الحكاية رقم «٤٣»
حوَّاش العدَّاد من أصحاب المزاج في حارتنا.
في ليلة عيد يُقرِّر أن يُحيي سهرة كبرى في بيته، يُلبِّي دعوته كثيرون من الصحاب والمعلمين والمطربين والعوالم والراقصات، وتلعب الأوتار وتتهادى الأنغام في جوٍّ من العربدة يهيِّج أشواق المحرومين، ويثير استهجان أهل التقوى والورع.
ويتواصل الطرب والعربدة حتى قبيل الفجر بقليل، ثم يخلد الجميع لنوم عميق.
وعند ضُحى اليوم التالي، والحارة ثَمِلة بأفراح العيد، تصدر عن بيت حوَّاش العدَّاد ضجة غريبة وصيحات فزع كأن صاعقة انقضَّت عليه.
ويهرع الناس نحو البيت وهم يتساءلون، ثم تنتشر أخبار لم يُسمَع بمثلها من قبل.
يقول الرواة إن الداعي والمدعوين استيقظوا فوجدوا أنفسهم مبعثرين في عالم خراب شامل لا يُتصَوَّر ولا يُوصَف، إنهم يتذكرون كيف أن النوم سرقهم من بين أحضان المسرات وهم على خير ما يحبون، ولكنهم فتحوا أعينهم على عالَم لا يُرى إلا في أعقاب زلزال مدمِّر، فالأثاث النفيس قد تحطَّم إربًا، الكنب والدواوين والمقاعد والموائد تتفتَّت أكوامًا ونثارًا، الشلت والمساند والستائر والأغطية قد تهتَّكَت وتمزَّقَت، وتطايرَ حَشْوُها ندفًا، والقوارير والكئوس والأطباق والمواقد والجوَز قد تكسَّرَت وانتشر كسارها، كذلك المصابيح والتُّحف، وحتى السجاد والأبسطة والملابس. ماذا حدث، لماذا حدث، كيف حدث؟!
وتحضر الشرطة فتُعاين وتُسجِّل وتستجوب، ولكن التحقيق لا يُسفِر عن شيء، ويُقال هنا وهناك إن خلافًا دبَّ بين السكارى فانقلب معركة حامية لم تُبقِ على شيء، وأن رجالًا من ذوي الجاه توسَّطوا عند المأمور فغطَّى على الحادث بالحفظ، ولكن لم يُسمع أن أحدًا من المدعوين جُرح جرحًا عميقًا أو أصيب بعاهة.
ويُقال أيضًا إن أعداء لحوَّاش العدَّاد دسُّوا لهم مُنوِّمًا حتى ناموا ثم دمَّروا كلَّ شيء بتصميم شامل ودقة ووحشية بالغة، ولكن ألَمْ يكُن من المنطق أكثر أن يوجهوا انتقامهم إلى الأشخاص أنفسهم؟
وعلى ذلك فلم يكن يُصدِّق أحدٌ هذا القول.
ويذاع كلام أيضًا عن أن ما حاقَ ببيت حوَّاش إنما جاء نتيجة لغضب من الله استحقَّه باستهتاره وفسوقه وعربدته وأن الداعي والمدعوين هم الذين خربوا دارهم وهم ذاهِلون في غيبوبة، ثم تداعَوْا نيامًا شبه أموات.
وهذا تفسير يلقى عادةً أذنًا مصغية في حارتنا، ومثلُه ما قيل عن دَوْر العفاريت في الأمر نتيجة لنذرٍ نذرَهُ حوَّاش ولم يُوفِّه.
وتمُرُّ أيام وأعوام فلا يذكر أحد من حارتنا حادث ليلة العيد بدار حوَّاش العدَّاد حتى يبسمل ويحوقل ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم.