الحكاية رقم «٤٠»
يجلس وراء نافذةٍ مصفَّحةٍ بالقضبان، يحملق في لا شيء، تتحجر في عينَيه نظرة لا معنى لها، رأسه صغير أصلع، يغمغم بين آنٍ وآن: أين أنتِ يا حبيبتي!
نرمقه من بعيد بحب استطلاع، نتجنَّب إثارته كما نبَّه علينا، نتهامس: انظر إلى عينَيه!
– ماذا يعني؟
– إنه مجنون.
كان يُرى قديمًا هائمًا صامتًا، يتابع امرأة محجَّبة باهتمام، يعترض طريقها فيفصل بينهما أهل المروءة.
ويُقال إنه رأى في حلم بنتًا جميلة شغف بها أيَّما شغف، وأن الحلم يتكرَّر، وأنه يمضي باحثًا عنها.
ويفقد الصبر فيأخذ في التهجُّم على النساء، ويهم بجذب النقاب، ويتعرض بذلك للزجر والضرب والعنف، ويؤمن أهله بأنه ممسوس فيطوفون به على الأضرحة والشيخ لبيب، ولكنه لا يبشر بشفاء.
ويقولون لأبيه: المستشفى لأمثاله وسلِّم للمقادر.
ولكنه يحبسه في الحجرة ويُصفِّح النافذة بالقضبان.
ويقبع نهاره وراء النافذة، يحملق في لا شيء، ويتقدَّم في السن، ويغمغم من آنٍ لآن: أين أنتِ يا حبيبتي؟