الحكاية رقم «٥»
اليوم سعيد.
سأذهب في صحبة أمي إلى زيارة حرم المأمور.
هطلت الأمطار في الصباح الباكر، ولكن الجو رقَّ وصفا عند الضحى، وأشرقت الشمس، المياه تغمر فجوات الطريق، وتخدِّد جوانبه، ولكنني سعيد بزيارة حرم المأمور.
امرأة عملاقة، سمراء دكناء، في نقرة ذقنها وشم، ونبرتها ريفية غريبة، وضحكتها عالية، وقِطَّتُها غزيرة الشعر، نقية البياض، ودائمًا تسبِّح بذكر الله.
وتعانق أمي مرحِّبةً وأنا أنتظر، تلتفت نحوي ضاحكةً وهي تعبث بشعر رأسي، ترفعني بين يدَيها فأرتفع فوق الأرض عاليًا، تضمُّني إلى صدرها فأغوص في أعماق طرية، وأشعر ببطنها مثل حشية وثيرة ينبعث منها إلى جوارحي دفء مؤثر.
أسير وراءهما وأنا أسوِّي ما تشعَّثَ من شَعري وملابسي، ولما أُفِق من نفحة الدفء.
وتقول لأمي: بتُّ أومن بأن القبو مسكون بالعفاريت.
فتبسمل أمي، فتقول الأخرى: إنهم يخرجون عقب منتصف الليل.
فتقول لها أمي مُحذِّرة: إياكِ وأن تنظري من النافذة.
وألاعب أنا القطة حتى تتوارى تحت الكنبة، أنظر إلى رأس ثور مُثبَّت في الجدار فوق سَيْفَين متقاطعَين، متمنِّيًا الوصول إليه. المضيفة تُقدِّم لي قطعة هريسة فأتناولها. أمنِّي النفس بحضن دافئ آخَر عند انتهاء الزيارة.
ويطول الحديث ويتشعَّب.
وتشعل المرأة المصباح الغازيَّ المُدلَّى من السقف.
تدور حول المصباح فراشة.
أتساءل متى تجيء لحظة الوداع الواعدة بالدفء؟