الحكاية رقم «٤»
وأنا ماضٍ نحو القبو، ينفتح باب بيت القيرواني تاجر الدقيق، وتبرز منه بناته الثلاث. منبع نور يتدفَّق فيبهر القلب والبصر، بيضاوات مُلوَّنات الشَّعر والأعين، سافرات الوجوه، ينفثن ملاحة نقية، الدوكار ينتظرهن، فأتسمَّر أنا بين الدوكار وبينهنَّ. ويَرَيْن ذهولي فتضحك وسطاهنَّ، وهي أشدهنَّ امتلاءً، وأغلظهنَّ شفةً، وتقول: ما له يسد الطريق!
لا أتحركُ فتخاطبني مداعبة: أفِق يا أنت!
وأقول متأثِّرًا بدفقة حياة مُبهَمة: بلبلي خون دلي خورد وكلي حاصل كرد.
فيغرقن في الضحك وتقول الكبرى: إنه درويش.
فتقول الوسطى: إنه مجنون!
وأُلقي بنفسي في ظلمة القبو، فأمضي مُهَروِلًا حتى أخرج إلى نور الساحة أمام التكية، وفي رأسي حماس، وفي قلبي نذير نشوة البراعم قبل أن تتفتح.
صُوَرهن الباهرة مُستكِنَّة في متحف الأعماق.
بذور حب لم يُتَح لها أن تنمو؛ لأنها غُرِست قبل أوانها.