكتوب عليك الشقا.
ويتراجع حامد المراكيبي ويتلاشى، ويبدأ حمام جادًّا في التفكير في أعباء الزواج وما يقتضيه من التزامات جديدة نحو مظهره وسلوكه، غير أنه يُتَّهم في هذه الأثناء بجريمة السرقة مع الإكراه، فيُقبَض عليه ويُزَج في السجن عامَين.
تبتهج علوانة الدلَّالة بالحل الذي جادت به السماء، وتقول لهنية: أرأيتِ؟ سبحان الله الذي لا يعلو على برهانه برهان.
ولكن هنية تصر على رفض حامد المراكيبي، وتغرق في حزن عميق، حتى يشفق عليها الغاضبون، ويقول كثيرون إنه لا حيلة لها في الحزن، وإن حمام لا يُقتَلع من قلبها بلا أثر. ولكنها تصِرُّ على الرفض حتى يمُرَّ العامان ويرجع حمام إلى الحارة، وتدب الحياة من جديد في هنية ويُجَنُّ جنون أمها. ويلقى حمام صعوبةً في العودة إلى عمله الأول أو الالتحاق بأي عمل آخَر، ثم يُرى سارحًا بلحمة رأس وطبلية، ويتساءل كثيرون: من أين جاء برأس المال؟ ولا يُعلَم إلا فيما بعد أن هنية هي التي أمدَّته بأسورة ذهبية.
وتثور علوانة ثورة عنيفة، وتستعدي على ابنتها القريب والجار، غير أن هنية تعقد قرانها بحمام في القسم، وتحت حماية الشرطة.
وأشهد بأنها زيجة مُوفَّقة، فهنية تشاركه في العمل وتدبِّره له بحكمة يعجز عنها عقلُه المشتَّت حتى ينجح — أو بالأحرى تنجح هي — في فتح دكان له، أما الذكريات القديمة، فلم يعُد من المهم أن يذكرها أحد.